- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح85) فصل الدين عن الحياة موجه بتوجيه القيادة الفكرية الأجنبية
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ, وَعُنوَانُهَا: "فَصلُ الدِّينِ عَنِ الحَيَاةِ مُوَجَّهٌ بِتَوجِيهِ القِيَادَةِ الفِكرِيَّةِ الأجنَبِيَّةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّانِيَةِ وَالسَّبعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "وقَدْ نَظَرَتْ بَعْضُ الأَدْيَانِ إِلَى أَنَّ الكَوْنَ فِيهِ المَحْسُوسُ والمُغَيَّبُ، والإِنْسَانَ فِيهِ السُمُوُّ الرُوحِيُّ والنَزْعَةُ الجَسَدِيَّةُ، والحَيَاةَ فِيها النَاحِيَةُ المَادِّيَّةُ والنَاحِيَةُ الرُوحِيَّةُ، وأَنَّ المَحْسُوسَ يَتَعَارَضُ مَعَ المُغَيَّبِ، وأَنَّ السُمُوَّ الرُوحِيَّ لا يَلْتَقِي مَعَ النَزْعَةِ الجَسَدِيَّةِ، وأَنَّ المَادَّةَ مُنْفَصِلَةٌ عَنِ الرُوحِ. ولذَلِكَ فَهاتانِ النَاحِيَتانِ مُنْفَصِلَتَانِ عِنْدَهُمْ، لأَنَّ التَعَارُضَ بَيْنَهُمَا أَسَاسِيٌّ في طَبِيعَتِهِمَا، ولا يُمْكِنُ امْتِزَاجُهُمَا، وأَنَّ كُلَّ تَرْجِيحٍ لإحداهُما في المِيزَانِ فِيهِ تَخْفِيضٌ لِوَزْنِ الأُخْرَى. ولِهَذا كَانَ على مُرِيدِ الآخِرَةِ أَنْ يُرَجِّحَ النَاحِيَةَ الرُوحِيَّةَ. ومِنْ هُنَا قَامَتْ فِي المَسِيحِيَّةِ سُلْطَتَانِ: السُلْطَةُ الرُوحِيَّةُ، والسُلْطَةُ الزَمَنِيَّةُ (أَعْطِ ما لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وما للهِ للهِ)، وكَانَ رِجَالُ السُلْطَةِ الرُوحِيَّةِ هُمْ رِجَالَ الدِينِ وكَهَنَتَهُ، وكَانُوا يُحَاوِلُونَ أَنْ تَكُونَ السُلْطَةُ الزَمَنِيَّةُ بِأَيْدِيهِمْ، حَتَّى يُرَجِّحُوا عَلَيْهَا السُلْطَةَ الرُوحِيَّةَ في الحَيَاةِ، ومِنْ ثَمَّ نَشَأَ النِزَاعُ بَيْنَ السُلْطَةِ الزَمَنِيَّةِ والسُلْطَةِ الرُوحِيَّةِ. وأَخِيراً تَمَّ جَعْلُ رِجَالِ الدِينِ مُسْتَقِلِّينَ بالسُلْطَةِ الرُوحِيَّةِ، لا يَتَدَخَّلُونَ بالسُلْطَةِ الزَمَنِيَّةِ، وقَدْ فُصِلَ الدِينُ عَنِ الحَيَاةِ لأَنَّهُ كَهَنُوتِيٌّ، وهَذَا الفَصْلُ بَيْنَ الدِينِ والحَيَاةِ، هُوَ عَقِيدَةُ المَبْدَأِ الرَأْسِمَالِيِّ، وهُوَ أَسَاسُ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ، وهُوَ القِيَادَةُ الفِكْرِيَّةُ الَّتِي يَحْمِلُهَا الاستعمارُ الغَرْبِيُّ للعَالَمِ ويَدْعُو لَهَا، ويجَعَلُها عِمَادَ ثَقَافَتِهِ، ويُزَعْزِعُ عَلَى أَسَاسِهَا عَقِيدَةَ المُسْلِمِينَ بالإِسْلامِ، لأَنَّهُ يَقِيسُ الإِسْلامَ بالمَسِيحِيَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ القِيَاسِ الشُمُولِيِّ. فَكُلُّ مَنْ يَحْمِلُ هَذِهِ الدَعْوَةَ «فَصْل الدِينِ عَنِ الحَيَاةِ» أَوْ فَصْلَ الدِينِ عَنِ الدَوْلَةِ أَوْ عَنِ السِيَاسَةِ، إِنَّمَا هُوَ تَابِعٌ ومُوَجَّهٌ بِتَوْجِيهِ القِيَادَةِ الفِكْرِيَّةِ الأَجْنَبِيَّةِ، وعميلٌ - بِحُسْنِ نِيَّةٍ أَوْ بسُوئِهَا - مِنْ عُمَلاءِ الاستعمارِ وهُوَ جَاهِلٌ بالإِسْلامِ أَوْ مُعَادٍ لَهُ".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: بَعدَ أنْ بَيَّنَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - وُجُوبَ تَسيِيرِ الإِنسَانِ أَعْمَالَهُ بأَوَامِرِ اللهِ ونَوَاهِيهِ, يَكشِفُ حَقِيقَةً وَاقِعَةً تَغِيبُ عَنْ أذهَانِ وَعُقُولِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ, وَهِيَ أنَّ فَصْلَ الدِّينِ عَنِ الحَيَاةِ مُوَجَّهٌ بِتَوجِيهِ القِيَادَةِ الفِكرِيَّةِ الأجنَبِيَّةِ. وَيُمكِنُ إِجْمَالُ الأفكَارِ الوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الفَقْرَةِ بِالنُّقَاطِ الآتِيَةِ:
- نَظَرَتْ بَعْضُ الأَدْيَانِ إِلَى أَنَّ الكَوْنَ فِيهِ المَحْسُوسُ والمُغَيَّبُ، والإِنْسَانَ فِيهِ السُمُوُّ الرُوحِيُّ والنَزْعَةُ الجَسَدِيَّةُ، والحَيَاةَ فِيها النَاحِيَةُ المَادِّيَّةُ والنَاحِيَةُ الرُوحِيَّةُ، وأَنَّ المَحْسُوسَ يَتَعَارَضُ مَعَ المُغَيَّبِ، وأَنَّ السُمُوَّ الرُوحِيَّ لا يَلْتَقِي مَعَ النَزْعَةِ الجَسَدِيَّةِ، وأَنَّ المَادَّةَ مُنْفَصِلَةٌ عَنِ الرُوحِ.
- هاتانِ النَاحِيَتانِ مُنْفَصِلَتَانِ عِنْدَهُمْ، لأَنَّ التَعَارُضَ بَيْنَهُمَا أَسَاسِيٌّ في طَبِيعَتِهِمَا، ولا يُمْكِنُ امْتِزَاجُهُمَا، وأَنَّ كُلَّ تَرْجِيحٍ لإحداهُما في المِيزَانِ فِيهِ تَخْفِيضٌ لِوَزْنِ الأُخْرَى. ولِهَذا كَانَ على مُرِيدِ الآخِرَةِ أَنْ يُرَجِّحَ النَاحِيَةَ الرُوحِيَّةَ.
- قَامَتْ فِي المَسِيحِيَّةِ سُلْطَتَانِ: السُلْطَةُ الرُوحِيَّةُ، والسُلْطَةُ الزَمَنِيَّةُ (أَعْطِ ما لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وما للهِ للهِ)، وكَانَ رِجَالُ السُلْطَةِ الرُوحِيَّةِ هُمْ رِجَالَ الدِينِ وكَهَنَتَهُ، وكَانُوا يُحَاوِلُونَ أَنْ تَكُونَ السُلْطَةُ الزَمَنِيَّةُ بِأَيْدِيهِمْ، حَتَّى يُرَجِّحُوا عَلَيْهَا السُلْطَةَ الرُوحِيَّةَ في الحَيَاةِ،
- نَشَأَ النِزَاعُ بَيْنَ السُلْطَةِ الزَمَنِيَّةِ والسُلْطَةِ الرُوحِيَّةِ. وأَخِيراً تَمَّ جَعْلُ رِجَالِ الدِينِ مُسْتَقِلِّينَ بالسُلْطَةِ الرُوحِيَّةِ، لا يَتَدَخَّلُونَ بالسُلْطَةِ الزَمَنِيَّةِ، وقَدْ فُصِلَ الدِينُ عَنِ الحَيَاةِ لأَنَّهُ كَهَنُوتِيٌّ.
- هَذَا الفَصْلُ بَيْنَ الدِينِ والحَيَاةِ، هُوَ عَقِيدَةُ المَبْدَأِ الرَأْسِمَالِيِّ، وهُوَ أَسَاسُ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ، وهُوَ القِيَادَةُ الفِكْرِيَّةُ الَّتِي يَحْمِلُهَا الاستعمارُ الغَرْبِيُّ للعَالَمِ ويَدْعُو لَهَا، ويجَعَلُها عِمَادَ ثَقَافَتِهِ، ويُزَعْزِعُ عَلَى أَسَاسِهَا عَقِيدَةَ المُسْلِمِينَ بالإِسْلامِ، لأَنَّهُ يَقِيسُ الإِسْلامَ بالمَسِيحِيَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ القِيَاسِ الشُمُولِيِّ.
- كُلُّ مَنْ يَحْمِلُ هَذِهِ الدَعْوَةَ «فَصْل الدِينِ عَنِ الحَيَاةِ» أَوْ فَصْلَ الدِينِ عَنِ الدَوْلَةِ أَوْ عَنِ السِيَاسَةِ، إِنَّمَا هُوَ تَابِعٌ ومُوَجَّهٌ بِتَوْجِيهِ القِيَادَةِ الفِكْرِيَّةِ الأَجْنَبِيَّةِ، وعميلٌ - بِحُسْنِ نِيَّةٍ أَوْ بسُوئِهَا - مِنْ عُمَلاءِ الاستعمارِ وهُوَ جَاهِلٌ بالإِسْلامِ أَوْ مُعَادٍ لَهُ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.