- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح65) لا يجوز أن يكون التاريخ مصدرًا للنظام والفقه (ج9)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَامِسَةِ وَالسِّتينَ, وَعُنوَانُهَا: "لا يَحُوزُ أنْ يَكُونَ التَّارِيخُ مَصْدَراً لِلنِّظَامِ وَالفِقْهِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتَينِ: الثَّالِثَةِ وَالخَمسِينَ وَالرَّابِعَةِ وَالخَمسِينَ مِنْ كِتَابِ "نظَامِ الإِسلامِ" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "على أنَّ الَّذي يجبُ أنْ يُلاحظَ أنَّ التاريخَ لا يجوزُ أنْ يكونَ مَصْدَراً للنظامِ والفقهِ، بلِ النظامُ يُؤْخَذُ منْ مصادرِهِ الفقهِيَّةِ لا منَ التاريخِ، لأنَّ التاريخَ ليسَ مصدراً لهُ، فحينَ نريدُ أنْ نفهمَ النظامَ الشُيوعِيَّ لا نأخذُهُ منْ تاريخِ روسيا، بلْ نأخذُهُ منْ كتبِ المبدأِ الشيوعيِّ نفسِهِ، وحينَ نريدُ أنْ نعرفَ الفقهَ الإنجليزِيَّ لا نأخذُهُ منْ تاريخِ إنجلترا بلْ نأخذُهُ منَ الفقهِ الإنجليزيِّ، وهذا ينطبقُ على أيِّ نظامٍ أو قانونٍ. والإسلامُ مبدأٌ لهُ عقيدةٌ ونظامٌ، فحينَ نريدُ معرِفَتَهُ وأخذَهُ لا يجوزُ أنْ نجعلَ التاريخَ مصدراً لهُ مطلقاً، لا منْ حيثُ معرفَتُهُ ولا منْ حيثُ اسْتِنْبَاطُ أحكامِهِ. أمَّا مِنْ حَيْثُ مَصْدَرُ مَعْرِفَتِهِ فهوَ كتبُ الفِقْهِ الإسْلامِيِّ، وأمَّا منْ حيثُ مصدرُ اسْتِنْبَاطِ أحْكامِهِ فهوَ أَدِلَّتُهَا التَفْصِيلِيَّةُ. ولذلكَ لا يَصِحُّ أنْ يكونَ التاريخُ مَصدراً للنظامِ الإسلاميِّ، لا منْ حيثُ معرفتُهُ، ولا منْ حيثُ الاسْتِدْلالُ بهِ، وعليهِ فَلا يَصِحُّ أنْ يكونَ تاريخُ عمرَ بنِ الخطَّابِ، أو عُمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، أو هَارونَ الرَشِيدِ، أوْ غيرِهِمْ مَرْجِعَاً لِلأحْكامِ الشَرْعِيَّةِ، لا في الحوادثِ التاريخيَّةِ الَّتي رُوِيَتْ عَنْهُمْ، ولا في الكتبِ الَّتي أُلِّفَتْ في تاريخِهِمْ. وإِذا اتُّبِعَ رَأْيٌ لِعُمرَ في حادثةٍ فإنَّما يُتَّبَعُ باعْتِبَارِهِ حُكْمَاً شَرْعِيَّاً استنبطهُ عُمَرُ وطَبَّقَهُ، كما يُتَّبَعُ الحكمُ الَّذي استنبطهُ أبو حَنِيفَةَ والشَافِعِيُّ وجَعْفَرُ وأمثالهُمْ، ولا يُتَّبَعُ باعْتِبَارِهِ حادثةً تاريخيَّةً. وعلى ذلكَ فلا وُجودَ للتاريخِ في أَخْذِ النِظَامِ، ولا في مَعْرِفَتِهِ. على أنَّ مَعْرِفَةَ كَوْنِ النظامِ كانَ مُطَبَّقاً أمْ لا، لا تُؤْخَذُ كذلكَ منَ التاريخِ، بلْ تُؤْخذُ منَ الفقْهِ، لأنَّ أيَّ عَصْرٍ منَ العُصُورِ كانتْ لهُ مشاكلُ، وكانَ يُعَالِجُ هذهِ المشاكِلَ بنظامٍ، فحتَّى نَعْرِفَ ما هوَ النظامُ الَّذي كانتْ تُعالَجُ بهِ المشاكلُ لا نَرْجِعُ إلى حوادثِ التاريخِ، لأنَّهُ إنَّمَا يَنْقُلُ إلَيْنَا الأخبارَ نَقْلاً، بلْ يجبُ أنْ نَرجعَ إلى النظامِ الَّذي كانَ يُطَبَّقُ، أيْ إلى الفقهِ الإسلامِيِّ. وبالرُجُوعِ إليهِ لا نجدُ فيهِ أيَّ نظامٍ أخذَهُ المسلمونَ منْ غيرِهِمْ، ولا أيَّ نظامٍ اخْتَارَهُ المسلمونَ منْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، بلْ نجدُهُ كلَّهُ أحكاماً شرعِيَّةً مُسْتَنْبَطَةً منَ الأدلَّةِ الشرعِيَّةِ، وأنَّ المسلمينَ كانَ حِرْصُهُمْ شَديداً على تَنْقِيَةِ الفِقْهِ منَ الأقْوالِ الضَعِيفَةِ، أيْ منَ الاسْتِنْبَاطَاتِ الضَعِيفَةِ، حتَّى نَهَوْا عنِ العملِ بالقولِ الضعيفِ ولوْ كانَ لِمُجْتَهِدٍ مُطْلَقٍ. ولذلكَ لا يوجدُ نَصٌّ واحِدٌ تَشْرِيعِيٌّ غيرُ الفقهِ الإسْلاميِّ في العالمِ الإسلاميِّ كُلِّهِ، بلِ الموجودُ هوَ الفقهُ الإسلاميُّ فَحَسْبُ. ووجودُ نصٍّ فقهِيٍّ وحدَهُ في أمَّةٍ دونَ أنْ يُوجَدَ معَهُ نَصٌّ آخَرُ يَدُلُّ على أنَّ الأُمَّةَ لمْ تكنْ تستعْمِلُ في تشريعِهَا غيرَ هذا النَصِّ. والتَارِيخُ إِذَا جَازَ أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَيْهِ فَإِنَّمَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ لاسْتِعْرَاضِ كَيْفِيَّةِ التَطْبِيقِ. ويُمْكِنُ أَنْ يَذْكُرَ التَارِيخُ الحَوَادِثَ السِيَاسِيَّةَ، فَتَرَى فِيهِا كَيْفِيَّةَ التَطْبِيقِ. إِلَّا أَنَّ هَذَا أَيْضَاً لا يَجُوزُ أَنْ نَأْخُذَهُ إِلَّا بِالتَحْقِيقِ الدَقِيقِ مِنَ المُسْلِمِينَ".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يُوَاصِلُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَعرِضِ بَحثِهِ لِلقِيَادَةِ الفِكرِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ إِجَابَتَهُ عَنْ مَسألةٍ فِي غَايَةِ الأهَمِيَّةِ وَهِيَ: هَلْ طَبَّقَ المُسلِمُونَ الإِسلامَ, أمْ أنَّهُمْ كَانُوا يَعتَنِقُونَ عَقِيدَتَهُ وَيُطَبِّقُونَ غَيرَهُ مِنَ الأنظِمَةِ وَالأحكَامِ؟! وَيُمكِنُ إِجْمَالُ الإِجَابَةِ الوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الفَقْرَةِ بِالنُّقَاطِ الآتِيَةِ:
1. لا يجوزُ أنْ يكونَ التاريخُ مَصْدَراً للنظامِ والفقهِ, وَتَوضِيحُ ذَلِكَ يَكُونُ مِن خِلالِ مَا يَأتِي:
1- يُؤْخَذُ النظامُ منْ مصادرِهِ الفقهِيَّةِ لا منَ التاريخِ.
2- التاريخُ ليسَ مصدرًا للنظام، ولا للفقه, وإليكم هذين المثالين:
- * حينَ نريدُ أنْ نفهمَ النظامَ الشُيوعِيَّ لا نأخذُهُ منْ تاريخِ روسيا، بلْ نأخذُهُ منْ كتبِ المبدأِ الشيوعيِّ نفسِهِ.
- * حينَ نريدُ أنْ نعرفَ الفقهَ الإنجليزِيَّ لا نأخذُهُ منْ تاريخِ إنجلترا بلْ نأخذُهُ منَ الفقهِ الإنجليزيِّ.
- 3- هذا الأسلوب في أخذ النظام والفقه ينطبقُ على أيِّ نظامٍ أو قانونٍ.
- 2. الإسلامُ مبدأٌ لهُ عقيدةٌ ونظامٌ, وحينَ نريدُ معرِفَة الإسلامِ وأخذَهُ يَنبَغِي مُرَاعَاةُ مَا يَأتِي:
- 1- لا يجوزُ أنْ نجعلَ التاريخَ مصدرًا للإسلام مطلقًا، لا منْ حيثُ معرفَتُهُ ولا منْ حيثُ اسْتِنْبَاطُ أحكامِهِ:
- * مِنْ حَيْثُ مَصْدَرُ مَعْرِفَتِهِ فهوَ كتبُ الفِقْهِ الإسْلامِيِّ.
- * منْ حيثُ مصدرُ اسْتِنْبَاطِ أحْكامِهِ فهوَ أَدِلَّتُهَا التَفْصِيلِيَّةُ.
- 2- لا يَصِحُّ أنْ يكونَ التاريخُ مَصدراً للنظامِ الإسلاميِّ، لا منْ حيثُ معرفتُهُ، ولا منْ حيثُ الاسْتِدْلالُ بهِ, وَإِلَيكُمْ هَذَينِ المِثَالَينِ:
- * لا يَصِحُّ أنْ يكونَ تاريخُ عمرَ بنِ الخطَّابِ، أو عُمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، أو هَارونَ الرَشِيدِ، أوْ غيرِهِمْ مَرْجِعَاً لِلأحْكامِ الشَرْعِيَّةِ، لا في الحوادثِ التاريخيَّةِ الَّتي رُوِيَتْ عَنْهُمْ، ولا في الكتبِ الَّتي أُلِّفَتْ في تاريخِهِمْ.
- * إِذا اتُّبِعَ رَأْيٌ لِعُمرَ في حادثةٍ فإنَّما يُتَّبَعُ باعْتِبَارِهِ حُكْماً شَرْعِيّاً استنبطهُ عُمَرُ وطَبَّقَهُ، كما يُتَّبَعُ الحكمُ الَّذي استنبطهُ أبو حَنِيفَةَ والشَافِعِيُّ وجَعْفَرُ وأمثالهُمْ، ولا يُتَّبَعُ باعْتِبَارِهِ حادثةً تاريخيَّةً, فلا وُجودَ للتاريخِ في أَخْذِ النِظَامِ، ولا في مَعْرِفَتِهِ.
- 3. إن مَعْرِفَةَ كَوْنِ النظامِ كانَ مُطَبَّقاً أمْ لا، لا تُؤْخَذُ كذلكَ منَ التاريخِ، بلْ تُؤْخذُ منَ الفقْهِ للأسباب الآتية:
- لأن أيَّ عَصْرٍ منَ العُصُورِ كانتْ لهُ مشاكلُ، وكانَ يُعَالِجُ هذهِ المشاكِلَ بنظامٍ.
- حتَّى نَعْرِفَ ما هوَ النظامُ الَّذي كانتْ تُعالَجُ بهِ المشاكلُ لا نَرْجِعُ إلى حوادثِ التاريخِ، لأنَّهُ إنَّمَا يَنْقُلُ إلَيْنَا الأخبارَ نَقْلاً.
- يجبُ أنْ نَرجعَ إلى النظامِ الَّذي كانَ يُطَبَّقُ، أيْ إلى الفقهِ الإسلامِيِّ.
- بالرُجُوعِ إلى الفقهِ الإسلامِيِّ لا نجدُ فيهِ أيَّ نظامٍ أخذَهُ المسلمونَ منْ غيرِهِمْ، ولا أيَّ نظامٍ اخْتَارَهُ المسلمونَ منْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ.
- بالرُجُوعِ إلى الفقهِ الإسلامِيِّ نجدُهُ كلَّهُ أحكاماً شرعِيَّةً مُسْتَنْبَطَةً منَ الأدلَّةِ الشرعِيَّةِ.
- بالرُجُوعِ إلى الفقهِ الإسلامِيِّ نَجِدُ أنَّ المسلمينَ كانَ حِرْصُهُمْ شَديداً على تَنْقِيَةِ الفِقْهِ منَ الأقْوالِ الضَعِيفَةِ، أيْ منَ الاسْتِنْبَاطَاتِ الضَعِيفَةِ، حتَّى نَهَوْا عنِ العملِ بالقولِ الضعيفِ ولوْ كانَ لِمُجْتَهِدٍ مُطْلَقٍ.
- لا يوجدُ نَصٌّ واحِدٌ تَشْرِيعِيٌّ غيرُ الفقهِ الإسْلاميِّ في العالمِ الإسلاميِّ كُلِّهِ، بلِ الموجودُ هوَ الفقهُ الإسلاميُّ فَحَسْبُ.
- إِنَّ وُجُودَ نصٍّ فقهِيٍّ وحدَهُ في أمَّةٍ دونَ أنْ يُوجَدَ معَهُ نَصٌّ آخَرُ يَدُلُّ على أنَّ الأُمَّةَ لمْ تكنْ تستعْمِلُ في تشريعِهَا غيرَ هذا النَصِّ
4. إِذَا جَازَ أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَى التَارِيخِ فَإِنَّمَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ لاسْتِعْرَاضِ كَيْفِيَّةِ التَطْبِيقِ مَعَ مُرَاعَاةِ مَا يَأتِي:
- يُمْكِنُ أَنْ يَذْكُرَ التَارِيخُ الحَوَادِثَ السِيَاسِيَّةَ، فَتَرَى فِيهِا كَيْفِيَّةَ التَطْبِيقِ.
- لا يَجُوزُ أَنْ نَأْخُذَ الحَوَادِثَ السِّيَاسِيَّةَ إِلَّا بِالتَحْقِيقِ الدَقِيقِ مِنَ المُسْلِمِينَ.
بَقِيَ أنْ نَقُولَ: دَأبَ الكَافِرُ المُستَعمِرُ فِي حَربِهِ عَلَى الإِسلامِ عَلَى تَشوِيهِ تَارِيخِ الإِسلامِ, وَتَشوِيهِ صُورَةِ الخُلَفَاءِ وَالحُكَّامِ المُسلِمِينَ, وَطَلَباً لِلاختِصَارِ سَأكتَفِي بِإِيرَادِ مِثَالَينِ اثنَينِ.
هَذَانِ المِثَالانِ يُؤَكِّدَانِ مَقُولَةَ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ وهي: أنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ نَأْخُذَ التَّارِيخَ إِلَّا بِالتَحْقِيقِ الدَقِيقِ مِنَ المُسْلِمِينَ:
المِثَالُ الأوَّلُ: لَمْ يَسلَمْ خَلِيفَةُ المُسلِمِينَ هَارُونُ الرَّشِيدُ t مِن كَذِبِ وَطَعْنِ المُؤَرِّخِينَ فِي سِيرَتِهِ, حَيثُ كَتَبُوا عَنهُ أنَّهُ كَانَ يَجلِسُ مَجَالِسَ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ: يَعَاقِرُ الخَمْرَ, وَيَستَمِعُ إِلَى غِنَاءِ الجَوَارِي, وَيُشَاهِدُ رَقْصَ الحِسَانِ!! عِلْمًا بأنه كَانَ يَحُجُّ عَاماً, وَيَغزُو عَاماً, فَلا نَدرِي مَا جَوَابُ هَؤُلاءِ الكُتَّابِ حِينَ نَسألُهُم: مَتَى كَانَ هَارُونُ الرَّشِيدُ يَفرُغُ لِذَلِك؟؟
المِثَالُ الثَّانِي: لَعَلَّكُمْ تَذكُرُونَ ذَلِكَ الشَّيُوعِيَّ الَّذِي نَاقَشَنِي بِمَسألَةِ مَوقِعَةِ الجَمَلِ لِيتَوَصَّلَ إِلى هَدمِ نِصْفِ الإِسلامِ مِنْ خِلالِ الطَّعْنِ فِي سُلُوكِ أُمِّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا الَّتِي قَالَ عَنهَا رَسُولُ اللهِ r : «خُذُوا نِصْفَ دِينِكُمْ عَنْ هَذِهِ الحُمَيرَاءَ». وَإِلَى هَدْمِ نِصفِهِ الآخَرِ مِنْ خِلالِ الطَّعْنِ فِي سُلُوكِ خَلِيفَةِ المُسلِمِينَ الإِمَامِ عَلِيٍّ بنِ أبِي طَالِبٍ الذِي قَالَ النَّبِيُّ r فِي حَقِّهِ: «أنَا مَدِينَةُ العِلْمِ, وَعَلِيٌّ بَابُهَا». حَيثُ سَألَنِي: لِمَ سُمِّيَتْ مَعرَكَةُ الجَمَلِ بِهَذَا الاسمِ؟ وَحِينَ رَدَدْتُ إِلَيهِ سُؤَالَهُ أجَابَ قَائِلاً: لَقَد سُمِّيَتْ المَعرَكَةُ بِهَذَا الاسمِ؛ لأنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَركُبُ جَمَلاً وَهِيَ تُحَارِبُ عَلِيّاً مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أبِي سُفيَانَ انتِقَاماً لِنَفسِهَا؛ لأنَّ عَلِيّاً كَانَ قَدْ حَرَّضَ زَوجَهَا مُحَمَّداً عَلَى طَلاقِهَا بَعدَ حَادِثَةِ الإِفْكِ. قُلتُ لَهُ: وَمَا يَهُمُّكَ أنتَ مِنْ هَذَا المَوضُوعِ؟ قَالَ: مَنْ مِنهُمَا عَلَى حَقٍّ, وَمَنْ مِنهُمَا عَلَى بَاطِلٍ؟ فَإِنْ كَانَ عَلِيُّ مُحِقّاً, وَكَانَتْ عَائِشَةُ عَلَى بَاطِلٍ, فَإِنَّ نِصْفَ دِينِ الإِسلامِ يَكُونُ بَاطِلاً, وَإِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ مُحِقَّةً, وَكَانَ عَلِيٌّ عَلَى بَاطِلٍ, فَإِنَّ النِّصْفَ الآخَرَ مِنْ دِينِ الإِسلامِ يَكُونُ بَاطِلاً!!
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.