- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح109) مشروع الدستور - أحكام عامّة -
اللغة العربية لغة الإسلام (1)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةِ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "مَشُروعُ الدُّستُورِ - أحكَامٌ عَامَّةٌ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّالِثَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 8 - اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ هِيَ وَحْدَهَا لُغَةُ الإِسلَامِ وَهِيَ وَحْدَهَا اللُّغَةُ الَّتِي تَستَعْمِلُهَا الدَّولَةُ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ الـمُسلِمُونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذه هي الـمَادَّةَ الثَّامِنَةُ مِنهُ, وَإِلَيكُمْ أَدِلَّةَ هَذِهِ الـمَّادَّةِ مِنْ خِلَالِ النُّقَاطِ الآتِيَةِ:
- هَذِهِ الـمَادَّةَ دَلِيلُهَا هُوَ أَنَّ القُرآنَ الكَرِيمَ بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِهِ جَمِيعُ النَّاسِ، قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القُرآنِ). (الإسراء 89) وَقَالَ: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القُرآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ)، (الروم 58)، فَإِنَّ اللهَ أَنزَلَهُ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، وَجَعَلَهُ قُرآناً عَرَبياً، قَالَ تَعَالَى: (قُرْءَانًا عَرَبِيًّا). (يوسف2) وَقَالَ: (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ). (الشعراء 195).
- وَمِنْ هُنَا كَانَتِ اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ وَحْدَهَا هِيَ لُغَةَ الإِسلَامِ؛ لِأَنَّهَا وَحْدَهَا لُغَةُ القُرآنِ، وَلِأَنَّ القُرآنَ مُعجزَةٌ لِلرَّسُول r، وَإِعجَازُهُ إِنَّمَا هُوَ فِي تَعبِيرِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ العَرَبِيِّ أَيْ بِعَرَبِيَّةِ اللَّفْظِ وَالأُسلُوبِ، وَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الإِعْجَازُ هُوَ فِي اللَّفْظِ وَالـمَعنَى مَعاً لَا يَنفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنِ الآخَرِ, فَلَيسَ الـمُرَادُ مِنْ إِعجَازِهِ فِي الـمَعنَى هُوَ الإِعجَازَ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ مَعَانٍ وَمَوضُوعَاتٍ، فَإِنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ بِهَذِهِ الـمَعَانِي وَتِلْكَ الـمَوضُوعَاتِ وَهِيَ لَيسَتْ مُعجِزَةً، وَإِنَّمَا إِعجَازُهُ فِي الـمَعنَى حَالَةَ كَونِهِ مُعَبِّراً عَنهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَبِهَذَا الأُسلُوبِ. فَالتَّعبِيرُ عَنْ هَذَا الـمَعْنَى بِهَذَا اللَّفْظِ, وَهَذَا الأُسلُوبِ هُوَ الـمُعجِزُ، فَيَكُونُ الإِعجَازُ إِنَّمَا هُوَ بِاللَّفْظِ العَرَبِيِّ الـمُعَبِّرِ عَنِ الـمَعنَى بِالأُسلُوبِ العَرَبِيِّ، أَيْ أَنَّ قَولَهُ تَعَالَى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَومٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيهِمْ عَلَى سَوَاءٍ). (الأنفال 58) مُعجِزَةٌ لِلنَّاسِ أَنْ يَأتُوا بِمِثْلِهَا، وَإِعجَازُهَا آتٍ مِنْ رَوعَةِ التَّعبِيرِ بِهَذِهِ الأَلفَاظِ عَنِ الـمَعَانِي الَّتِي أَدَّاهَا هَذَا السَّبكُ بِهَذَا الأُسلُوبِ. فَكَانَتْ عَرَبِيَّةُ اللَّفْظِ وَعَرَبِيَّةُ الأُسلُوبِ الَّتِي أَدَّتْ هَذِهِ الـمَعَانِي هِيَ الـمُعجِزَة.
- فَالإِعجَازُ فِي القُرآنِ مُنحَصِرٌ فِي عَرَبِيَّتِهِ، إِذْ هِيَ الأَصْلُ فِي الإِعجَازِ، وَهِيَ مَحَلُّ التَّحَدِّي أَنْ يَأتُوا بِمِثْلِهِ، فَهِيَ جُزْءٌ جَوهَرِيٌّ فِيهِ غَيرُ قَابِلٍ لِلانفِصَالِ عَنهُ، وَلَا يَكُونُ قُرآناً إِلَّا بِهَا، وَلِذَلِكَ لَا تَجُوزُ تَرجَمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا غُيِّرَ خَرَجَ عَنْ نَظْمِهِ، فَلَمْ يَكُنْ قُرآناً، وَلَا مِثلَهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ تَفْسِيراً لَهُ، وَلَو كَانَ تَفْسيِرُهُ مِثلَهُ لَـمَا عَجِزُوا عَنهُ حِينَ تَحَدَّاهُمْ بِالإِتيَانِ بِمِثْلِهِ.
- ثُمَّ إِنَّ قَولَ اللهِ: (قُرءَانًا عَرَبِيًّا) مَعنَاهُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَرَبِياً لَا يُسَمَّى قُرآناً. ثُمَّ إِنَّنَا مُتَعَبَّدُونَ بِلَفظِهِ، فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِغَيرِهِ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: (فَاقرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْءَانِ). (المزمل20) وَقَالَ r: «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ عُبَادَةَ. وَلِذَلِكَ كَانَتِ اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ جُزءاً جَوهَرِياً مِنَ الإِسـلَامِ.
- وأمـا قـولـه تعـالى: (وَأُوحِيَ إِليَّ هَذَا القُرْءَانُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ). (الأنعام 19) فَإِنَّ الـمُرَادَ مِنهُ: أُنذِرَكُمْ بِمَا فِي القُرآنِ، وَيَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ: الإِنذَارُ بِلَفْظِهِ، وَالإِنذَارُ بِتَفْسِيرِهِ فَكُلُّهُ إِنْذَارٌ بِالقُرآنِ. بخلاف قوله: (فَاقرَءُوا) فَإِنَّ قِـَراءَةَ التَّفسِـيرِ وَالتَّرجَمَةِ لَا تَكُونُ قِرَاءَةً لِلقُرآنِ؛ لِأَنَّ مَعنَى قَرَأَ الكِتَابَ أَيْ قَرَأَ أَلفَاظَهُ، وَلَا يُمكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعنَاهُ قَرَأَ تَرجَمَتَهُ أَوْ تَفسِيرَهُ. فَلَيسَ هُوَ مِثلُ أَنَذَرَ بِالكِتَابِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَنذَرَ بِأَلفَاظِهِ، وَأَنذَرَ بِمَا فِيهِ.
- عَلَى أَنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَ إِنذَارَ الرَّسُولِ r أَيضاً بِالعَرَبِيَّةِ فَقَالَ جَلَّ شَأنُهُ: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الـمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء 193-195). مِمَّا يَقطَعُ بِعَدَمِ جَوَازِ قِرَاءَةِ الفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ بِغَيرِ العَرَبِيَّةِ، وَبِذَلِكَ يَسقُطُ مَا احْتَجَّ بِهِ بَعضُهُمْ بِآيَةِ: (وَأُوحِيَ إِليَّ هَذَا القُرْءَانُ) عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ بِغَيرِ العَرَبِيَّةِ لِمَنْ لَـمْ يُحسِنِ العَرَبِيَّةَ. هَذَا مِنْ حَيثُ كَونُ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ جُزءاً جَوهَرِياً فِي الإِسلَامِ.
- أَمَّا مِنْ حَيثُ كَونُهُا وَحْدَهَا لُغَةَ الدَّولَةِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ عَلَيهِ أَنَّ الرَّسُولَ r كَتَبَ إِلَى قَيصَرَ وَكِسْرَى وَالـمُقَوقِسُ كُتُباً يَدعُوهُمْ فِيهَا إِلَى الإِسلَامِ، وَكَانَتْ كُتُبُهُ هَذِهِ مَكتُوبَةً بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ مَعَ إِمكَانِ تَرجَمَتِهَا لِلُغَاتِهِمْ. فَكَونُهُ r لـَمْ يَكْتُبْ لِقَيصَرَ وَكِسْرَى وَالـمُقَوقِسِ كُتُبَهُ لَهُمْ بِلُغَاتِهِمْ، مَعَ أَنَّهُمْ غَيرُ عَرَبٍ, وَمَعَ أَنَّهُ كَتَبَ يُبَلِّغُهُمُ الإِسلَامَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ وَحْدَهَا هِيَ لُغَةُ الدَّولَةِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ r فَعَلَ ذَلِكَ، وَكَونُ الحَاجَةِ مَاسَّةً إِلَى التَّرجَمَةِ لِلتَّبلِيغِ وَلَم يُتَرجِمْ؛ قَرِينَةٌ عَلَى وُجُوبِ حَصْرِ مُخَاطَبَةِ الدَّولَةِ لِلنَّاسِ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ سَوَاءٌ أَكَانُوا عَرَباً أَمْ غَيرَ عَرَبٍ.
- وَالخُلَاصَةُ هِيَ أَنَّ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ جُزءٌ جَوهَرِيٌّ لَا يَتَجَزَّأُ مِنَ الإِسلَامِ, وَلَا يَتَأَتَّى فَهْمُ الإِسلَامِ مِنْ مَصَادِرِهِ, وَاستِنبَاطُ الأَحكَامِ مِنَ الأَدِلَّةِ التَّفصِيلِيَّةِ إِلَّا بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ, وَلَا تُحمَلُ الدَّعوَةُ الإِسلَامِيَّةُ إِلَى العَالَمِ إِلَّا بِهَا؛ لِذَلِكَ كَانَ حِرْصُ الـمُسلِمِينَ عَلَيهَا شَدِيداً, وَكَانَتْ عَنَايَتُهُمْ بِهَا عَظِيمَةً, فَكَانُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ كَمَا يُعَلِّمُونَهُمُ القُرآنَ الكَرِيمَ وَالحَدِيثَ النَّبَوِيَّ الشَّرِيفَ, وَحِينَ حَمَلُوا الدَّعوَةَ إِلَى الإِسلَامِ, حَمَلُوهَا بِمُرتَكَزَاتٍ ثَلَاثَةٍ هِيَ: القُرآنُ الكَرِيمُ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى, وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم, وَاللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ.
- رَوَى البَيهَقِيُّ في شعب الإيمان عن رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ, فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ، وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ. وَوَرَدَ فِي مُصَنَّفِ ابنِ أَبِي شَيبَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ كَمَا تَعَلَّمُونَ حِفْظَ الْقُرْآنِ». وَرَوَى الحَاكِمُ فِي الـمُستَدرَكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحِبُّوا الْعَرَبَ لِثَلَاثٍ: لِأَنِّي عَرَبِيٌّ, وَالْقُرْآنَ عَرَبِيٌّ, وَكَلَامَ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ».
- أَدْرَكَ أَعدَاءُ الإِسلَام ذَلِكَ, وَعَرَفُوا أَنَّهُمْ لَنْ يَستَطِيعُوا إِضْعَافَ الدَّولَةِ مَا دَامَ الإِسلَامُ قَوِياً فِي نُفُوسِ الـمُسلِمِينَ, قَوِياً فِي فَهْمِهِ, قَوِياً فِي تَطبِيقِهِ, فَعَمِدُوا إِلَى إِيجَادِ الوَسَائِلِ الَّتِي تُضعِفُ فَهْمَ الـمُسلِمِينَ لَهُ, وَتُضعِفُ تَطبِيقَهُمْ لِأَحكَامِهِ.
- عَمِدَ هَؤُلَاءِ إِلَى اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا اللُّغَةُ الَّتِي يُؤَدَّى بِهَا الإِسلَامُ, وَصَارُوا يُحَاوِلُونَ فَصْلَهَا عَنِ الإِسلَامِ, وَسَاعَدَ عَلَى ذَلِكَ أَنْ تَوَلَّى الحُكْمَ مَنْ لَا يَعرِفُ لِلعَرَبِيَّةِ قِيمَتَهَا, فَأَهْمَلَ أَمْرَهَا, وَبِذَلِكَ وَقَفَ الاجتِهَادُ, وَصَارَ لَا يُمْكِنُ استِنبَاطُ الأَحْكَامِ لِمَنْ لَا يَعرِفُ هَذِهِ اللُّغَةَ, فَانفَصَلَتِ اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ عَنِ الإِسلَامِ, وَاضطَرَبَ عَلَى الدَّولَةِ فَهْمُ الأَحْكَامِ, وَبِالطَّبعِ اضطَرَبَ عَلَيهَا تَطبِيقُهَا.
- فَكَانَ لِذَلِكَ أَثَرٌ كَبِيرٌ عَلَى الدَّولَةِ, أَضْعَفَهَا, وَأَضْعَفَ فَهْمَ الحَوَادِثِ الـمُتَجَدِّدَةِ, مِمَّا جَعَلَ الـمُشكِلَاتِ الَّتِي تَحدُثُ وَتَستَجِدُّ لَا تُعَالَـجُ, أَوْ تُعَالَـجُ مُعَالَجَةً غَيرَ صَحِيحَةٍ بَعِيداً عَنْ أَحْكَامِ الإِسلَامِ, فَجَعَلَ هَذَا أَمَامَ الدَّولَةِ مُشكِلَاتٍ تَتَرَاكَمُ إِلَى أَنْ سَبَّبَ لَهَا الُهَزالَ وَالاضمِحْلَال. وَبِذَلِكَ استَطَاعَ أَعدَاُء الإِسلامِ أَنْ يُضعِفُوا شَوكَةَ الـمُسلِمِينَ, وَلَكِنْ إِلَى حِين, فَقَدْ خَابَ فَألُـهُمْ, وَحَبِطَ مَسْعَاهُمْ, وَرُدَّ كَيدُهُمْ إِلَى نُحُورِهِمْ, فَاللهُ يَأْبَى إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ, وَيُعِزَّ دِينَهُ, وَيَجعَلَهُ مُهَيمِناً عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ, قال تعالى: (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ, وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.