- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الميزان
ميزان الفكر والنفس والسلوك
الحلقة الثالثة والثلاثون
بسم الله الرحمن الرحيم
ثانياً : مفهوم الخير والشر
إن الإنسان المجرد من نظام الله تعالى مفهومه عن الخير والشر قاصر، فهو ينظر إلى ما يحبه أنه خير، وما يكرهه أنه شر، وينظر إلى ما ينفعه أنه خير، وما يضره أنه شر، وهذه نظرة قاصرة ضيقة محدودة، وذلك لمحدودية علم الإنسان، فلا يدري ماذا يمكن أن يحصل لاحقاً أو مستقبلاً، ولا يدري عن نتيجة الذي ظنه أنه خير فلعله ينقلب شراً وهو لا يدري، ولذلك فإن مقياسه هذا وميزانه للخير والشر مقياس قاصر وميزان خاطئ لا يعطيه النتائج الصحيحة، ويجعله متقلباً متردداً في أحكامه على ما يقع منه أو ما يقع له.
والنظرة الصحيحة والميزان الدقيق للخير والشر مبني على الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة وعن علاقتها جميعها بما قبلها، وعن علاقتها جميعها بما بعدها، فهي أولاً متعلقة بالركن السادس من أركان الإيمان: (الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى) فيؤمن العبد أن الله تعالى خلق في الإنسان وفي الأشياء حوله خواصَّ مفروضةً عليها لا تتخلف، وأن ما ينتج عن هذه الخواصّ من خير أو شر إنما هو من عند الله تعالى، ثم ثانياً كل ما يقع منها على المؤمن فإنما هو خير له، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن، كل أمره خير له، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرَاء صبر فكان خيراً له، ولا يكون هذا إلا للمؤمن)، فالمؤمن لا ينظر إلى نتائج الأشياء والأعمال إلا إنها خير له، فإن كان يسير أعماله بحسب أوامر الله ونواهيه كانت له خيراً بغضّ النظر عن المنفعة فيها وبغض النظر عن حبه أو كرهه لها، فيكون ما يكرهه مما يقع منها كفارةً له عن سيئةٍ اقترفها، أو معصيةٍ وقع فيها، أو تكون محبَّةً من الله تعالى للعبد ليرفع درجته، أو تمحيصاً واختباراً للعبد.
وعليه لا تكون نظرة المؤمن لنتائج الأعمال من منطلق المنفعة والمضرة، ولا من منطلق المحبة والكره، بل من منطلق أنها من عند الله تعالى، فتكون خيراً للمؤمن المطيع.
يقول الله سبحانه وتعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) فكل ما يصيب المؤمن هو من عند الله كتبه الله له ليكون خيراً له.
ويقول سبحانه وتعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، فالإنسان لا يعلم حقائق الأشياء ولا الأمور، ولا ما تؤول إليه، فيجعل الشر ّخيراً للمؤمن، ويجعل ما يكرهه خيراً، فهو سبحانه القادر على ذلك بعلمه المحيط وقدرته المطلقة، وبالغِ حكمته، هو سبحانه الذي يخلق الفرج من رحم الشدة، ويخلق النصر من رحم الهزيمة، ويخلق الخير من رحم الشر.
لقد أمر الله سبحانه الرجال بحسن معاشرة أزواجهم، حتى لو كره أحدهم امرأته، فعليه أن يعاشرها بالمعروف في كل الأحوال، ذلك أنه لا يدري أين الخير، فقد يكون الخير في ما يكرهه الإنسان وليس في ما يحبه، يقول الله سبحانه وتعالى: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعلَ اللهُ فيه خيراً كثيراً)، وضرب الله سبحانه لنا مثلاً في المؤمنين (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)، فماذا كانت النتيجة؟ (فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله، والله ذو فضل عظيم) وحقيقة الأمر يبينها العليم الخبير سبحانه بقوله: (إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين).
وضربَ الله سبحانه وتعالى للمسلمين مثلاً رائعاً في النظرة إلى الخير والشر، وذلك في حادثة الإفك التي اتُّهِمت فيها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقال سبحانه وتعالى: (إنَّ الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم، لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم) فالذين اخترعوا الإفك لهم حسابهم على الإثم الذين اكتسبوه، والذي تزعم كِبرَ ذلك الإفك له عذاب عظيم، أما الرسول صلى الله عليه وسلم، وعائشة أم المؤمنين فلهم الأجر والثواب على صبرهم على ذلك الإفك، ووصفه الله سبحانه بأنه خير ونهى المسلمين أن يحسبوه شراً لهم.
إن مقاييس الإنسان مجرداً من نظام الله تعالى مقاييس محدودة، ونظرته ضيقة، فهو بحاجة إلى نظام الله تعالى، فيصبح يرى كل ما يقع له خيراً، ويُثاب ويؤجر على صبره فيما يقتضي الصبر، وعلى شكره فيما يقتضي الشكر.
كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد
الأردن