الخميس، 26 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية – الحلقة الخامسة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية – الحلقة الخامسة عشر

 

 

 

 

ومع المجال الرابع من مجالات الرعاية الصحية العامة في الدولة الإسلامية:


4- الحجر الصحيّ:


انتشر في العالم في الآونة الأخيرة فيروس  كورونا، والذي ظهر ابتداء في الصين، ورغم أنه مرض معدٍ وذو خطورة عالية، إلا أن السلطات الصينية لم تغلق المدينة التي هي بؤرة الوباء ولم تمنع السفر منها وإليها، وكذلك في بقية دول العالم، كان الرأسماليون قلقين في الغالب من توقف التجارة وعائداتها، لذلك رفضوا بشكل فعال عزل المسافرين القادمين من الصين ابتداء أو من أي دولة ظهر فيها الوباء لاحقا، مما سمح للفيروس بالانتشار سريعا وعلى نطاق واسع، فأصيب الملايين وتوفي مئات الألوف منهم.

 

إن العلاج الصحيح لهذا المرض هو كما جاء في شرع الله سبحانه وتعالى وعلمنا إياه نبي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم - الموحى إليه - من خلال تطبيقه في الدولة الإسلامية (الدولة الحضارية من الطراز الأول) بأن تتابع الدولة المرض من بدايته وتعمل على حصر المرض في مكان نشوئه ابتداءً، وأن يبقى سكانه فيه ولا يدخل عليهم سكان آخرون... روى البخاري في صحيحه عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا».

 

هذا النوع من الحجر الصحي طبقه الخلفاء على مرّ العصور في الدولة الإسلامية، وقد ذكر ابن حجر في فتح الباري أن عمر رضي الله عنه خرج إلى الشام فلما جاء سرْغ بلغه أن الوباء وقع بالشام، فأخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ» فرجع عمر بن الخطاب... أي لما جاءه الخبر بأن الطاعون قد انتشر رجع بالمسلمين...

 

وعليه فلمنع انتشار مثل هذه الأمراض يجب أحيانا عزل المرضى المصابين تماما إما في بيوتهم أو في المستشفيات إن احتاجوا إلى علاج ومتابعة، أو تجبرهم على اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة كلبس الكمامات حين مخالطتهم، حتى لا يتعرض الأصحاء لما يحمله المرضى من كائنات دقيقة معدية. وإذا لم يلتزم المريض بقرار العزل تجبره الدولة وتعزله بالقوة، لأن في خروجه ومخالطته للناس ضررا عليهم، وذلك لأن الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، ولأن القاعدة الشرعية "لا ضَرَرَ وَلا ضِرارَ" توجب على الإمام إزالة الضرر عن رعيته. وعلى الإمام أن يتكفل بالإنفاق على المريض المحجور إن لم يكن يملك كفايته من المال لحبسه عن العمل والخروج.

 

وأخرج الإمام أحمد بإسناد حسن عن عائشة قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا تَفْنَى أُمَّتِي إِلا بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ"، قُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا الطَّاعُونُ؟"، قَالَ: "غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ، الْمُقِيمُ بِهَا كَالشَّهِيدِ، وَالْفَارُّ مِنْهَا كَالْفَارِّ مِنْ الزَّحْفِ".

 

والطاعون مرض خطر معد، وقد جعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن يصبر ولا يبرح مكانه من المطعونين أجر الشهيد، ولمن خرج من دائرة الحجر والعزل فخالط الناس وزر الفرار من الزحف وهو من السبع الموبقات، قرينة على حرمة مخالطة المريض بمثل هذه الأمراض للأصحاء.

 

فقد ثبت أن الشخص السليم في منطقة الوباء قد يكون حاملاً للميكروب دون أن تبدو عليه علامات المرض، ومع ذلك فهو ينقل المرض إلى غيره من الأصحاء، ففترة الحضانة التي تسبق ظهور الأعراض منذ دخول الميكروب للجسم وتكاثره حتى يبلغ أشده، هي الفترة التي لا يبدو على الشخص أنه يعاني أي مرض.

 

وقد يعزل مريض لأن جهاز المناعة لديه ضعيف ولا يقوى حتى على مكافحة الأمراض البسيطة التي قد ينقلها إليه غيره من الناس، ومثل هذا المريض يعزل خوفا عليه من العدوى لا خوفا على الناس منه، ولا تجبره الدولة على اجتناب مخالطة الناس، لأنه لا يوجد ضرر على الجماعة في هذه الحالة وإنما يقتصر الضرر على الفرد، ويكون على الفرد أن لا يعرض نفسه للخطر، وأن يأخذ بالوقاية التي فرضها الله عليه، كما سنبين أدلة ذلك في باب الوقاية إن شاء الله.

 

 

 

جمع وإعداد: راضية عبد الله

آخر تعديل علىالأربعاء, 14 شباط/فبراير 2024

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع