- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية – الحلقة الثانية عشرة
أما الأمر الخامس والأخير من الأمور الواجب على الدولة أن تقوم بها للحفاظ على بيئة نظيفة فهو:
الهندسة الصحية للبيئة السكنية:
إن هندسة المدن والتجمعات السكنية في الدولة الإسلامية – كما كانت سابقا - يجب أن تراعي صحة الرعية وراحتهم، ففي اختيار مكان المدينة يكون بما يحقق الأمن ويكون قريبا من الماء والزرع وهواؤها طيب لأن ما خبث منه بركود أو تعفن، لمجاورته لمياه فاسدة أو منافع متعفنة أو مروج خبيثة يسرع المرض فيه للحيوان الكائن فيه لا محالة، ذكر القزويني في حديثه عن مدينة طليطلة: "أنه من طيب تربتها ولطافة هوائها تبقى الغلات في مطاميرها سبعين سنة لا تتغير"، وعندما تحدث عن أصفهان ذكر: "أنه لطيب هوائها يبقى بها التفاح غضا سنة، والحنطة لا تسوس، واللحم لا يتغير".
وتهتم الدولة بأن تصمم هندسة المدن والتجمعات السكنية بشكل يسمح بالتهوئة السليمة، ويمنع اكتظاظ السكان، ويسهل عملية الصرف الصحي وتنظيف الشوارع وإزالة النفايات.
ويجب أن يراعى في هندستها الحد من التلوث بأن تكون المدابغ والعطارة والحدادة وغيرها خارج المدينة فلا تسبب ضررا للبيئة وبالتالي للسكان، يقول ابن عقيل في وصفه لمدينة بغداد: “وكانت أسواق الكرخ، وباب الطاق، لا يختلط فيها العطارون بأرباب الزهائم والروائح المنكرة، وعندما رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كير حداد في السوق ضربه برجله حتى هدمه، لما يسببه الكير من تلويث للهواء بدخنه وخبثه وضجيجه.
كذلك يراعى الحد من الضجيج والضوضاء بأن تكون البيوت بعيدة عن المصانع وورشات العمل المختلفة، وأن تكون الطرق السريعة والقطارات والمطارات معزولة عن البيوت والسكان بحواجز صوتية.
فمن الاختراعات الحديثة والتي أضرت ولا زالت تضر بالعديد من السكان المجاورين والقريبين منها هي أسلاك الضغط العالي وأبراج تقوية إشارات الهاتف المحمول، فهذه يجب نقلها إلى خارج المنطقة السكنية لما تسببه الإشعاعات المنطلقة منها العديد من الأمراض الخطيرة وعلى رأسها أمراض القلب وتشوه الأجنة والسرطان كما أن التعرض للموجات الكهرومغناطيسية لهذه الخطوط لفترات طويلة يحدث تغييرا في النشاط الكهربائي للدماغ ولها تأثير سلبي على وظائفه.
ويجب على الدولة كذلك أن تراعي المشلولين والعميان وأصحاب الإعاقات المختلفة بتسهيل المواصلات والطرق وملائمتها لحاجاتهم الخاصة، وخاصة في المؤسسات العامة كالمدارس وبنايات الدولة،وأن تنشئ المتنزهات والملاعب الآمنة للأطفال.
أما ما يراعى في تخطيط البيوت والشروط التي يجب توافرها في المنزل الإسلامي، كالبساطة، والخصوصية، والتوافق مع البيئة، وهي شروط انعكست كثيرا على عمارة المنازل عبر العصور الإسلامية، فقد عرضها ابن القيم قائلا: ( .... كانت من أحسن منازل المسافر، تقي الحر والبرد، وتستر عن العيون، وتمنع من ولوج الدواب، ولا يخاف سقوطها لفرط ثقلها، ولا تعشش فيها الهوام لسعتها، ولا تعتور عليها الأهوية والرياح المؤذية لارتفاعها، وليست تحت الأرض فتؤذي ساكنها، ولا في غاية الارتفاع عليه، بل وسط، وتلك أعدل المساكن وأنفعها، وأقلها حرا وبردا.... وأوفقها للبدن، وحفظ الصحة)
وقد كانت للقبة التي تغطي بيت الصلاة بالمسجد والعديد من البيوت دور مهم في إيصال الإنارة إلى قلب بيت الصلاة عن طريق الشمس المتغلغلة من النوافذ الكثيرة المحيطة برقبة القبة، وكذلك التهوية، حيث تسحب الهواء الساخن الذي يرتفع إلى أعلى، فيخرج من النوافذ المطلة على الناحية المشمسة، أما النوافذ التي في الناحية الظليلة، فيدخل منها الهواء الرطب البارد مما يفسح المجال أمام التيارات الهوائية الصحية الصافية للتردد على جنبات المسجد طاردة الهواء الفاسد إلى الخارج.
واشتهرت الدولة الإسلامية بقضايا العمران، فكما كان لها دائرة حسبة للسوق فقد كانت هناك دائرة حسبة تختص بكل ما هو متعلق بالمباني وتنظيم العمران، ومن صلاحيتها النظر في صلاحية المحلات التجارية ومنع التلوث والازدحام ورمي القمامة ومراقبة الحمامات العامة ومراقبة مواد البناء والمسافة بين الأبنية وتأثيرها على الجيران وكف المخالف وإزالة المنكرات، فلا تأخذ تعويضا ماليا عن المخالفة - مع إبقاء الضرر- كما يحصل في الأنظمة الرأسمالية.
جمع وإعداد: راضية عبد الله