- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح112) مشروع الدستور - لا رجال دين في الإسلام
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "مَشرُوعُ الدُّستُورِ - نِظَامُ الحُكْمِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 10- جَمِيعُ الـمُسلِمِينَ يَحمِلُونَ مَسؤُولِيَّةَ الإِسلَامِ، فَلَا رِجَالَ دِينٍ فِي الإِسلَامِ، وَعَلَى الدَّولَةِ أَنْ تَمْنَعَ كُلَّ مَا يُشعِرُ بِوُجُودِهِمْ مِنَ الـمُسلِمِينَ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ الـمُسلِمُونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذِهِ هي الـمَادَّةَ العَاشِرَةُ, وَإِلَيكُمْ أَدِلَّتَهَا مِنْ خِلَالِ النُّقَاطِ الآتِيَةِ:
- الـمُجتَهِدُونَ وَإِنْ كَانُوا عُلَمَاءَ، وَلَكِنْ لَا ضَرُورَةَ لِأَنْ يَكُونَ العَالـِمُ مُجتَهِداً، إِذْ قَدْ يَكُونُ العَالـِمُ مُجتَهِداً وَقَدْ يَكُونُ مُقَلِّداً.
- الـمُسلِمُ إِذَا أَخَذَ الحُكْمَ الشَّرعِيَّ لِيَعْمَل بِهِ فَإِنَّهُ يَنظُرُ فِيهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ عَنْ مُجتَهِدٍ, يَكُونُ قَدْ قَلَّدَ ذَلِكَ الـمُجْتَهِدَ، وَإِنْ أَخَذَهُ عَنْ غَيرِ مُجتَهِدٍ, يَكُونُ قَدْ تَعَلَّمَ ذَلِكَ الحُكْمَ مِمَّنْ أَخَذَهُ عَنهُ، وَلَا يَكُونُ قَدْ قَلَّدَهُ.
- وَأَمَّا إِذَا أَخَذَ الـمُسلِمُ الحُكْمَ لِيَتَعَلَّمَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ تَعَلَّمَ الحُكْمَ، سَوَاءٌ أَخَذَهُ عَنْ مُجتَهِدٍ أَمْ عَنْ غَيرِ مُجتَهِدٍ. فَهَؤُلَاءِ العُلَمَاءُ، مُجتَهِدِينَ كَانُوا أَمْ غَيرَ مُجتَهِدِينَ، لَيسُوا رِجَالَ دِينٍ، فَلَا يَملِكُ أَحَدٌ مِنهُمْ أَنْ يُحِلَّ شَيئاً أَوْ يُحَرِّمَ شَيئاً، وَهُمْ كَبَاقِي الـمُسلِمِينَ فِي كُلِّ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ.
- وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمْ عَنِ الـمُسلِمِينَ بِشَيءٍ مِنْ أَحكَامِ الشَّرعِ، مَهْمَا بَلَغَتْ مَنزِلَتُهُ فِي العِلْمِ وَالاجتِهَادِ وَالاحتِرَامِ، فَلَا يَكُونُ الحَرَامُ عَلَى غَيرِهِ مُبَاحاً لَهُ، وَلَا الوَاجِبُ عَلَى غَيرِهِ مَندُوباً لَهُ، بَلْ هُوَ كَأَيِّ فَرْدٍ مِنْ أَفرَادِ الـمُسلِمِينَ؛ وَلِهَذَا فَإِنَّ فِكْرَةَ رِجَالِ الدِّينِ الـمَوجُودَةَ عِندَ النَّصَارَى لَا وُجُودَ لَهَا فِي الإِسلَامِ.
- وَمَفْهُومُ رِجَالِ الدِّينِ عِندَ النَّصَارَى خَاصٌّ؛ لِأَنَّ رَجُلَ الدِّينِ عِندَهُمْ يُحِلُّ وَيُحَرِّمُ، وَنَقْلُ اللَّفْظِ إِلَى العَالِـمِ الـمُسلِمِ يُوحِي بِنَقْلِ الـمَفْهُومِ النَّصرَانِيِّ إِلَى عُلَمَاءِ الـمُسلِمِينَ، مَعَ أَنَّ عُلَمَاءَ الـمُسلِمِينَ لَا يُحِلُّونَ وَلَا يُحَرِّمُونَ؛ وَلِهَذَا امتَنَعَ إِطلَاقُ لَفْظِ رَجُلِ الدِّينِ عَلَى العَالِمِ الـمُسلِمِ.
- وَقَدْ وَرَدَتِ الأَحَادِيثُ الصَّرِيحَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ تَقلِيِدِ اليَهُودِ وَالنَّصَارَىَ. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْراً بِشِبْرٍ وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ وَاللَّفْظُ لـِمُسْلِمٍ. وَقَدْ وَرَدَ فِي مَقَامِ النَّهْي. فَتَقْلِيدُ النَّصَارَى وَاليَهُوْدِ مِنْ حَيثُ هُوَ: مَنهِيٌّ عَنهُ، فَكَيفَ إِذَا كَانَ هَذَا التَّقلِيدُ يَجُرُّ إِلَى إِيجَادِ مَفْهُومِ كُفْرٍ لَدَى الـمُسلِمِينَ؟.
- وَاعتِبَارُ العَالِـمِ الـمُسلِمِ رَجُلَ دِينٍ هُوَ تَقلِيدٌ لِلنَّصَارَى فِي إِطلَاقِهِمْ عَلَى عُلَمَاءِ الدِّينِ عِندَهُمْ بِأَنَّهُمْ رِجَالُ دِينٍ، وَهُوَ أَيضاً يَنقُلُ الـمَفْهُومَ النَّصرَانِيَّ لِرَجُلِ الدِّينِ إِلَى العَالِـمِ الـمُسلِمِ؛ لِذَلِكَ كَانَ دَاخِلاً تَحْتَ النَّهْيِ مِنْ نَاحِيَةِ التَّقلِيدِ، وَدَاخِلاً تَحْتَ النَّهْيِ الأَشَدِّ مِنْ نَاحِيَةِ نَقْلِ الـمَفْهُومِ.
- وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ عَنِ العَالِـمِ الـمُسلِمِ إِنَّهُ رَجُل دِينٍ، وَلَا يَحِلُّ لِلعُلَمَاءِ أَنْ يَعتَبِرُوا أَنفُسَهُمْ رِجَالَ دِينٍ بِمَفهُومِ رَجُلِ الدِّينِ عَندَ النَّصَارَى.
- وَإِذَا وُجدَ أَحَدٌ يَدَّعِي هَذَا بِهَذَا الـمَفهُومِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ، وَيُعَاقَبُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدِ ارتَكَبَ مُحَرماً، عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ r لَـمْ يَكُنْ يَتَمَيَّزُ عَنْ أَصْحَابِهِ بِلِبَاسٍ أَوْ هَيئَةٍ مُعَيَّنَةٍ.
- رَوَى البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ يَقُولُ: «بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ r فِي الْمَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟- وَالنَّبِيُّ r مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ - فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ r قَدْ أَجَبْـتُكَ ...». وَلِذَلِكَ وُضِعَتْ هَذِهِ الـمَادَةُ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.