- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح48) مقارنة بين المبادئ الثلاثة من حيث العقيدة وانبثاق النظام عنها
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّامِنَةِ وَالأربَعِينَ, وَعُنوَانُهَا: "مُقَارَنَةٌ بَينَ المَبَادِئ الثَّلاثَةِ مِنْ حَيثُ العَقِيدَةُ وَانبِثَاقُ النِّظَامِ عَنهَا". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّلاثِينَ وَالخَامِسَةِ وَالثَّلاثِينَ مِنْ كِتَابِ "نظَامِ الإِسلامِ" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "وَالحَاصِلُ أنَّ الْمَبادِئَ المَوجُودَةَ فِي العَالَمِ ثَلاثَةٌ هِيَ الرَّأسْمَالِيَّةُ، وَالاشتِرَاكِيَّةُ وَمِنْهَا الشُّيُوعِيَّةُ، وَالْمَبدَأُ الثَّالِثُ هُوَ الإِسلامُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ المَبَادِئِ عَقِيدَةٌ تَنبَثِقُ عَنْهَا أنْظِمَتُهُ، وَلَهُ مِقْيَاسٌ لأعْمَالِ الإنسَانِ فِي الحَيَاةِ، وَنَظْرَةٌ خَاصَّةٌ لِلمُجتَمَعِ، وَطَرِيقَةٌ لِتَنفِيذِ النِّظَامِ. أمَّا مِنْ حَيثُ العَقِيدَةُ فَالمبَدَأُ الشُّيُوعِيُّ يَرَى أنَّ المادَّةَ أصْلُ الأشيَاءِ، وَأنَّ جَمِيعَ الأشيَاءِ تَصْدرُ عنْهَا بِطَرِيقِ التَطَوُّرِ المَادِّيِّ. وَالمَبدَأُ الرَّأسْمَالِيُّ يَرَى أنَّهُ يَجِبُ أنْ يُفْصَلَ الدِّينُ عَنِ الحَيَاةِ، وَيَنْتُجُ عَنْ ذَلِكَ فَصْلُ الدِّينِ عَنِ الدَّولَةِ، فَالرَّأسْمَالِيُّونَ لا يُرِيدُونَ أنْ يَبْحَثُوا هَلْ هُنَاكَ خَالِقٌ أمْ لا، وَإنَّمَا يَبحَثُونَ فِي أنَّهُ لا دَخْلَ لِلخَالِقِ فِي الحَيَاةِ، سَوَاءٌ اُعْتُرِفَ بِوُجُودِهِ أمْ أُنْكِرَ، وَلِذَلِكَ يَستَوِي عِندَهُمُ المُعْتَرِفُ بِوُجُودِ الخَالِقِ وَالمُنْكِرُ لَهُ فِي عَقِيدَتِهِمْ، وَهِيَ فَصْلُ الدِّينِ عَنِ الحَيَاةِ. وَأمَّا الإسلامُ فَيَرَى أنَّ اللهَ هُوَ خَالِقُ الوُجُودِ، وَأنَّهُ أرْسَلَ الأنْبِيَاءَ والرُسُلَ بِدِينِهِ لِبَنِي الإِنسَانِ، وَأنَّهُ سَيُحَاسِبُ الإنسانَ يَومَ القِيَامَةِ عَلَى أعْمَالِهِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ عَقِيدَتُهُ الإِيمَانَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَبِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ خَيْرِهِمَا وَشَرِّهِمَا مِنَ اللهِ". وَأمَّا مِنْ حَيثُ كَيفِيَّةُ انْبِثَاقِ النِّظَامِ عَنِ العَقِيدَةِ فَالمَبدَأُ الشُّيُوعِيُّ يَرَى أنَّ النِّظَامَ يُؤْخَذُ مِنْ أدَوَاتِ الإنْتَاجِ، لأنَّ الْمُجتَمَعَ الإِقطَاعِيَّ مَثلاً تَكُونُ الفَأْسُ فِيهِ هِيَ أدَاةَ الإِنتَاجِ، وَمِنهَا يُؤْخَذُ نِظَامُ الإِقطَاعِ، فَإِذَا تَطَوَّرَ الْمُجتَمَعُ إِلَى الرَّأسْمَالِيَّةِ تُصْبِحُ الآلَةُ هِيَ أدَاةَ الإِنتَاجِ. وَلِذَلِكَ يُؤْخَذُ النِّظَامُ الرَّأسْمَالِيُّ مِنهَا، فَنِظَامُهُ مَأْخُوذٌ مِنَ التَّطَوُّرِ المَادِّيِّ. وَأمَّا المَبدَأُ الرَّأسْمَالِيُّ فَيَرَى أنَّ الإِنسَانَ حِينَ فَصَلَ الدِّينَ عَنِ الحَيَاةِ صَارَ لا بُدَّ لَهُ مِنْ أنْ يَضَعَ نِظَامًا لِنَفسِهِ مِنَ الحَيَاةِ ذَاتِهَا، فَصَارَ يَأخُذُ نِظَامَهُ مِنْ وَاقعِهِ يَضَعُهُ بِنَفْسِهِ. وَأمَّا الإسلامُ فَيَرَى أنَّ اللهَ جَعَلَ لَهُ نِظَاماً فِي الحَيَاةِ يَسِيرُ عَلَيهِ، وَأرْسَلَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا النِّظَامِ وَبَلَّغَهُ إيَّاهُ، فَيَجِبُ أنْ يَسِيرَ عَلَيهِ، وَلِذَلِكَ هُوَ يَدْرُسُ المُشْكِلَةَ ويَسْتَنْبِطُ حَلَّهَا مِنَ الكِتَابِ وَالسُنَّةِ".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: بَعدَ أنْ حَدَّثَنَا الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ عَنْ مَبدَأِ الإِسلامِ وَنَظرَتِهِ لِلجَمَاعَةِ وَالفَرْدِ, طَفِقَ يُحَدِّثُنَا عَنْ حَصِيلَةِ مَا تَوَصَّلَ إِلَيهِ مِنْ خِلالِ مَا قَرَأهُ عَنِ المَبَادِئ الفِكرِيَّةِ المَوجُودَةِ فِي العَالَمِ, فَذَكَرَ أنَّهَا ثَلاثَةُ مَبَادِئَ هِيَ:
- الرَّأسْمَالِيَّةُ.
- الاشتِرَاكِيَّةُ وَمِنْهَا الشُّيُوعِيَّةُ.
- وَالْمَبدَأُ الثَّالِثُ هُوَ الإِسلامُ.
ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ المَبَادِئِ عَقِيدَةٌ تَنبَثِقُ عَنْهَا أنْظِمَتُهُ، وَلَهُ مِقْيَاسٌ لأعْمَالِ الإنسَانِ فِي الحَيَاةِ، وَنَظْرَةٌ خَاصَّةٌ لِلمُجتَمَعِ، وَطَرِيقَةٌ لِتَنفِيذِ النِّظَامِ.
ثُمَّ بَدَأ يُفَصِّلُ الحَدِيثَ عَنِ كُلِّ مَبدَأٍ مِنَ هَذِهِ المَبَادِئِ الثَّلاثَةِ, وَيُقَارِنُ بَينَهَا مِنْ حَيثُ العَقِيدَةُ وَانبِثَاقُ النِّظَامِ عَنهَا:
أولا: من حيث العقيدة:
- المبَدَأُ الشُّيُوعِيُّ: يَرَى أنَّ المادَّةَ أصْلُ الأشيَاءِ، وَأنَّ جَمِيعَ الأشيَاءِ تَصْدرُ عنْهَا بِطَرِيقِ التَطَوُّرِ المَادِّيِّ.
- المَبدَأُ الرَّأسْمَالِيُّ: يَرَى أنَّهُ يَجِبُ أنْ يُفْصَلَ الدِّينُ عَنِ الحَيَاةِ، وَيَنْتُجُ عَنْ ذَلِكَ فَصْلُ الدِّينِ عَنِ الدَّولَةِ، فَالرَّأسْمَالِيُّونَ لا يُرِيدُونَ أنْ يَبْحَثُوا هَلْ هُنَاكَ خَالِقٌ أمْ لا، وَإنَّمَا يَبحَثُونَ فِي أنَّهُ لا دَخْلَ لِلخَالِقِ فِي الحَيَاةِ، سَوَاءٌ اُعْتُرِفَ بِوُجُودِهِ أمْ أُنْكِرَ، وَلِذَلِكَ يَستَوِي عِندَهُمُ المُعْتَرِفُ بِوُجُودِ الخَالِقِ وَالمُنْكِرُ لَهُ فِي عَقِيدَتِهِمْ، وَهِيَ فَصْلُ الدِّينِ عَنِ الحَيَاةِ.
- الإسلامُ: يَرَى أنَّ اللهَ هُوَ خَالِقُ الوُجُودِ، وَأنَّهُ أرْسَلَ الأنْبِيَاءَ والرُسُلَ بِدِينِهِ لِبَنِي الإِنسَانِ، وَأنَّهُ سَيُحَاسِبُ الإنسانَ يَومَ القِيَامَةِ عَلَى أعْمَالِهِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ عَقِيدَتُهُ الإِيمَانَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَبِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ خَيْرِهِمَا وَشَرِّهِمَا مِنَ اللهِ".
ثانيا: من حيث انبثاق النظام عن العقيدة:
1- المَبدَأُ الشُّيُوعِيُّ: يَرَى أنَّ النِّظَامَ يُؤْخَذُ مِنْ أدَوَاتِ الإنْتَاجِ، فَالْمُجتَمَعَ الإِقطَاعِيَّ تَكُونُ الفَأْسُ فِيهِ هِيَ أدَاةَ الإِنتَاجِ، وَمِنهَا يُؤْخَذُ نِظَامُ الإِقطَاعِ، فَإِذَا تَطَوَّرَ الْمُجتَمَعُ إِلَى الرَّأسْمَالِيَّةِ تُصْبِحُ الآلَةُ هِيَ أدَاةَ الإِنتَاجِ. وَيُؤْخَذُ النِّظَامُ الرَّأسْمَالِيُّ مِنَ الآلَةِ أي مِنَ التَّطَوُّرِ المَادِّيِّ.
2- المَبدَأُ الرَّأسْمَالِيُّ: يَرَى أنَّ الإِنسَانَ حِينَ فَصَلَ الدِّينَ عَنِ الحَيَاةِ صَارَ لا بُدَّ لَهُ مِنْ أنْ يَضَعَ نِظَامًا لِنَفسِهِ مِنَ الحَيَاةِ ذَاتِهَا، فَصَارَ يَأخُذُ نِظَامَهُ مِنْ وَاقعِهِ يَضَعُهُ بِنَفْسِهِ.
3- الإسلامُ فَيَرَى أنَّ اللهَ جَعَلَ لَهُ نِظَاماً فِي الحَيَاةِ يَسِيرُ عَلَيهِ، وَأرْسَلَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا النِّظَامِ وَبَلَّغَهُ إيَّاهُ، فَيَجِبُ أنْ يَسِيرَ عَلَيهِ بِأنْ يَدْرُسُ العَالِمُ أوِ الْمُجتَهِدُ المُشْكِلَةَ, ويَسْتَنْبِطُ حَلَّهَا مِنَ الكِتَابِ وَالسُنَّةِ".
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.