- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح73) الحضارة الإسلامية
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةِ وَالسَّبعِينَ, وَعُنوَانُهَا: "الحضارة الإسلامية". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتين: الرَّابِعَةِ وَالسِّتِينَ, وَالخَامِسَةِ وَالستينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "أمَّا الحَضَارَةُ الإِسْلامِيَّةُ فإِنَّهَا تَقُومُ عَلَى أَسَاسٍ هُوَ النَقِيضُ مِنْ أَسَاسِ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ، وتَصْوِيرُهَا للحَيَاةِ غَيْرُ تَصْوِيرِ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ لَهَا، ومَفْهُوَمُ السَعَادَةِ فِيهِا يَخْتَلِفُ عَنْ مَفْهُوَمِهَا في الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ كُلَّ الاخْتِلافِ. فالحَضَارَةُ الإِسْلامِيَّةُ تَقُوم عَلَى أَسَاسِ الإِيمَانِ باللهِ، وأَنَّهُ جَعَلَ لِلْكَوْنِ والإِنْسَانِ والحَيَاةِ نِظَامَاً يَسِيرُ بِمُوجِبِهِ، وأَنَّهُ أَرْسَلَ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً r بالإِسْلامِ دِيناً، أَيْ أَنَّ الحَضَارَةَ الإِسْلامِيَّةَ تَقُومُ عَلَى أَسَاسِ العَقِيدَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وهِيَ الإِيمَانُ باللهِ وملائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ وباليَوْمِ الآخِرِ وبالقَضَاءِ والقَدَرِ خَيْرِهِمَا وشَرِّهِمَا مِنَ اللهِ تعالى. فكَانَتِ العَقِيدَةُ هِيَ الأَسَاسَ للحَضَارَةِ، فهيَ قائِمَةٌ عَلَى أَسَاسٍ رُوحِيٍّ. أمَّا تَصْوِيرُ الحَيَاةِ في الحَضَارَةِ الإِسْلامِيَّةِ فَإِنَّهُ يَتَمَثَّلُ في فَلْسَفَةِ الإِسْلامِ الَّتِي اِنْبَثَقَتْ عَنِ العَقِيدَةِ الإِسْلامِيَّةِ، والَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا الحَيَاةُ، وأَعْمَالُ الإِنْسَانِ في الحَيَاةِ، هَذِهِ الفَلْسَفَةُ الَّتِي هِيَ مَزْجُ المَادَّةِ بالرُوحِ، أَيْ جَعْلُ الأَعْمَالِ مُسَيَّرَةً بِأَوَامِرِ اللهِ ونَوَاهِيهِ، هِيَ الأَسَاسُ لتَصْوِيرِ الحَيَاةِ. فالعَمَلُ الإِنْسَانيُّ مَادَّةٌ، وإِدْرَاكُ الإِنْسَانِ صِلَتَهُ باللهِ حِينَ القِيَامِ بالعَمَلِ مِنْ كَوْنِ هَذَا العَمَلِ حَلالاً أَوْ حَرَامَاً هُوَ الرُوحُ. فَحَصَلَ بِذَلِكَ مَزْجُ المَادَّةِ بالرُوحِ. وبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ كَانَ المُسَيِّرُ لأَعْمَالِ المُسْلِمِ هُوَ أَوَامِرَ اللهِ ونَوَاهِيَهُ.
والغَايَةُ مِنْ تَسْييرِ أَعْمَالِهِ بأَوَامِرِ اللهِ ونَوَاهِيهِ، هِيَ رِضْوَانُ اللهِ تعالى، ولَيْسَ النَفْعِيَّةَ مُطْلَقَاً. أَمَّا القَصْدُ مِنَ القِيَامِ بِنَفْسِ العَمَلِ فهُوَ القِيَمَةُ الَّتِي يُرَاعَى تَحْقِيقُهَا حِينَ القِيَامِ بالعَمَلِ. وهَذِهِ القِيَمَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأَعْمَالِ. فَقَدْ تَكُونُ قِيَمَةً مَادِّيَّةً كَمَنْ يُتَاجِرُ بِقَصْدِ الرِبْحِ، فَإِنَّ تِجَارَتَهُ عَمَلٌ مَادِّيٌّ، ويُسَيِّرُهُ فِيهِا إِدْرَاكُهُ لِصِلَتِهِ باللهِ حَسَبَ أَوَامِرِهِ ونَوَاهِيهِ اِبْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ. والقِيَمَةُ الَّتِي يُرَاعَى تَحْقِيقُهَا مِنَ القِيَامِ بالعَمَلِ هِيَ الرِبْحُ، وهُوَ قِيَمَةٌ مَادِّيَّةٌ. وقَدْ تَكُونُ القِيمَةُ رُوحِيَّةً، كالصَّلاةِ والزَّكَاةِ والصَّوْمِ والحَجِّ. وقَدْ تَكُونُ القِيَمَةُ خُلُقِيَّةً، كالصِدْقِ والأَمَانَةِ والوَفَاءِ. وقَدْ تَكُونُ القِيَمَةُ إِنْسَانِيَّةً، كإِنْقَاذِ الغَرِيقِ وإِغَاثَةِ المَلْهُوفِ. وهَذِهِ القِيَمُ يُرَاعِيهَا الإِنْسَانُ حِينَ القِيَامِ بالعَمَلِ حَتَّى يُحَقِّقَهَا، إِلَّا أَنَّها لَيْسَتِ المُسَيِّرَةَ للأَعْمَالِ، ولَيْسَتِ المَثَلَ الأَعْلَى الَّذِي يَهْدِفُ إِلَيْهِ، بَلْ هِيَ القِيمَةُ مِنَ العَمَلِ وتَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ نَوْعِهِ. وأمَّا السَعَادَةُ فَهِيَ نَيْلُ رِضْوَانِ اللهِ، ولَيْسَتْ إِشْبَاعَ جَوْعَاتِ الإِنْسَانِ، لأَنَّ إِشْبَاعَ جَوْعَاتِ الإِنْسَانِ جَمِيعِهَا، مِنْ جَوْعَاتِ الحاجاتِ العُضْوِيَّةِ، وجَوْعَاتِ الغَرَائِزِ، هُوَ وَسِيلَةٌ لازِمَةٌ للمُحَافَظَةِ عَلَى ذاتِ الإِنْسَانِ، ولا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا السَعَادَةُ. هَذَا هُوَ تَصْوِيرُ الحَيَاةِ. وهذا هُوَ الأَسَاسُ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ هَذَا التَصْوِيرُ. وهُوَ الأَسَاسُ للحَضَارَةِ الإِسْلامِيَّةِ".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يُوَاصِلُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ- رَحِمَهُ اللهُ - حَدِيثَهُ عَنْ الحَضَارَةِ وَالمَدَنِيَّةِ, وَيُمكِنُ إِجْمَالُ الأفكَارِ الوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الفَقْرَاتِ بِالنُّقَاطِ الآتِيَةِ:
- تَقُومُ الحَضَارَةُ الإِسْلامِيَّةُ عَلَى أَسَاسٍ هُوَ النَقِيضُ مِنْ أَسَاسِ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ.
- تَصْوِيرُ الحَضَارَةِ الإِسْلامِيَّةِ للحَيَاةِ غَيْرُ تَصْوِيرِ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ لَهَا.
- مَفْهُوَمُ السَعَادَةِ فِي الحَضَارَةِ الإِسْلامِيَّةِ يَخْتَلِفُ عَنْ مَفْهُوَمِهَا في الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ كُلَّ الاخْتِلافِ.
- الحَضَارَةُ الإِسْلامِيَّةُ تَقُوم عَلَى أَسَاسِ الإِيمَانِ باللهِ، وأَنَّهُ جَعَلَ لِلْكَوْنِ والإِنْسَانِ والحَيَاةِ نِظَاماً يَسِيرُ بِمُوجِبِهِ، وأَنَّهُ أَرْسَلَ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً r بالإِسْلامِ دِيناً.
- الحَضَارَةَ الإِسْلامِيَّةَ تَقُومُ عَلَى أَسَاسِ العَقِيدَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وهِيَ الإِيمَانُ باللهِ وملائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ وباليَوْمِ الآخِرِ وبالقَضَاءِ والقَدَرِ خَيْرِهِمَا وشَرِّهِمَا مِنَ اللهِ تعالى. فكَانَتِ العَقِيدَةُ هِيَ الأَسَاسُ للحَضَارَةِ، فهيَ قائِمَةٌ عَلَى أَسَاسٍ رُوحِيٍّ.
- تَصْوِيرُ الحَيَاةِ في الحَضَارَةِ الإِسْلامِيَّةِ يَتَمَثَّلُ في فَلْسَفَةِ الإِسْلامِ الَّتِي اِنْبَثَقَتْ عَنِ العَقِيدَةِ الإِسْلامِيَّةِ، والَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا الحَيَاةُ، وأَعْمَالُ الإِنْسَانِ في الحَيَاةِ.
- فَلْسَفَةُ الإسلام الَّتِي انبَثَقَتْ عَنْ عَقِيدَتِهِ: هِيَ مَزْجُ المَادَّةِ بالرُوحِ، أَيْ جَعْلُ الأَعْمَالِ مُسَيَّرَةً بِأَوَامِرِ اللهِ ونَوَاهِيهِ، هِيَ الأَسَاسُ لتَصْوِيرِ الحَيَاةِ.
- العَمَلُ الإِنْسَانيُّ مَادَّةٌ، وإِدْرَاكُ الإِنْسَانِ صِلَتَهُ باللهِ حِينَ القِيَامِ بالعَمَلِ مِنْ كَوْنِ هَذَا العَمَلِ حَلالاً أَوْ حَرَامَاً هُوَ الرُوحُ. فَحَصَلَ بِذَلِكَ مَزْجُ المَادَّةِ بالرُوحِ.
- المُسَيِّرُ لأَعْمَالِ المُسْلِمِ هُوَ أَوَامِرَ اللهِ ونَوَاهِيَهُ.
- الغَايَةُ مِنْ تَسْييرِ أَعْمَالِهِ بأَوَامِرِ اللهِ ونَوَاهِيهِ، هِيَ رِضْوَانُ اللهِ تعالى، ولَيْسَ النَفْعِيَّةَ مُطْلَقَاً.
- القَصْدُ مِنَ القِيَامِ بِالعَمَلِ هُوَ القِيَمَةُ الَّتِي يُرَاعَى تَحْقِيقُهَا حِينَ القِيَامِ بالعَمَلِ.
- تَخْتَلِفُ القِيَمَةُ بِاخْتِلافِ الأَعْمَالِ.
- قَدْ تَكُونُ قِيَمَةً مَادِّيَّةً كَمَنْ يُتَاجِرُ بِقَصْدِ الرِبْحِ، فَإِنَّ تِجَارَتَهُ عَمَلٌ مَادِّيٌّ، ويُسَيِّرُهُ فِيهِا إِدْرَاكُهُ لِصِلَتِهِ باللهِ حَسَبَ أَوَامِرِهِ ونَوَاهِيهِ اِبْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ. والقِيَمَةُ الَّتِي يُرَاعَى تَحْقِيقُهَا مِنَ القِيَامِ بالعَمَلِ هِيَ الرِبْحُ، وهُوَ قِيَمَةٌ مَادِّيَّةٌ.
- قَدْ تَكُونُ القِيمَةُ رُوحِيَّةً، كالصَّلاةِ والزَّكَاةِ والصَّوْمِ والحَجِّ.
- قَدْ تَكُونُ القِيَمَةُ خُلُقِيَّةً، كالصِدْقِ والأَمَانَةِ والوَفَاءِ.
- قَدْ تَكُونُ القِيَمَةُ إِنْسَانِيَّةً، كإِنْقَاذِ الغَرِيقِ وإِغَاثَةِ المَلْهُوفِ.
- هَذِهِ القِيَمُ يُرَاعِيهَا الإِنْسَانُ حِينَ القِيَامِ بالعَمَلِ حَتَّى يُحَقِّقَهَا، إِلَّا أَنَّها لَيْسَتِ المُسَيِّرَةَ للأَعْمَالِ، ولَيْسَتِ المَثَلَ الأَعْلَى الَّذِي يَهْدِفُ إِلَيْهِ، بَلْ هِيَ القِيمَةُ مِنَ العَمَلِ وتَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ نَوْعِهِ.
- السَعَادَةُ هِيَ نَيْلُ رِضْوَانِ اللهِ، ولَيْسَتْ إِشْبَاعَ جَوْعَاتِ الإِنْسَانِ، لأَنَّ إِشْبَاعَ جَوْعَاتِ الإِنْسَانِ جَمِيعِهَا، مِنْ جَوْعَاتِ الحاجاتِ العُضْوِيَّةِ، وجَوْعَاتِ الغَرَائِزِ، هُوَ وَسِيلَةٌ لازِمَةٌ للمُحَافَظَةِ عَلَى ذاتِ الإِنْسَانِ، ولا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا السَعَادَةُ. هَذَا هُوَ تَصْوِيرُ الحَيَاةِ. وهذا هُوَ الأَسَاسُ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ هَذَا التَصْوِيرُ. وهُوَ الأَسَاسُ للحَضَارَةِ الإِسْلامِيَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.