- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح52)
مقارنة بين المبادئ الثلاثة من حيث موافقتها للفطرة
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الحَادِيَةِ وَالخَمْسِينَ, وَعُنوَانُهَا: "مُقَارَنَةٌ بَينَ المَبَادِئِ الثَّلاثَةِ مِنْ حَيثُ مُوَافَقَتُهَا لِلفِطْرَةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلاثِينَ مِنْ كِتَابِ "نظَامِ الإِسلامِ" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "وَلَمَّا ظَهَرَ الْمَبدَأُ الْمَادِّيُّ الَّذِي يُنْكِرُ وُجُودَ اللهِ وَيُنكِرُ الرُّوحَ لَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يَقْضِيَ عَلَى هَذَا التَدَيُّنِ الطَّبِيعِيِّ، وَإِنَّمَا نَقَلَ تَصَوُّرَ الإِنسَانِ لِقُوَّةٍ أكْبَرَ مِنْهُ، وَنَقَلَ تَقدِيسَهُ لِهَذِهِ القُوَّةِ، نَقَلَ كُلَّ ذَلِكَ إِلَى تَصَوُّرِ هَذِهِ القُوَّةِ فِي الْمَبدَأِ وَفِي حَمَلَتِهِ، وَجَعَلَ تَقدِيسَهُ لَهُمَا وَحَدَهُمَا، فَكَأنَّهُ رَجَعَ إِلَى الوَرَاءِ، وَنَقَلَ تَقدِيسَ النَّاسِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ إِلَى عِبَادَةِ العِبَادِ، وَمِنْ تَقدِيسِ آيَاتِ اللهِ إِلَى تَقدِيسِ كَلامِ الْمَخلُوقَاتِ، فَكَانَ رَجْعِيَّاً فِي ذَلِكَ.
وَلَمْ يَستَطِعِ القَضَاءَ عَلَى فِطْرَةِ التَّدَيُّنِ، وَإِنَّمَا حَوَّلهَا بِالمُغَالَطَةِ تَحْوِيلاً رَجْعِيَّاً. وَلِذَلِكَ كَانَتْ قِيَادَتُهُ الفِكرِيَّةُ تَختَلِفُ مَعَ طَبِيعَةِ الإِنسَانِ، وَكَانَتْ قِيَادَةً سَلْبِيَّةً, وَمِنْ هُنَا كَانَتِ القِيَادَةُ الفِكرِيَّةُ فِي الشُّيُوعِيَّةِ مُخْفِقَةً مِنْ نَاحِيَةٍ فِطْرِيَّةٍ، وَإِنَّمَا يُتَحَيَّلُ لَهَا بِالْمَعِدَةِ، وَتَستَهْوِي الجَائِعِينَ، وَالخَائِفِينَ، وَالبَائِسِينَ، وَيَتَمَسَّكُ بِهَا المُنْخَفِضُونَ، وَالمُخْفِقُونَ فِي الحَيَاةِ الحَاقِدُونَ عَلَيْهَا، وَالمُصَابُونَ بِالشُّذُوذِ العَقْلِيِّ، حَتَّى يُقالَ: "إِنَّهُمْ مِنْ ذَوِي الفِكْرِ" حِينَ يَتَشَدَّقُونَ بِالنَّظَرِيَّةِ الدِّيَالِكْتيكِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَظْهَرُ شَيءٍ فَساداً وَبُطلاناً بِشَهَادَةِ الحِسِّ وَالعَقْلِ مَعَاً. وَتَتَوَسَّلُ بِالقُوَّةِ لإِخضَاعِ النَّاسِ لِمَبْدَئِهَا، وَمِنْ هُنَا كَانَ الضَّغْطُ وَالكَبْتُ، وَكَانَتِ الثَوْرَاتُ وَالقَلاقِلُ، وَالتَخْرِيبُ وَالاضْطِرابُ مِنْ أهَمِّ وَسَائِلِهَا. وَكَذَلِكَ كَانَتِ القِيَادَةُ الفِكرِيَّةُ لِلرَّأسْمَاليَّةِ مُخَالِفَةً لِفِطْرَةِ الإِنسَانِ الَّتِي هِيَ فِطْرَةُ التَّدَيُّنِ، لأنَّ فِطْرَةَ التَّدَيُّنِ كَمَا تَبْرُزُ فِي التَّقدِيسِ تَبْرُزُ فِي تَدبِيرِ الإِنسَانِ لأعمَالِهِ فِي الحَيَاةِ، لِظُهُورِ اختِلافِهِ وَتَنَاقُضِهِ حِينَ يَقُومُ بِهَذَا التَّدبِيرِ، وَهَذَا آيَةُ العَجْزِ. وَلِذَلِكَ كَانَ لا بُدَّ أنْ يَكُونَ الدِّينُ هُوَ المُدَبِّرَ لأعْمَالِ الإِنسَانِ فِي الحَيَاةِ. فَإِبعَادُ الدِّينِ عَنِ الحَيَاةِ مُخَالِفٌ لِفِطْرَةِ الإِنسَانِ. عَلَى أنَّهُ لَيسَ مَعنَى وُجُودِ الدِّينِ فِي الحَيَاةِ هُوَ جَعْلَ أعْمَالِ الحَيَاةِ الدُّنيَا عِبَادَاتٍ بَلْ مَعنَى وُجُودِ الدِّينِ فِي الحَيَاةِ هُوَ جَعْلُ النِّظَامِ الَّذِي أمَرَ اللهُ بِهِ هُوَ الَّذِي يُعَالِجُ مَشَاكِلَ الإِنسَانِ فِي الحَيَاةِ، وَهَذَا النِّظَامُ صَادِرٌ عَنْ عَقِيدَةٍ قَرَّرَتْ مَا فِي فِطْرَةِ الإِنسَانِ، فَإِبعَادُهُ وَأَخْذُ نِظَامٍ صَادِرٍ مِنْ عَقِيدَةٍ لا تُوَافِقُ غَرِيزَةَ التَّدَيُّنِ مُخُالِفٌ لِفِطْرَةِ الإنسَانِ. وَلِذَلِكَ كَانَتِ القِيَادَةُ الفِكرِيةُ الرَّأسْمَاليَّةُ مُخفِقَةً مِنْ نَاحِيةٍ فِطْرِيَّةٍ، لأنَّهَا قِيَادَةٌ سَلْبِيَّةٌ في فَصْلِهَا الدِّينَ عَنِ الحَيَاةِ، وَفِي إبْعَادِهَا التَدَيُّنَ عَنِ الحَيَاةِ، وَجَعلِهِ مَسْألةً فَردِيَّةً، وَفِي إِبعَادِهَا النِّظَامَ الَّذِي أمَرَ اللهُ بِهِ عَنْ مُعَالَجَةِ مَشَاكِلِ الإِنسَانِ. وَالقِيَادَةُ الفِكرِيَّةُ الإِسلامِيَّةُ هِيَ قِيَادَةٌ إِيجَابيَّةٌ لأنَّهَا تَجْعَلُ العَقْلَ أسَاساً لِلإِيمَانِ بِوُجُودِ اللهِ، إذْ تَلْفِتُ النَّظَرَ إِلَى مَا فِي الكَونِ وَالإِنسَانِ وَالحَيَاةِ، مِمَّا يَحْمِلُ عَلَى الجَزْمِ بِوُجُودِ اللهِ الَّذِي خَلَقَ هَذِهِ الْمَخلُوقَاتِ، وتُعَيِّنُ لِلإِنسَانِ مَا يَبحَثُ عَنهُ بِفِطْرَتِهِ مِنْ كَمَالٍ مُطْلَقٍ، لَمْ يُوجَدْ فِي الإِنسَانِ وَالكَونِ وَالحَيَاةِ، وتُرْشِدُ عَقلَهُ إِلَيْهِ، فَيُدْرِكُهُ ويُؤْمِنُ بِهِ".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يُقَارِنُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ بَينَ المَبَادِئِ الثَّلاثَةَ مِنْ حَيثُ مُوَافَقَتُهَا لِلفِطْرَةِ بَادِئاً بِالمَبدَأِ الشُّيُوعِيِّ ثُمَّ بِالمَبدَأِ الرَّأسْمَالِيِّ, ذَانِكَ المَبدَآنِ الفَاسِدَانِ بَلِ البَاطِلانِ, ثُمَّ يَضَعُ إِلَى جَانِبِهِمَا الخَطَّ المُستَقِيمَ ألا وَهُوَ مَبدَأُ الإِسلامِ الَّذِي قَالَ عَنهُ رَبُّ العِزَّةِ: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (الأنعام 161)
أولا: المَبدَأُ الْمَادِّيُّ الاشتِرَاكِيُّ الشُّيُوعِيُّ: يُمكِنُ إِجْمَالُ مُوَافَقَتَهُ لِلفِطرَةِ بِمَا يَأتِي:
- القِيَادَةُ الفِكرِيَّةُ الشُّيُوعِيَّةُ مُخفِقَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ الفِطرَةِ.
- لم يَستَطِعِ المَبدَأُ الشُّيُوعِيُّ أنْ يَقضِيَ عَلَى التَّدَيُّنِ الطَّبِيعِيِّ.
- المَبدَأُ الشُّيُوعِيُّ يُنْكِرُ وُجُودَ اللهِ وَيُنكِرُ الرُّوحَ أي أنَّ الإِنسَانَ وَالكَونَ وَالحَيَاةَ مَخلُوقَةٌ لِخَالِقٍ.
- نَقَلَ التَقدِيسَ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ إِلَى عِبَادَةِ العِبَادِ، وَمِنْ تَقدِيسِ كَلامِ اللهِ إِلَى تَقدِيسِ كَلامِ النَّاسِ.
- القِيَادَةُ الفِكرِيَّةُ الشُّيُوعِيَّةُ تَختَلِفُ مَعَ طَبِيعَةِ الإِنسَانَ, وَهِيَ قِيَادَةٌ سَلبِيَّةٌ يُتَحَيَّلُ لَهَا بِالمَعِدَةِ وَتَستَهوِي الجَائِعِينَ وَالخَائِفِينَ وَالبَائِسِينَ.
- القِيَادَةُ الفِكرِيَّةُ الشُّيُوعِيَّةُ تَتَوَسَّلُ بِالقُوَّةِ لإِخضَاعِ النَّاسِ لِمَبدَئِهَا.
ثانيا: المَبدَأُ الرَّأسْمَالِيُّ: يُمكِنُ إِجْمَالُ مُوَافَقَتَهُ لِلفِطرَةِ بِمَا يَأتِي:
- القِيَادَةُ الفِكرِيَّةُ الرَّأسْمَالِيَّةُ مُخفِقَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ الفِطرَةِ.
- فِطْرَةُ التَّدَيُّنِ كَمَا تَبرُزُ فِي التَّقدِيسِ تَبرُزُ فِي تَدبِيرِ الإِنسَانِ لأعْمَالِهِ فِي الحَيَاةِ.
- لا بُدَّ أنْ يَكُونَ الدِّينُ هُوَ المُدَبِّرُ لأعْمَالِ الإِنسَانِ فِي الحَيَاةِ, فَإِبعَادُهُ مُخَالِفٌ لِفِطرَةِ الإِنسَانِ.
- مَعنَى وُجُودِ الدِّينِ فِي الحَيَاةِ هُوَ جَعْلُ النِّظَامِ الَّذِي أمَرَ اللهُ بِهِ هُوَ الَّذِي يُعَالِجُ مَشَاكِلَ الإِنسَانِ.
- النِّظَامُ الصَّادِرُ عَنْ عَقِيدَةِ الإِسلامِ يُوَافِقُ الفِطرَةَ, فَإِبعَادُهُ وَأخْذُ النِّظَامِ الرَّأسْمَالِيِّ مُخَالِفٌ لِلفِطرَةِ.
- القِيَادَةُ الفِكرِيَّةُ الرَّأسْمَالِيَّةُ سَلبِيَّةٌ فِي فَصلِهَا الدِّينَ عَنِ الحَيَاةِ, وَفِي إِبعَادِهَا التَّدَيُّنَ وَجَعلِهِ مَسألَةً فَردِيَّةً, وَفِي إِبعَادِهَا النِّظَامِ الَّذِي أمَرَ بِهِ اللهُ عَنْ مُعَالَجَةِ شُؤُونِ الحَيَاةِ.
ثالثا: مبدأ الإسلام:
- القِيَادَةُ الفِكرِيَّةُ لِمَبدَأِ الإِسلامِ مُتَّفِقَةٌ مَعَ فِطْرَةِ الإِنسَانِ.
- جَاءَ الإِسلامُ لِيُخرِجَ النَّاسَ مِنْ عِبَادَةِ العِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّ العِبَادِ, وَمِنْ ظُلْمِ الأديَانِ إِلَى عَدْلِ الإِسلامِ, وَمِنْ ضِيقِ الدُّنيَا إِلَى سِعَةِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ.
- عَقِيدَةُ الإِسلامِ عَلَى عُمْقِهَا سَهْلَةٌ مَيسُورَةٌ سُرعَانَ مَا يَتَفَتَّحُ لَهَا قَلْبُ المُؤمِنِ.
- التَّدَيُّنُ هُوَ الاحتِيَاجُ إِلَى الخَالِقِ المُدَبِّرِ, وَالإِنسَانُ يَشعُرُ أنَّهُ نَاقِصٌ وَأنَّ هُنَاكَ قُوَّةٌ أكْمَلُ مِنهُ تَستَحِقُّ التَّقدِيسَ وَالعِبَادَةَ.
- التَّدَيُّنُ هُوَ غَرِيزَةٌ ثَابِتَةٌ لَهَا رَجْعٌ مُعَيَّنٌ هُوَ التَّقدِيسُ, وَلِذَلِكَ كَانَتِ الإِنسَانِيَّةُ مُتَدَيِّنَةً فِي جَمِيعِ العُصُورِ.
- القِيَادَةُ الفِكرِيَّةُ الإِسلامِيَّةُ قِيَادَةٌ إِيجَابِيَّةٌ تُقَرِّرُ أنَّ التَّدَيُّنَ فِطْرِيٌّ فِي الإِنسَانِ, وَكُلُّ إِنسَانٍ مُتَدَيِّنٌ بِفِطْرَتِهِ.
كَانَ حَامِلُو وَمُرَوِّجُو الفِكْرِ الشُّيُوعِيِّ يُتَحَيَّلُون لَهُ بِالْمَعِدَةِ، فَالأفكَارُ الشُّيُوعِيَّةُ كَمَا يَقُولُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ تَستَهْوِي الجَائِعِينَ، وَالخَائِفِينَ، وَالبَائِسِينَ، وَيَتَمَسَّكُ بِهَا المُنْخَفِضُونَ، وَالمُخْفِقُونَ فِي الحَيَاةِ الحَاقِدُونَ عَلَيْهَا، وَالمُصَابُونَ بِالشُّذُوذِ العَقْلِيِّ، حَتَّى يُقالَ: "إِنَّهُمْ مِنْ ذَوِي الفِكْرِ" حِينَ يَتَشَدَّقُونَ بِالنَّظَرِيَّةِ الدِّيَالِكْتيكِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَظْهَرُ شَيءٍ فَساداً وَبُطلاناً بِشَهَادَةِ الحِسِّ وَالعَقْلِ مَعَاً.
وَتَحضُرُنِي فِي هَذَا المَقَامِ قِصَّةُ شَابٍّ وَقَعَ فِي شَرَكِ الشُّيُوعِيِّينَ وَانضَمَّ إِلَى خَلِيَّةٍ مِنْ خَلايَا الحِزْبِ الشُّيُوعِيِّ وَصَارَ وَاحِداً مِنَ الدَّارِسِينَ لأفكَارِهِمْ, كَانَ هَذَا الشَّابُ وَحِيدَ أُمِّهِ الأرمَلَةِ يَعِيشُ وَإِيَّاهَا فِي بَيتٍ وَاحِدٍ, وَكَانَ أحَدُ المُنَظِّرِينَ فِي الحِزْبِ الشُّيُوعِيِّ يَتَرَدَّدُ عَلَيهِ فِي بَيتِهِ كَي يُزَوِّدَهُ بِالأفكَارِ الشُّيُوعِيَّةِ, وَكَانَتْ أُمُّ الشَّابِّ تَجلِسُ إِلَى جِوَارِهِمَا تَسمَعُ مَا يَقُولُونَ, فَسَمِعَتهُمَا يُرَدِّدانِ مَرَّاتٍ عَدِيدَةً, وَيُكَرِّرَانِ كَلِمَةَ الشُّيُوعِيَّةِ كَثِيراً عَلَى لِسَانَيهِمَا, فَدَفَعَهَا الفُضُولُ إِلَى أنْ تَسألَ الضَّيفَ مُعتَبِرَةً إِيَّاهُ مِثْلَ وَلَدِهَا فَقَالَتْ لَهُ: مَا مَعنَى الشُّيُوعِيَّةَ يَا وَلَدِي؟ فَأجَابَهَا: "الشُّيُوعِيَّةُ يَا أُمِّي العَزِيزَةُ مَعنَاهَا كَبِيرٌ وَعَظِيمٌ, لَكِنْ حَتَّى أُسَهِّلَ عَلَيكِ فَهْمُهَا أقُولَ لَكِ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ: الشُّيُوعِيَّةُ يَا أمِّيَ العَزَيزِةُ تَعنِي أنْ يَأكُلَ كُلَّ النَّاسِ لَحْماً, بَدَلَ أنْ يَأكُلَ بَعضُهُمْ عَدَساً, وَبَعضُهُمْ لَحْماً". فَعَقَّبَتِ الأُمُّ بِقَولِهَا: هَلْ يَعنِي ذَلِكَ أنَّ الشُّيُوعِيَّةَ تَجعَلُ كُلَّ النَّاسِ مُتَسَاوِينَ مَعَ بَعضِهِمْ بَعضاً؟ فَأجَابَهَا الضَّيفُ: نَعَمْ يَا أُمِّي, فَقَالَتِ الأُمُّ: إِذًا وَفَّقَكُمُ اللهُ يَا وَلَدِي!! لَقَدْ أخْفَى عَنهَا مَا تَقُولُهُ العَقِيدَةُ الشُّيُوعِيَّةُ القَائِمَةُ عَلَى إِنكَارِ وُجُودِ الخَالِقِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, فَهِيَ تَقُولُ: "لا إِلَهَ, وَالحَيَاةُ مَادَّةٌ" وَلَو أظْهَرَ لَهَا ذَلِكَ لَقَامَتْ عَلَى الفَورِ بِطَردِهِ مِنْ بَيتِهَا!!
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ الله وبركاته