- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول
(ح 79)
كيف نشأت مسألة القضاء والقدر (4)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:
أيها المؤمنون:
أحبّتنا الكرام :
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ التاسعة وَالسَّبعين، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "كيف نشأت مسألة القضاء والقدر (4)".
يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "وأوَّلوا ما ورد من آيات تخالف رأيهم هذا مثل قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ). ومثل قوله تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ). وقوله: (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ). وخلصوا من ذلك إلى الرأي الذي اعتنقوه ودعوا له، وهو رأيهم المعروف من أن الإنسان له حرية الإرادة في أن يفعل الفعل أو يتركه. فإذا فعل فبإرادته، وإذا ترك فبإرادته.
وأما مسألة خلق الأفعال، فقد قال المعتزلة أن أفعال العباد مخلوقة لهم ومن عملهم هم لا من عمل الله، ففي قدرتهم أن يفعلوها وأن يتركوها من غير دخل لقدرة الله. ودليل ذلك ما يشعر به الإنسان من التفرقة بين الحركة الاختيارية والاضطرارية، كحركة من أراد أن يحرك يده وكحركة المرتعش، وكالفرق بين الصاعد إلى منارة والساقط منها. فالحركة الاختيارية مقدورة للإنسان فهو الذي يخلقها، والحركة الاضطرارية لا دخل له فيها. وأيضاً لو لم يكن الإنسان خالق أفعاله لبطل التكليف. إذ لو لم يكن قادراً على أن يفعل وألا يفعل ما صح عقلاً أن يُقال له افعل ولا تفعل، ولما كان هذا محل المدح والذم والثواب والعقاب".
ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: يتابع الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله - حديثه عن بيان الكيفية التي نشأت بها عند المتكلمين مسألة القضاء والقدر، وذلك من خلال الأفكار الآتية:
أولا: حين تأتي نصوص القرآن مخالفة لرأي المتكلمين فإنهم يؤولونها تأويلا يتفق مع آرائهم. يقول الشيخ رحمه الله في هذا الشأن: "وأوَّلوا ما ورد من آيات تخالف رأيهم هذا مثل قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ). (البقرة 6) ومثل قوله تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ). (البقرة 7) وقوله: (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ). (النساء 155) وخلصوا من ذلك إلى الرأي الذي اعتنقوه ودعوا له، وهو رأيهم المعروف من أن الإنسان له حرية الإرادة في أن يفعل الفعل أو يتركه. فإذا فعل فبإرادته، وإذا ترك فبإرادته".
ثانيًا: بحث المتكلمون مسألة خلق أفعال العباد: هل هي مخلوقة لهم، أم مخلوقة لله تعالى؟ قال الشيخ: "وأما مسألة خلق الأفعال، فقد قال المعتزلة أن أفعال العباد مخلوقة لهم ومن عملهم هم لا من عمل الله، ففي قدرتهم أن يفعلوها وأن يتركوها من غير دخل لقدرة الله".
ثالثا: أورد المعتزلة دليلا على كون أفعال العباد مخلوقة لهم فقالوا: "ودليل ذلك ما يشعر به الإنسان من التفرقة بين الحركة الاختيارية والاضطرارية، كحركة من أراد أن يحرك يده وكحركة المرتعش، وكالفرق بين الصاعد إلى منارة والساقط منها".
رابعًا: تابع المعتزلة كلامهم عن الدليل الذي استدلوا به على كون أفعال العباد مخلوقة لهم فقالوا: "فالحركة الاختيارية مقدورة للإنسان؛ فهو الذي يخلقها، والحركة الاضطرارية لا دخل له فيها".
خامسًا: وأضاف المعتزلة قائلين: "وأيضًا لو لم يكن الإنسان خالق أفعاله لبطل التكليف. إذ لو لم يكن قادرًا على أن يفعل وألا يفعل ما صح عقلًا أن يُقال له: افعل، ولا تفعل، ولما كان هذا محل المدح، والذم، والثواب، والعقاب".
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير الأستاذ محمد النادي.