- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح29)
القيادة الفكرية في الإسلام – فساد الرابطة الوطنية
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةِ وَالعِشْرِينَ, وَعُنوَانُهَا: "القِيَادَةُ الفِكرِيَّةُ فِي الإِسلامِ, فَسَادُ الرَّابِطَةِ الوَطَنِيَّةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتَينِ الثَّانِيَةِ وَالعِشرِينَ وَالثَّالِثَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "تَنْشَأُ بَينَ النَّاسِ كُلَّمَا انْحَطَّ الفِكرُ رابِطَةُ الوَطَنِ، وَذَلِكَ بِحُكْمِ عَيشِهِمْ فِي أرْضٍ وَاحِدَةٍ وَالتِصَاقِهِمْ بِهَا، فَتَأخُذُهُمْ غَرِيزَةُ البَقاءِ بِالدِّفَاعِ عَنِ النَّفسِ، وَتَحْمِلُهُمْ عَلَى الدِّفَاعِ عَنِ البَلَدِ الَّذِي يَعِيشُونَ فِيهِ، وَالأرْضِ الَّتِي يَعِيشُونَ عَلَيهَا، وَمِنْ هُنَا تَأْتِي الرَّابِطَةُ الوَطَنيَّةُ، وَهِيَ أقَلُّ الرَّوَابِطِ قُوَّةً وَأكثَرُهَا انْخِفَاضاً، وَهِيَ مَوجُودَةٌ فِي الحَيوَانِ وَالطَّيرِ كَمَا هِيَ مَوجُودَةٌ فِي الإِنسَانِ، وَتأْخُذُ دَائِماً المَظْهَرَ العَاطِفِيَّ. وَهِيَ تَلْزَمُ فِي حَالَةِ اعتِدَاءٍ أَجْنَبِيٍ عَلَى الوَطَنِ بِمُهَاجَمَتِهِ أوِ الاسْتِيلاءِ عَلَيْهِ، وَلا شَأْنَ لَهَا فِي حَالَةِ سَلامةِ الوَطَنِ مِنَ الاعتِدَاءِ. وَإِذَا رُدَّ الأَجْنَبِيُّ عَنِ الوَطَنِ أوْ أُخْرِجَ مِنْهُ انتَهَى عَمَلُهَا، وَلِذَلِكَ كَانَتْ رَابِطةً مُنخَفِضَةً".
وَيَقُولُ أيضاً: "... وَعَلَى ذَلِكَ فَالرَّابِطَةُ الوَطَنيَّةُ رَابِطَةٌ فَاسِدَةٌ لِثَلاثَةِ أسْبَابٍ: أَوَّلاً: لأنَّهَا رَابِطَةٌ مُنْخَفِضَةٌ لا تَنْفَعُ لأنْ تَربُطَ الإِنسَانَ بِالإِنسَانِ حِينَ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ النًّهُوضِ. وَثَانِياً: لأنَّهَا رَابِطَةٌ عَاطِفيَّةٌ تَنشَأُ عَنْ غَرِيزَةِ البَقَاءِ بِالدِّفَاعِ عَنِ النَّفسِ، وَالرَّابِطَةُ العَاطِفِيَّةُ عُرْضَةٌ لِلتَّغَيُّرِ وَالتَّبَدُّلِ، فَلا تَصلُحُ لِلرَّبطِ الدَّائِمِي بَينَ الإِنسَانِ وَالإِنسَانِ. وَثَالِثاً: لأنَّهَا رَابِطةٌ مُؤَقَّتَةٌ تُوجَدُ فِي حَالَةِ الدِّفَاعِ، أمَّا فِي حَالَةِ الاسْتِقْرارِ - وَهِيَ الحَالَةُ الأصْلِيَّةُ لِلإنسَانِ - فَلا وُجُودَ لَهَا، وَلِذَلِكَ لا تَصلُحُ لأنْ تَكُونَ رَابِطَةً بَينَ بَنِي الإِنسَانِ".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الخَلْقَ, وَقَسَمَ الرِّزقَ بَينَ عِبَادِةِ, وَوَهَبَ كُلَّ إِنسَانٍ عَقْلَهُ الَّذِي يُفَكِّرُ بِهِ, لَكِنَّ الإِنسَانَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبِّي, لَمْ يَرْضَ بِنَصِيبِهِ من الرِّزْقِ, وَرَضِيَ بِعَقلِهِ الَّذِي وَهَبَهُ اللهُ إِيَّاهُ, إِذْ لَو كَانَ لابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ لَتَمَنَّى أنْ يَكُونَ لَهُ ثَالِثُهُمَا, وَإِنَّ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ, وَلا يَملأُ جَوفَهُ إِلاَّ التُّرَابُ. أمَّا عَقلُهُ فَهُوَ رَاضٍ بِهِ, حَتَّى لَيَكُادُ يَظُنُّ نَفسَهُ أعْلَمَ أهْلِ الأرْضِ, هَذَا وَإِنَّ الإِنسَانَ إذَا آمَنَ بِفِكْرَةٍ مُحَدَّدَةٍ, وَاتَّخَذَهَا عَقِيدَةً وَمَبدأً لَهُ فِي الحَيَاةِ, أحَبَّ لِفِكْرَتِهِ هَذِهِ أنْ تَقُودُ وَتَسُودَ العَالَمَ بِأسْرِهِ؛ لِهَذَا كُلِّهِ كَانَ بَحْثُ "القِيَادَةِ الفِكرِيَّةِ فِي الإِسلامِ" في كِتَابِ "نظامُ الإسلام" مِنَ الأبْحَاثِ المُهِمَّةِ وَالرَّاقِيَةِ الَّتِي بَحَثَهَا العَالِمُ وَالمُفَكِّرُ السِّيَاسِيُّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ.
وَتَبرُزُ أهَمِّيةُ هَذَا البَحْثِ مِنْ خِلالِ استِعرَاضِهِ لِلرَّوَابِطِ الَّتِي تَربِطُ الإِنسَانَ بِالإِنسَانِ حِينَ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ النُّهُوضِ, وَمِنْ خِلالِ استِعرَاضِهِ لِلمَبادِئ الفِكْرِيَّةِ الثَّلاثَةِ المَوجُودَةِ فِي العَالَمِ بِاتِّبَاعِهِ الطَّرِيقَةَ الفَرِيدَةَ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا حِزْبُ التَّحرِيرِ عَنْ غَيرِهِ مِنَ الجَمَاعَاتِ وَالتَّكَتُّلاتِ, ألا وَهِيَ وَضْعُ الخَطِّ المُستَقِيمِ إِلَى جَانِبِ الخَطِّ الأعوَجِ؛ لِيَظْهَرَ اعوِجَاجُهُ وَانْحِرَافُهُ, فَوَضَعَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ مَبدَأ الإِسلامِ العَظَيمِ, ذَلِكَ المَبدَأ الرَّبَّانِيَّ الوَحِيدَ الَّذِي يَصلُحُ لِقِيَادَةِ النَّاسِ أجمَعِينَ فِي مَشَارِقِ الأرْضِ وَمَغَارِبِهَا قِيَادَةً فِكرِيَّةً مُتَمَيِّزَةً تَنبَثِقُ عَنهَا أنظِمَةُ سِيَاسِيَّةٌ وَاقتِصَادِيَّةٌ وَاجتِمَاعِيَّةٌ, تُحَقِّقُ لَهُمُ الأمْنَ وَالأمَانَ, وَالهُدُوءَ وَالاطمِئنَانِ, وَالسَّعَادَةَ وَالهَنَاءَ, وَالعَدْلَ وَالإِنصَافَ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ, وَضَعَ الشَّيخُ ذَلِكَ المَبدَأ مَبدَأ الإِسلامِ العَظِيمِ إِلَى جَانِبِ ذَينِكَ المَبدَأينِ الوَضِيعَينِ اللَّذَينِ سَبَّبَا التَّعَاسَةَ وَالشَّقَاءَ لِلبَشَرِيَّةِ: المبدَأِ الشُّيُوعِيِّ الَّذِي انْهَارَ بِحَمدِ اللهِ وَمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ, وَالمَبدَأِ الرأسماليِّ الآيِلِ لِلسُّقُوطِ, وَالمُوشِكِ عَلَى الانْهِيَارِ قَرِيباً بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى, وَلَنْ يَكُونَ لَهُ بَدِيلٌ إِلاَّ مَبدَأُ الإِسلامِ الَّذِي بَدَأ غَريباً, وَسَيَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأ, فُطُوبَى لِلغُرَبَاءِ كَمَا أخْبَرَ بِذَلِكَ نَبِيُّنَا الكَرِيمُ r.
رَوَى الإِمَامُ أحْمَدُ فِي مُسنَدِهِ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ مَسعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r «إِنَّ الإِسلامَ بَدَأ غَريباً, وَسَيَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأ, فُطُوبَى لِلغُرَبَاءِ». قِيلَ: وَمَنِ الغُرَبَاءُ؟، قَالَ: "النُّزَّاعُ مِنَ القَبَائِلِ". قَالَ ابنُ الأثِيرِ: "النُّزَّاعُ مِنَ القَبَائِلِ هُمْ جَمْعُ نَازِعٍ وَنَزِيعٍ، وَهُوَ الغَرِيبُ الَّذِي نَزَعَ عَنْ أهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ، أي بَعُدَ وَغَابَ، وَقِيلَ: لأنَّهُ يَنْزِعُ إِلَى إِخوَانِهِ المُؤمِنِينَ، أي يَنجَذِبُ وَيَمِيلُ وَيَنضَمُّ إِلَيهِمْ, وَالمُرَادُ طُوبَى لِلمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ هَجَرُوا أوطَانَهُمْ فِي اللهِ تَعَالَى". وَكِلا المَعنَيَينِ صَحِيحَانِ. وَطُوبَى, يُقَالُ: "إِنَّهَا شَجَرَةٌ فِي الجنَّةِ". رَوَى أبُو عُبَيدٍ عَنْ مَنصُورٍ عَنْ إِبرَاهِيمَ قَالَ: "طُوبَى: شَجَرَةٌ فِي الجَنَّةِ, وَرُوِيَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "طُوبَى" شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا ألْفَ عَامٍ". وَقَالَ بَعضُ أهْلِ العِلْمِ: "طُوبَى" مَأخُوذٌ مِنْ طَابَ يَطِيبُ, كَأنَّ أهْلَ الجَنَّةِ طَابَ لَهُمْ أنْ يَستَظِلُّوا فِيهَا, وَهُوَ عَلَى وَزْن فُعْلَى, وَهُوَ غَايَةُ الطِّيبِ, كَمَا قَالُوا: عُلْيَا, وَقُصْوَى, وَفُضْلَى غَايَةُ العُلُوِّ, وَأقصَى الأُمُورِ, وَأفضَلُهَا, فَكَذَلِكَ طُوبَى أي أطْيَبُ ظِلٍّ, وَقَد كَثُرَ عَلَى ألسِنَةِ النَّاسِ أنْ يَقُولُوا لِكُلِّ مَنْ طَابَ لَهُ أمْرٌ: "طُوبَى لَكَ".
وَرَوَى الإِمَامُ أحْمَدُ فِي مُسنَدِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي». قَالَ: فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ r: أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي». وَقَدْ رَأينَا هَذَا المَعنَى, وَهَذَا الوَصْفَ "وَصْفَ النُّزَّاعِ مِنَ القَبَائِلِ" و "آمَنُوا بِالنَّبِيِّ وَلَمْ يَرَوهُ" يَتَجَسَّدُ فِي شَبَابِ حِزْبِ التَّحرِيرِ الَّذِي انتَشَرَتْ أفكَارُهُ فِي القَارَّاتِ الخَمْسِ, وَانضَمَّ إِلَيهِ أعضَاءٌ مِنْ أقوَامٍ شَتَّى, وَمِنْ بِلادٍ شَتَّى, وَمِنْ لُغَاتٍ شَتَّى, يَقِفُونَ مَوقِفاً وَاحِداً مُوَحَّداً مِنْ سَائِرِ قَضَايَا المُسلِمِينَ المَصِيرِيَّةِ, وَفِي مُقَدِّمَتِهَا قَضِيَّةُ المَسجِدِ الأقْصَى المُبَارَكِ وَقضيةُ فِلَسطِينَ, وَثَورَةُ الشَّامِ المُبَارَكَةِ الَّتِي أعلَنُوهَا للهِ, وَطَالَبُوا بِإِقَامَةِ دَولَةِ الخِلافَةِ, يَنْزِعُ الوَاحِدُ نَفسَهُ مِنْ قَومِه وَأهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ إِنْ خَالَفُوهُ فِي الرَّأيِ, وَيَنضَمُّ إِلى إِخوَانِهِ فِي العَقِيدَةِ مِمَّنْ يَحمِلُونَ مَبدَأ الإِسلامِ رِسَالَةً لِلعَالَمِينَ. نَسْألُ اللهَ تَعَالَى أنْ يَمُنَّ عَلَينَا بِالنَّصْرِ وَالتَّمكِينِ. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ.
يَستَعرِضُ الشَّيخُ الرَّوَابِطَ الَّتِي تَربُطُ الإِنسَانَ بِالإِنسَانِ حِينَ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ النًّهُوضِ. وَيَبدَأُ بِالرَّابِطَةِ الوَطَنِيَّةِ, فَيَصِفُهَا أنَّهَا مِنَ الفِكْرِ الْهَابِطِ الْمُنحَطِّ الَّذِي لا يَصْلُحُ لِلنُّهُوضِ, ويُبَيِّنُ كَيفِيَّةَ نُشُوئِهَا, وَذَلِكَ بِحُكْمِ عَيشِ النَّاسِ فِي أرْضٍ وَاحِدَةٍ, وَالتِصَاقِهِمْ بِهَا، فَتَأخُذُهُمْ غَرِيزَةُ البَقاءِ بِالدِّفَاعِ عَنِ النَّفسِ، وَتَحْمِلُهُمْ عَلَى الدِّفَاعِ عَنِ البَلَدِ الَّذِي يَعِيشُونَ فِيهِ، وَالأرْضِ الَّتِي يَعِيشُونَ عَلَيهَا. وَيُحَدِّثُنَا عَنِ الرَّابِطَةِ الوَطَنيَّةِ مُبَيِّناً أسبَابَ كَونِهَا رَابِطةً مُنخَفِضَةً، فَيَقُولُ: إِنَّهَا أقَلُّ الرَّوَابِطِ قُوَّةً وَأكثَرُهَا انْخِفَاضاً، وَهِيَ مَوجُودَةٌ فِي الحَيوَانِ وَالطَّيرِ كَمَا هِيَ مَوجُودَةٌ فِي الإِنسَانِ، وَتأْخُذُ دَائِماً المَظْهَرَ العَاطِفِيَّ. وَهِيَ تَلْزَمُ فِي حَالَةِ اعتِدَاءٍ أَجْنَبِيٍ عَلَى الوَطَنِ بِمُهَاجَمَتِهِ أوِ الاسْتِيلاءِ عَلَيْهِ، وَلا شَأْنَ لَهَا فِي حَالَةِ سَلامةِ الوَطَنِ مِنَ الاعتِدَاءِ. وَإِذَا رُدَّ الأَجْنَبِيُّ عَنِ الوَطَنِ أوْ أُخْرِجَ مِنْهُ انتَهَى عَمَلُهَا، وَلِذَلِكَ كَانَتْ رَابِطةً مُنخَفِضَةً". وَيَقُولُ أيضاً: وَعَلَى ذَلِكَ فَالرَّابِطَةُ الوَطَنيَّةُ رَابِطَةٌ فَاسِدَةٌ لِثَلاثَةِ أسْبَابٍ: أَوَّلاً: لأنَّهَا رَابِطَةٌ مُنْخَفِضَةٌ لا تَنْفَعُ لأنْ تَربُطَ الإِنسَانَ بِالإِنسَانِ حِينَ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ النًّهُوضِ. وَثَانِياً: لأنَّهَا رَابِطَةٌ عَاطِفيَّةٌ تَنشَأُ عَنْ غَرِيزَةِ البَقَاءِ بِالدِّفَاعِ عَنِ النَّفسِ، وَالرَّابِطَةُ العَاطِفِيَّةُ عُرْضَةٌ لِلتَّغَيُّرِ وَالتَّبَدُّلِ، فَلا تَصلُحُ لِلرَّبطِ الدَّائِمِي بَينَ الإِنسَانِ وَالإِنسَانِ. وَثَالِثًا: لأنَّهَا رَابِطةٌ مُؤَقَّتَةٌ تُوجَدُ فِي حَالَةِ الدِّفَاعِ، أمَّا فِي حَالَةِ الاسْتِقْرارِ - وَهِيَ الحَالَةُ الأصْلِيَّةُ لِلإنسَانِ - فَلا وُجُودَ لَهَا، وَلِذَلِكَ لا تَصلُحُ لأنْ تَكُونَ رَابِطَةً بَينَ بَنِي الإِنسَانِ".
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.