- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح71) الحضارة والمدنية
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الحَادِيَةِ وَالسَّبعِينَ, وَعُنوَانُهَا: "الحضارة والمدنية". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّالِثَةِ وَالسِّتِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "هنالِكَ فَرْقٌ بينَ الحَضَارَةِ والمَدَنِيَّةِ، فالحَضَارَةُ هِيَ مجموعُ المَفَاهِيمِ عَنِ الحَيَاةِ، والمَدَنِيَّةُ هِيَ الأَشْكَالُ المَادِّيَّةُ للأَشْيَاءِ المحسوسةِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ في شُؤونِ الحَيَاةِ. وتَكُونُ الحَضَارَةُ خَاصَّةً حَسَبَ وِجْهَةِ النظرِ في الحَيَاةِ، في حِينِ تَكُونُ المَدَنِيَّةُ خَاصَّةً وعامَّةً. فالأَشْكَال المَدَنِيَّةُ الَّتِي تَنْتُجُ عَنِ الحَضَارَةِ كالتَمَاثِيلِ تَكُونُ خَاصَّةً، والأَشْكَالُ المَدَنِيَّةُ الَّتِي تَنْتُجُ عَنِ العِلْمِ وتَقَدُّمِهِ، والصِنَاعَةِ ورُقِيِّهَا، تَكُونُ عَامَّةً، ولا تختصُّ بِهَا أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ، بَلْ تَكُونُ عَالَمِيَّةً كالصِنَاعَةِ والعِلْمِ.
وهذا التَفْرِيقُ بَيْنَ الحَضَارَةِ والمَدَنِيَّةِ يلزم أَنْ يُلاحَظَ دَائِمَاً، كَمَا يَلْزَمُ أَنْ يُلاحَظَ التَفْرِيقُ بَيْنَ الأَشْكَالِ المَدَنِيَّةِ النَاجِمَةِ عَنِ الحَضَارَةِ، وبَيْنَ الأَشْكَالِ المَدَنِيَّةِ الَناجِمَةِ عَنِ العِلْمِ والصِنَاعَةِ. وذَلِكَ ليُلاحَظَ عِنْدَ أَخْذِ المَدَنِيَّةِ التَفْرِيقُ بَيْنَ أَشْكَالِهَا، والتَفْرِيقُ بَيْنَهَا وبَيْنَ الحَضَارَةِ. فالمَدَنِيَّةُ الغَرْبِيَّةُ النَاجِمَةُ عَنِ العِلْمِ والصِنَاعَةِ لا يُوجَدُ ما يَمْنَعُ مِنْ أَخْذِهَا، وأَمَّا المَدَنِيَّة الغَرْبِيَّةُ النَاجِمَةُ عَنِ الحَضَارَةِ الغربيةِ فلا يَجُوزُ أَخْذُهَا بِحَالٍ، لأَنَّهُ لا يَجُوزُ أَخْذُ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ، لِتَنَاقُضِهَا مَعَ الحَضَارَةِ الإِسْلامِيَّةِ، في الأَسَاسِ الَّذِي تَقُومُ عَلَيْهِ، وفي تَصْوِيرِ الحَيَاةِ الدُنْيَا، وفي مَعْنَى السَعَادَةِ للإِنْسَانِ".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يُوَاصِلُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ- رَحِمَهُ اللهُ - حَدِيثَهُ عَنْ الحَضَارَةِ وَالمَدَنِيَّةِ, وَيُمكِنُ إِجْمَالُ الأفكَارِ الوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الفَقْرَاتِ بِالنُّقَاطِ الآتِيَةِ:
- هنالِكَ فَرْقٌ بينَ الحَضَارَةِ والمَدَنِيَّةِ.
- الحَضَارَةُ هِيَ مجموعُ المَفَاهِيمِ عَنِ الحَيَاةِ. والمَدَنِيَّةُ هِيَ الأَشْكَالُ المَادِّيَّةُ للأَشْيَاءِ المحسوسةِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ في شُؤونِ الحَيَاةِ.
- تَكُونُ الحَضَارَةُ خَاصَّةً حَسَبَ وِجْهَةِ النظرِ في الحَيَاةِ، في حِينِ تَكُونُ المَدَنِيَّةُ خَاصَّةً وعامَّةً.
- الأَشْكَال المَدَنِيَّةُ الَّتِي تَنْتُجُ عَنِ الحَضَارَةِ كالتَمَاثِيلِ تَكُونُ خَاصَّةً، والأَشْكَالُ المَدَنِيَّةُ الَّتِي تَنْتُجُ عَنِ العِلْمِ وتَقَدُّمِهِ، والصِنَاعَةِ ورُقِيِّهَا، تَكُونُ عَامَّةً، ولا تختصُّ بِهَا أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ، بَلْ تَكُونُ عَالَمِيَّةً كالصِنَاعَةِ والعِلْمِ.
- هذا التَفْرِيقُ بَيْنَ الحَضَارَةِ والمَدَنِيَّةِ يلزم أَنْ يُلاحَظَ دَائِمَاً، كَمَا يَلْزَمُ أَنْ يُلاحَظَ التَفْرِيقُ بَيْنَ الأَشْكَالِ المَدَنِيَّةِ النَاجِمَةِ عَنِ الحَضَارَةِ، وبَيْنَ الأَشْكَالِ المَدَنِيَّةِ الَناجِمَةِ عَنِ العِلْمِ والصِنَاعَةِ.
- عِنْدَ أَخْذِ المَدَنِيَّةِ يَنبَغِي أنْ يُلاحَظَ التَفْرِيقُ بَيْنَ أَشْكَالِهَا، والتَفْرِيقُ بَيْنَهَا وبَيْنَ الحَضَارَةِ.
- المَدَنِيَّةُ الغَرْبِيَّةُ النَاجِمَةُ عَنِ العِلْمِ والصِنَاعَةِ لا يُوجَدُ ما يَمْنَعُ مِنْ أَخْذِهَا.
- المَدَنِيَّةُ الغَرْبِيَّةُ النَاجِمَةُ عَنِ الحَضَارَةِ الغربيةِ لا يَجُوزُ أَخْذُهَا بِحَالٍ.
- لا يَجُوزُ أَخْذُ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ، لِتَنَاقُضِهَا مَعَ الحَضَارَةِ الإِسْلامِيَّةِ، في الأَسَاسِ الَّذِي تَقُومُ عَلَيْهِ، وفي تَصْوِيرِ الحَيَاةِ الدُنْيَا، وفي مَعْنَى السَعَادَةِ للإِنْسَانِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.