- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح72) الحضارة الغربية
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ وَالسَّبعِينَ, وَعُنوَانُهَا: "الحضارة الغربية". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةِ وَالستينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "أمَّا الحَضَارَةُ الغَرْبِيَّةُ فإِنَّهَا تَقُومُ عَلَى أَسَاسِ فَصْلِ الدِينِ عَنِ الحَيَاةِ، وإِنْكَارِ أَنَّ للدِينِ أَثَراً في الحَيَاةِ، فَنَتَجَ عَنْ ذَلِكَ فِكْرةُ فَصْلِ الدِينِ عَنِ الدَوْلَةِ، لأَنَّها طَبِيعِيَّةٌ عند مِن يَفْصِلُ الدِينَ عَنِ الحَيَاةِ، ويُنْكِرُ وُجُودَ الدِينِ في الحَيَاةِ. وعَلَى هَذَا الأَسَاسِ قَامَتِ الحَيَاةُ، وقامَ نِظَامُ الحَيَاةِ. أَمَّا تَصْوِيرُ الحَيَاةِ فَإِنَّهُ المَنْفَعَةُ، لأَنَّها هِيَ مِقْيَاسُ الأَعْمَالِ، ولذَلِكَ كَانَتِ النَفْعِيَّةُ هِيَ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهِا النِظَامُ، وتَقُومُ عَلَيْهِا الحَضَارَةُ، ومِنْ هُنَا كَانَتِ النَفْعِيَّةُ هِيَ المَفْهُوَمَ البَارِزَ في النِظَامِ، وفي الحَضَارَةِ، لأَنَّها تُصَوِّرُ الحَيَاةَ بأَنَّها المَنْفَعَةُ. ولذَلِكَ كَانَتِ السَعَادَةُ عِنْدَهُمْ إِعْطَاءَ الإِنْسَانِ أَكْبَرَ قِسْطٍ مِنَ المُتْعَةِ الجَسَدِيَّةِ وتَوْفِيرَ أَسْبَابِهَا لَهُ. ولهذَا كَانَتِ الحَضَارَةُ الغَرْبِيَّةُ حَضَارَةً نَفْعِيَّةً بَحْتَةً، لا تُقِيمُ لغَيْرِ المَنْفَعَةِ أَيَّ وَزْنٍ، ولا تَعْتَرِفُ إِلَّا بالنَفْعِيَّةِ، وتَجْعَلُهَا هِيَ المِقْيَاسَ للأَعْمَالِ. وأَمَّا النَاحِيَةُ الرُوحِيَّةُ فَهِيَ فَرْدِيَّةٌ لا شَأَنَ للجَمَاعَةِ بِهَا، وهيَ مَحْصُورَةٌ في الكَنِيسَةِ ورِجَالِ الكَنِيسَةِ. ولذَلِكَ لا تُوجَدُ في الحَضَارَة الغَرْبِيَّةِ قِيَمٌ خُلُقِيَّةٌ، أَوْ رُوحِيَّةٌ، أَوْ إِنْسَانيَّةٌ، وإِنَّما تُوجَدُ قِيم مَادِّيَّةٌ ونَفْعِيَّةٌ فَقَطْ. وعَلَى هَذَا الأساسِ جُعِلَتِ الأَعْمَالُ الإِنْسَانيَّةُ تابَعَةً لمُنَظَّمَاتٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنِ الدَوْلَةِ، كَمُؤَسَّسَةِ الصَليبِ الأَحْمَرِ، والإِرْسَالِيَّاتِ التَبْشِيرِيَّةِ، وعُزِلَتْ عَنِ الحَيَاةِ كُلُّ قِيمَةٍ إِلَّا القِيمَةَ المَادِّيَّةَ وهِيَ الرِبْحُ. فكَانَتِ الحَضَارَةُ الغَرْبِيَّةُ هِيَ هَذِهِ المَجْمُوعَةَ مِنَ المَفَاهِيمِ عَنِ الحَيَاةِ".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يُوَاصِلُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ- رَحِمَهُ اللهُ - حَدِيثَهُ عَنْ الحَضَارَةِ وَالمَدَنِيَّةِ, وَيُمكِنُ إِجْمَالُ الأفكَارِ الوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الفَقْرَاتِ بِالنُّقَاطِ الآتِيَةِ:
- تَقُومُ الحَضَارَةُ الغَرْبِيَّةُ عَلَى أَسَاسِ فَصْلِ الدِينِ عَنِ الحَيَاةِ، وإِنْكَارِ أَنَّ للدِينِ أَثَراً في الحَيَاةِ.
- فِكْرةُ فَصْلِ الدِينِ عَنِ الدَوْلَةِ نَتِيجَةٌ طَبِيعِيَّةٌ عند مِن يَفْصِلُ الدِينَ عَنِ الحَيَاةِ، ويُنْكِرُ وُجُودَ الدِينِ في الحَيَاةِ.
- عَلَى أَسَاسِ فَصْلِ الدِينِ عَنِ الحَيَاةِ قَامَتِ الحَيَاةُ فِي المَبدَأ الرَّأسْمَالِيِّ، وقامَ نِظَامُ الحَيَاةِ.
- تَصْوِيرُ الحَيَاةِ فِي المَبدَأ الرَّأسْمَالِيِّ قَائِمٌ عَلَى المَنْفَعَةِ لأَنَّها هِيَ مِقْيَاسُ الأَعْمَالِ.
- النَفْعِيَّةُ فِي المَبدَأ الرَّأسْمَالِيِّ هِيَ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهِا النِظَامُ، وتَقُومُ عَلَيْهِا الحَضَارَةُ.
- النَفْعِيَّةُ هِيَ المَفْهُوَمَ البَارِزَ في النِظَامِ الرَّأسْمَالِيَّ، وفي الحَضَارَةِ الغَربِيَّةِ، لأَنَّها تُصَوِّرُ الحَيَاةَ بأَنَّها المَنْفَعَةُ.
- السَعَادَةُ عِنْدَ الرَّأسْمَالِيِّينَ هِيَ إِعْطَاءُ الإِنْسَانِ أَكْبَرَ قِسْطٍ مِنَ المُتْعَةِ الجَسَدِيَّةِ وتَوْفِيرُ أَسْبَابِهَا لَهُ.
- الحَضَارَةُ الغَرْبِيَّةُ حَضَارَةً نَفْعِيَّةً بَحْتَةً، لا تُقِيمُ لغَيْرِ المَنْفَعَةِ أَيَّ وَزْنٍ، ولا تَعْتَرِفُ إِلَّا بالنَفْعِيَّةِ، وتَجْعَلُهَا هِيَ المِقْيَاسَ للأَعْمَالِ.
- النَاحِيَةُ الرُوحِيَّةُ عِندَ الغَربِيِّينَ فَرْدِيَّةٌ لا شَأَنَ للجَمَاعَةِ بِهَا، وهيَ مَحْصُورَةٌ في الكَنِيسَةِ ورِجَالِ الكَنِيسَةِ.
- لا تُوجَدُ في الحَضَارَة الغَرْبِيَّةِ قِيَمٌ خُلُقِيَّةٌ، أَوْ رُوحِيَّةٌ، أَوْ إِنْسَانيَّةٌ، وإِنَّما تُوجَدُ قِيم مَادِّيَّةٌ ونَفْعِيَّةٌ فَقَطْ.
- الأَعْمَالُ الإِنْسَانيَّةُ عِندَ الغَربِيِّينَ تابَعَةً لمُنَظَّمَاتٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنِ الدَوْلَةِ، كَمُؤَسَّسَةِ الصَليبِ الأَحْمَرِ، والإِرْسَالِيَّاتِ التَبْشِيرِيَّةِ، وعُزِلَتْ عَنِ الحَيَاةِ كُلُّ قِيمَةٍ إِلَّا القِيمَةَ المَادِّيَّةَ وهِيَ الرِبْحُ.
- الحَضَارَةُ الغَرْبِيَّةُ هِيَ هَذِهِ المَجْمُوعَةَ مِنَ المَفَاهِيمِ عَنِ الحَيَاةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.