- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح96) هل من مصلحة المسلمين وضع دستور شامل؟ (ج2)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّادِسَةِ وَالتِّسعِينَ, وَعُنوَانُهَا: "هَل مِنْ مَصلَحَةِ المُسلِمِينَ وَضعُ دُستُورٍ شَامِلٍ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتَينِ: التَّاسِعَةِ وَالثَّمَانِينَ, وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "وحِينَ تَتَبَنَّى أَيَّ حُكْمٍ يَجِبُ أَنْ تَتَبَنَّاهُ عَلَى أَسَاسِ قُوَّةِ الدَلِيلِ الشَرْعِيِّ، مَعَ الفَهْمِ الصَحِيحِ لِلْمُشْكِلَةِ القَائِمَةِ. ولذَلِكَ كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَدْرُسَ المُشْكِلَةَ، أولاً لِتَفْهَمَهَا، لأَنَّ فَهْمَ المُشْكِلَةِ ضَرُورِيٌّ جِدّاً، ثُمَّ تَفْهَمَ الحُكْمَ الشَرْعِيَّ الَّذِي يَنْطَبِقُ عَلَى هَذِهِ المُشْكِلَةِ، ثُمَّ تَدْرُسَ دَلِيلَ الحُكْمِ الشَرْعِيِّ، ثُمَّ تَتَبَنَّى هَذَا الحُكْمَ عَلَى أَسَاسِ قُوَّةِ الدَلِيلِ، عَلَى أَنْ تُؤْخَذَ هَذِهِ الأَحْكَامُ الشَرْعِيَّةُ إِمَّا مِنْ رَأْيِ مُجْتَهِدٍ مِنَ المُجْتَهِدينَ، بَعْدَ الإِطِّلاعِ عَلَى الدَلِيلِ والاطْمِئْنَانِ إِلَى قُوَّتِهِ، وإِمَّا مِنَ الكِتَابِ والسُنَّةِ أَوِ الإِجْمَاعِ أَوِ القِيَاسِ ولَكِنْ باجتهاد شَرْعِيٍّ، ولَوِ اجتهاداً جُزْئِيّاً وهُوَ اجتهادُ المَسْأَلَةِ. فَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَتَبَنَّى مَنْعَ التَأْمِينِ عَلَى البِضَاعَةِ مَثَلاً، عَلَيْهَا أَنْ تَدْرُسَ أولاً مَا هُوَ التَأْمِينُ عَلَى البِضَاعَةِ، حَتَّى تعرِفَهُ، ثُمَّ تَدْرُسَ وَسَائِلَ التَمَلُّكِ، ثُمَّ تُطَبِّقَ حُكْمَ اللهِ في المِلْكِيَّةِ عَلَى التَأْمِينِ وتَتَبَنَّى الحُكْمَ الشَرْعِيَّ في ذَلِكَ.
ولِهَذَا كَانَ لا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لِلْدُسْتُورِ، ولِكُلِّ قَانُونٍ، مُقَدِّمَةٌ تُبَيِّنُ بِوُضُوحٍ المَذْهَبَ الَّذِي أُخِذَتْ مِنْهُ كُلُّ مَادَّةٍ، ودَلِيلَهُ الَّذِي اعْتمِدَ عَلَيْهِ، أَوْ تُبَيِّنُ الدَلِيلَ الَّذِي استُنبطَتْ مِنْهُ المَادَّةُ إِنْ كَانَ استِنبَاطُهَا باجتهادٍ صَحِيحٍ، حَتَّى يَعْرِفَ المُسْلِمُونَ أَنَّ الأَحْكَامَ الَّتِي تَبَنَّتْهَا الدَوْلَةُ في الدُسْتُورِ والقَوَانِينِ هِيَ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ، مُسْتَنْبَطَةٌ باجتهادٍ صَحِيحٍ، لأَنَّ المُسْلِمينَ لا يُلْزَمُونَ بِطَاعَةِ الدَوْلَةِ فِيمَا تَحْكُمُ إِلَّا إِذَا كَانَ حُكْماً شَرْعِيّاً تَبَنَّتْهُ الدَوْلَةُ. وعَلَى هَذَا الأَسَاسِ تَتَبَنَّى الدَوْلَةُ أَحْكَاماً شَرْعِيَّةً تَكُونُ دُسْتُوراً وقَوَانِينَ، لِتَحْكُمَ بِهَا النَاسَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ تَابِعِيَّتَهَا. وعَلَى سَبِيلِ المِثَالِ نَضَعُ بَيْنَ أَيْدِي المُسْلِمِينَ مَشْرُوعاً لِدُسْتُورِ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ في العَالَمِ الإِسْلامِيِّ، حَتَّى يَدْرُسَهُ المُسْلِمُونَ وهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامِةِ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ لِتَحْمِلَ الدَعْوَةَ الإِسْلامِيَّةَ إِلَى العَالَمِ. ولا بُدَّ أَنْ يُلاحَظَ أَنَّ هَذَا الدُسْتُورَ لَيْسَ مُخْتَصّاً بِقُطْرٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ هُوَ لِلْدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ في العَالَمِ الإِسْلامِيِّ، ولا يُقْصَدُ بِهِ أَيُّ قُطْرٍ أَوْ أَيُّ بَلَدٍ مُطْلَقاً".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يُوَاصِلُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ إِجَابَتَهُ عَنْ سُؤَالٍ يَقُولُ: هَلْ مِنْ مَصْلَحَةِ المُسْلِمينَ وَضْعُ دُسْتُورٍ شَامِلٍ وقَوانِينَ عَامَّةٍ لَهُمْ أَمْ لا؟ ويُمكِنُ إِجْمَالُ الأفكَارِ الوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الفَقْرَةِ بِالنُّقَاطِ الآتِيَةِ:
1. حِينَ تَتَبَنَّى الدَّولَةُ أَيَّ حُكْمٍ يَجِبُ أَنْ تَتَبَنَّاهُ عَلَى أَسَاسِ قُوَّةِ الدَلِيلِ الشَرْعِيِّ، مَعَ الفَهْمِ الصَحِيحِ لِلْمُشْكِلَةِ القَائِمَةِ.
2. الطَّرِيقَةُ الصَّحِيحَةُ فِي تَبَنِّي الأحكَامِ الشَّرعِيَّةِ:
1) عَلَى الدَّولَةِ أَنْ تَدْرُسَ المُشْكِلَةَ، أولاً لِتَفْهَمَهَا، لأَنَّ فَهْمَ المُشْكِلَةِ ضَرُورِيٌّ جِدّاً.
2) ثُمَّ عَلَيها أَنْ تَفْهَمَ الحُكْمَ الشَرْعِيَّ الَّذِي يَنْطَبِقُ عَلَى هَذِهِ المُشْكِلَةِ.
3) ثُمَّ تَدْرُسَ دَلِيلَ الحُكْمِ الشَرْعِيِّ.
4) ثُمَّ تَتَبَنَّى الدَّولَةُ هَذَا الحُكْمَ عَلَى أَسَاسِ قُوَّةِ الدَلِيلِ.
3. مَصَادِرُ أخْذِ الأحكَامِ الشَّرعِيَّةِ:
1) تُؤْخَذُ الأَحْكَامُ الشَرْعِيَّةُ مِنْ رَأْيِ مُجْتَهِدٍ مِنَ المُجْتَهِدينَ، بَعْدَ الإِطِّلاعِ عَلَى الدَلِيلِ والاطْمِئْنَانِ إِلَى قُوَّتِهِ.
2) تُؤْخَذُ مِنَ الكِتَابِ والسُنَّةِ أَوِ الإِجْمَاعِ أَوِ القِيَاسِ ولَكِنْ باجتهاد شَرْعِيٍّ، ولَوِ اجتهاداً جُزْئِيّاً وهُوَ اجتهادُ المَسْأَلَةِ.
4. يُورِدُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ مِثَالاً يُبَيِّنُ فِيهِ كَيفِيَّةَ تَبَنِّي الدَّولَةِ لِلأَحكَامِ:
1) إِذَا أَرَادَتْ الدَّولَةُ أَنْ تَتَبَنَّى مَنْعَ التَأْمِينِ عَلَى البِضَاعَةِ مَثَلاً، عَلَيْهَا أَنْ تَدْرُسَ أَوَّلاً مَا هُوَ التَأْمِينُ عَلَى البِضَاعَةِ، حَتَّى تعرِفَهُ.
2) ثُمَّ تَدْرُسَ وَسَائِلَ التَمَلُّكِ.
3) ثُمَّ تُطَبِّقَ حُكْمَ اللهِ في المِلْكِيَّةِ عَلَى التَأْمِينِ وتَتَبَنَّى الحُكْمَ الشَرْعِيَّ في ذَلِكَ.
5. يُؤَكِّدُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ ضَرُورَةَ وُجُودِ مُقَدِّمَةٍ لِلْدُسْتُورِ:
1) لا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لِلْدُسْتُورِ، ولِكُلِّ قَانُونٍ، مُقَدِّمَةٌ تُبَيِّنُ بِوُضُوحٍ المَذْهَبَ الَّذِي أُخِذَتْ مِنْهُ كُلُّ مَادَّةٍ، ودَلِيلَهُ الَّذِي اعْتمِدَ عَلَيْهِ.
2) لا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لِلْدُسْتُورِ، ولِكُلِّ قَانُونٍ، مُقَدِّمَةٌ تُبَيِّنُ الدَلِيلَ الَّذِي استُنبطَتْ مِنْهُ المَادَّةُ إِنْ كَانَ استِنبَاطُهَا باجتهادٍ صَحِيحٍ، حَتَّى يَعْرِفَ المُسْلِمُونَ أَنَّ الأَحْكَامَ الَّتِي تَبَنَّتْهَا الدَوْلَةُ في الدُسْتُورِ والقَوَانِينِ هِيَ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ، مُسْتَنْبَطَةٌ باجتهادٍ صَحِيحٍ.
6. المُسْلِمونَ لا يُلْزَمُونَ بِطَاعَةِ الدَوْلَةِ فِيمَا تَحْكُمُ إِلَّا إِذَا كَانَ حُكْماً شَرْعِيّاً تَبَنَّتْهُ الدَوْلَةُ. وَعَلَى هَذَا الأَسَاسِ تَتَبَنَّى الدَوْلَةُ أَحْكَاماً شَرْعِيَّةً تَكُونُ دُسْتُوراً وقَوَانِينَ، لِتَحْكُمَ بِهَا النَاسَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ تَابِعِيَّتَهَا.
7. يَضَعُ حِزْبُ التَّحرِيرِ بَيْنَ أَيْدِي المُسْلِمِينَ مَشْرُوعاً لِدُسْتُورِ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ في العَالَمِ الإِسْلامِيِّ، حَتَّى يَدْرُسَهُ المُسْلِمُونَ, وهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامِةِ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ؛ لِتَحْمِلَ الدَعْوَةَ الإِسْلامِيَّةَ إِلَى العَالَمِ.
8. لا بُدَّ أَنْ يُلاحَظَ أَنَّ هَذَا الدُسْتُورَ لَيْسَ مُخْتَصّاً بِقُطْرٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ هُوَ لِلْدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ في العَالَمِ الإِسْلامِيِّ، ولا يُقْصَدُ بِهِ أَيُّ قُطْرٍ أَوْ أَيُّ بَلَدٍ مُطْلَقاً.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.