- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية – الحلقة الثالثة والعشرون
بعد حديثنا في الحلقة الماضية عن رأي الإسلام في التداوي وطلب العلاج، سيكون حديثنا في هذه الحلقة عن توفير الدولة العلاج للرعية.
بما أن العلاج جزء من الرعاية الصحية، فهذا يوجب على الدولة أن توفر لرعيتها العلاج وتوابعه، ويشمل الأمور التالية:
أ) التطبيب والتمريض والدواء:
الطب علاج الجسم والنفس، والطبيب في الأصل: الحاذق بالأمور، العارف بها، وبه سمي الطبيب الذي يعالج المرضى.
روى أحمد في مسنده، أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) عَادَ رَجُلاً بِهِ جُرْحٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): "ادْعُوا لَهُ طَبِيبَ بَنِي فُلانٍ"، فَدَعَوْهُ فَجَاءَ، فَقَالُوا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَيُغْنِي الدَّوَاءُ شَيْئًا؟"، فَقَالَ (صلى الله عليه وآله وسلم): "سُبْحَانَ اللَّهِ وَهَلْ أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ دَاءٍ فِي الأَرْضِ إِلا جَعَلَ لَهُ شِفَاءً؟".
وروى الطبراني في المعجم الكبير عن مجاهد عن سعد بن أبي رافع (رضي الله عنه) قال: "دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يَعُودُنِي، فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا عَلَى فُؤَادِي، فَقَالَ: إِنَّكَ رَجُلٌ مَفْؤُودٌ، فَائْتِ الْحَارِثَ بنَ كَلَدَةَ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ يَتَطَبَّبُ، فَلْيَأْخُذْ خَمْسَ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ، فَلْيَجَأْهُنَّ بنوَاهُنَّ، ثُمَّ لِيَدْلُكَ بِهِنَّ"، والحارث بن كلدة الثقفي كان يلقب بطبيب العرب.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يوجه الصحابة ومنهم المرضى إلى ما يفيدهم وما يضرهم من الطعام والممارسات الغذائية، ومنها العلاج بالحمية، فعن المقدام بن معدي كرب الكندي عند أحمد والترمذي مرفوعا: "مَا مَلأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثُ طَعَامٍ، وَثُلُثُ شَرَابٍ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ".
وعن أم المنذر بنت قيس الأنصارية قالت: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) وَمَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (رضي الله عنه)، وَعَلِيٌّ نَاقِهٌ مِنْ مَرَضٍ، وَلَنَا دَوَالِي مُعَلَّقَةٌ، وَكَانَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يَأْكُلُ مِنْهَا، فَتَنَاوَلَ عَلِيٌّ (رضي الله عنه) لِيَأْكُلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم): "مَهْ يَا عَلِيُّ، إِنَّكَ نَاقِهٌ!"، قَالَتْ: فَصَنَعْتُ لِلنَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) سِلْقًا وَشَعِيرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم): "يَا عَلِيُّ، مِنْ هَذَا فَأَصِبْ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ لَكَ". (والناقه: من يكون في فترة النقاهة بعد الشفاء من المرض)
وذكر الإمام مالك في الموطإ أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) حمى مريضا، فقال المريض: "حماني حتى كنت أمص النوى من الجوع".
ومن العلاج أيضا الجراحة والكي، روى الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) قال: "رمي أبي يوم الأحزاب على أكحله، فكواه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)"، وأبي هذا هو أبي بن كعب (رضي الله عنه)، والأكحل عرق في وسط الذراع.
ومن العلاج أيضا الحجامة، لما روى البخاري عن أنس (رضي الله عنه) قال: "دَعَا النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) غُلامًا حَجَّامًا فَحَجَمَهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ أَوْ مُدٍّ أَوْ مُدَّيْنِ، وَكَلَّمَ فِيهِ فَخُفِّفَ مِنْ ضَرِيبَتِهِ".
إلا أنه ورد النهي عن الكي، فقد روى البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ".
وبالجمع بين الأحاديث التي نهت عن الكي وحديث جابر بن عبد الله عن كي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أبيا يوم الأحزاب، يكون النهي عن الكي دليلا على كراهته، وأحاديث فعله تدل على جوازه إذا احتاج إليه.
جمع وإعداد: راضية عبد الله