- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح107) مشروع الدستور
أحكام عامّة
تنفيذ الدولة للشرع الإسلامي (2)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّابِعَةِ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "مَشرُوعُ الدُّستُور - أحكَامٌ عَامَّةٌ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّالِثَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
"المادة 7 - تُنَفِّذُ الدَّولَةُ الشَّرْعَ الإِسلَامِيَّ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ التَّابِعِيَّةَ الإِسلَامِيَّةَ سَوَاءٌ أَكَانُوا مُسْلِمِينَ أَمْ غَيرَ مُسلِمِينَ عَلَى الوَجْهِ التَّالِي:
أ - تُنَفَّذُ عَلَى الـمُسلِمِينَ جَمِيعُ أَحْكَامِ الإِسلَامِ دُونَ أَيَّ استِثْنَاءٍ.
ب - يُترَكُ غَيرُ الـمُسلِمِينَ وَمَا يَعتَقِدُونَ وَمَا يَعبُدُونَ ضِمْنَ النِّظَامِ العَامِّ.
ج - الـمُرتَدُّونَ عَنِ الإِسلَامِ يُطَبَّقُ عَلَيهِمْ حُكْمُ الـمُرتَدِّ إِنْ كَانُوا هُمُ الـمُرتَدِّينَ، أَمَّا إِذَا كَانُوا أَولَادَ مُرتَدِّينَ وَوُلِدُوا غَيرَ مُسلِمِينَ فَيُعَامَلُونَ مُعَامَلَةَ غَيرِ الـمُسلِمِينَ حَسْبَ وَضْعِهِمُ الَّذِي هُمْ عَلَيهِ مِنْ كَونِهِمْ، مُشركِينَ أَو أَهْلَ كِتَابٍ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ الـمُسلِمُونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذه هي الـمَادَّةُ السَّابِعَةُ مِنهُ, وَإِلَيكُمْ أَدِلَّةَ هَذِهِ الـمَّادَّةِ مِنْ خِلَالِ النُّقَاطِ الآتِيَةِ:
- وهذا كُلُّهُ دليلٌ على وجوبِ تطبيقِ جميعِ أحكامِ الإسلامِ على جميعِ الرعيةِ، لا فرقَ بينَ المسلمينَ وغيرِ المسلمينَ. وبناءً على ذلكَ وُضِعَتِ الفقرةُ (أ) من هذه المادةِ. أمَّا الفَقرَةُ "ب" فَإِنَّ الأَمْرَ العَامَّ فِي تَطبِيقِ أَحْكَامِ الإِسلَامِ الوَارِدَ فِي قَولِهِ تَعَالَى: (فَاحْكُمْ بَينَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ) قَدْ خُصِّصَ شَرعاً بِغَيرِ العَقِيدَةِ الَّتِي يَعتَقِدُونَهَا، وَبِغَيرِ الأَحكَامِ الَّتِي هِيَ عِندَهُمْ مِنَ العَقِيدَةِ، وَفِي غَيرِ الأَحْكَامِ الَّتِي أَقَرَّهُمُ عَلَيهَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم.
- أَمَّا العَقِيدَةُ وَالأَحْكَامُ الَّتِي تُعتَبَرُ عِندَهُمْ مِنهَا, وَالأَحكَامُ الَّتِي أَقَرَّهُمُ الرَّسُولُ عَلَيهَا فَقَدِ استَثنَاهَا الإِسلَامُ بِنُصُوصٍ صَرِيحَةٍ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ مَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيَّتِهِ أَو نَصْرَانِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفتَنُ عَنْهَا». فَأَيُّ فِعْلٍ كَانَ مِنْ بَابِ العَقَائِدِ عِندَهُمْ وَلَو كَانَ عِندَنَا لَيسَ مِنْ بَابِ العَقَائِدِ فَإِنَّنَا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيهِ, وَنَتركُهُمْ بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ وَمَا يَعتَقِدُونَ، وَأَيَّ فِعْلٍ أَقَرَّهُمُ الرَّسُولُ عَلَيهِ كَشُرْبِهِمُ الخَمْرَ وَكَزَوَاجِهِمْ فَإِنَّنَا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيهِ.
- وَأَمَّا الفَقْرَةُ "ج" مِنْ هَذِهِ الـمَادَّةِ فَإِنَّ الإِسلَامَ قَدْ وَضَعَ أَحْكَاماً لِلمُرتَدِّ، مِنهَا أَنَّهُ يُقْتَلُ إِذَا لَم يَرجِعْ، لِقَولِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقتُلُوهُ».
- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: "فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا أَنَسُ, مَا فَعَلَ السِّتَّةُ الرَّهْطُ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلَ الَّذِينَ ارتَدُّوا عَنِ الإِسلَامِ فَلَحِقُوا بِالـمُشرِكِينَ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الـمُؤمِنِينَ قُتِلُوا بِالـمَعْركَةِ، فَاستَرجَعَ عُمَرُ، قُلْتُ: وَهَلْ كَانَ سَبِيلَهُمْ إِلَّا القَتْلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "كُنْتُ أَعْرِضُ عَلَيهِمُ الإِسلَامَ, فَإِنْ أَبَوا أَودَعْتُهُمُ السِّجْنَ" أَي حَتَّى يَتُوبُوا, وَإِنْ لَمْ يتُوبُوا يُقْتَلُوا، لِأَنَّهُ يُعرَضُ الإِسلَامُ عَلَى الـمُرتَدِّ, وَتُتَّخَذُ مَعَهُ أَسَالِيبُ لِلتَّوبَةِ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ يُقْتَلْ.
- لَا يُقْتَلُ الـمُرتَدُّ بِمُجَرَّدِ الارتِدَادِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ امْرَأَةً هِيَ أُمُّ مَروَانَ ارتَدَّتْ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ بِأَنْ يُعرَضَ عَلَيهَا الإِسلَامُ, فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ، وَهَذَا الحَدِيثُ يَستَعْمِلُهُ عَامَّةُ الفُقَهَاءِ, وَاستَدَلَّ بِهِ ابنُ قُدَامَةَ فِي الـمُغْنِي فَيُعتَبَرُ مِنَ الحَسَنِ. وَكَذَلِكَ تُطَبَّقُ عَلَيهِ سَائِرُ الأَحْكَامِ الأُخْرَى.
- هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلمُرتَدِّ نَفْسِهِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِأَولَادِهِ الَّذِينَ وُلِدُوا عَلَى غَيرِ الإِسلَامِ، أَيْ إِذَا ارْتَدَّ الـمُسلِمُ, وَلَـمْ يُقتَلْ وَظَلَّ عَلَى الدِّينِ الَّذِي ارْتَدَّ إِلَيهِ، كَأَنْ صَارَ نَصْرَانياً أَوْ يَهُودِياً أَوْ مُشرِكاً, وَظَلَّ كَذَلِكَ، وَوُلِدَ لَهُ أَولَادٌ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الحَالِ، فَوُلِدُوا نَصَارَى أَوْ يَهُوداً أَوْ مُشرِكِينَ، فَهَلْ يُعتَبَرُ أَولَادُهُ مُرتَدِّينَ, فَيُعَامَلُونَ مُعَامَلَةَ الـمُرتَدِّينَ أَمْ يُعتَبَرُونَ كَاعتِبَارِ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي وُلِدُوا عَلَيهِ؟
- وَالجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ أَوْلَادَ الـمُرتَدِّ الَّذِينَ وُلِدُوا قَبْلَ ارتِدَادِهِ, فَإِنَّهُمْ يُعتَبَرُونَ مُسلِمِينَ قَطْعاً، فَإِذَا تَبِعُوا أَبَاهُمْ بِارتِدَادِهِ عُومِلُوا مُعَامَلَةَ الـمُرتَدِّينَ.
- وَأَمَّا إِنْ وُلِدُوا بَعدَ ارتِدَادِهِ مِنْ زَوجَةٍ كَافِرَةٍ أَوْ زَوجَةٍ مُرتَدَّةٍ فَإِنَّهُمْ يُعتَبَرُونَ كُفَّاراً, وَلَا يُعتَبَرُون مُرتَدِّينَ، فَيُعَامَلُونَ مُعَامَلَةَ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي وُلِدُوا عَلَيهِ.
- فَكُلُّ مَنْ وُلِدَ لِلْمُرتَدِّ بَعدَ كُفْرِهِ مِنْ زَوجَةٍ كَافِرَةٍ, أَوْ مُرتَدَّةٍ فَهُوَ مَحكُومٌ بِكُفْرِهِ لأَنَّهُ وُلِدَ مِنْ أَبَوَينِ كَافِرَينِ. فَإِنْ كَانَ الأَبَوَان ِصَارَا يَهُوداً أَوْ نَصَارَىَ، أَيْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، عُومِلَ مُعَامَلَةَ أَهْلِ الكِتَابِ، وَإِنْ صَارَا مُشرِكَيْنِ عُومِلُوا مُعَامَلَةَ الـمُشرِكِينَ، وَذَلِكَ لِمَا رُويَ عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَـمَّا أَرَادَ قَتْلَ عُقْبَةَ بنَ أَبِي مُعَيطٍ، قَالَ: مَنْ لِلصِّبْيَةِ؟ قَالَ: «النَّارُ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «النَّارُ لَهُمْ وَلِأَبِيهِمْ». ولِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ البُخَارِي فِي بَابِ أَهْلِ الدَّارِ مِنْ كِتَابِ الجِهَادِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ أَولَادَ الـمُشرِكِينَ هَلْ يُقتَلُونَ مَعَ آبَائِهِمْ؟ فَقَالَ: «هُمْ مِنهُمْ».
- فَكُلُّ مَنْ وُلِدَ لِأَبَوَينِ كَافِرَينِ يُعتَبُرُ كَافِراً، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الكُفَّارِ. وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِينَ ارتَدُّوا عَنِ الإِسلَامِ, وَصَارُوا فِرَقاً غَيرَ إِسلَامِيَّةٍ، كَالدُّرُوزِ، وَالبَهَائِيَّةِ، وَالقَاديَانِيَّةِ، لَا يُعَامَلُونَ مُعَامَلَةَ الـمُرتَدِّينَ، لِأَنَّهُمْ لَيسُوا مُرتَدِّينَ، بَلْ أَجْدَادُهُمْ هُمُ الَّذِينَ ارتَدُّوا، وَهَؤُلَاءِ تَوَلَّدُوا مِنْ أَبَوَينِ كَافِرَينِ، فيُحْكَمُ عَلَيهِمْ بِالكُفْرِ، وَيُعَامَلُونَ مُعَامَلَةَ الكُفَّارِ.
- بِمَا أَنَّ هَؤُلَاءِ لَم يَرتَدُّوا إِلَى دِينٍ مِنْ أَديَانِ أَهْلِ الكِتَابِ، أَي لَم يَرتَدُّوا إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوِ اليَهُودِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يُعَامَلُونَ مُعَامَلَةَ الـمُشرِكِينَ، فَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ، وَلَا تُنكَحُ نِسَاؤُهُمْ، لِأَنَّ غَيرَ الـمُسلِمِينَ إِمَّا أَنْ يُعتَبَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ, أَوْ مِنْ غَيرِ أَهْلِ الكِتَابِ -أيْ مِنَ الـمُشرِكِينَ- وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا، وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَجُوسِ هَجَرَ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ غَيرَ آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ وَلَا نَاكِحِي نِسَائِهِمْ». وَأَمَّا الَّذِينَ ارتَدُّوا عَنِ الإِسلَامِ وَصَارُوا نَصَارَى كَمَا هِيَ الحَالُ فِي لُبنَانَ مِثْلُ عَائِلَةِ شِهَابَ، فَإِنَّ آبَاءَهَا مُسلِمُونَ ارتَدُّوا إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ، وَجَاءَتْ ذُرِّيَّتُهُمْ عَلَى دِينِ النَّصَارَى، فَهَؤُلَاءِ وَأمثَالُهُمْ يُعَامَلُونَ مُعَامَلَةَ أَهْلِ الكِتَابِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.