- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح 119) العقلُ, ومَذْهَبُ الصَّحابِيِّ
ليسا من الأدلةِ الشرعيةِ المعتبرة
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "مَشرُوعُ الدُّستُورِ - نِظَامُ الحُكْمِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 12: الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالقِيَاسُ هِيَ وَحْدَهَا الأَدِلَّةُ الـمُعتَبَرَةُ لِلأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ:أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ الـمُسلِمُونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذِهِ هي الـمَادَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ.
يُتَابِعُ الشَّيخُ - رَحِمَهُ اللهُ - بَيَانَ الأَدِلَّةِ غَيرِ الـمُعتَبَرَةِ لِلأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ, وَمِنهَا العَقْلُ, وَمَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ, وَإِلَيكُمْ بَيَانَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ العَقْلَ مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ، فَإِنَّ الكَلَامَ هُوَ عَنِ الحُكْمِ الشَّرعِيِّ، أَيْ مَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ حُكْمُ اللهِ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِمَّا جَاءَ بِهِ الوَحْيُ، وَالعَقْلُ لَـمْ يَأْتِ بِهِ الوَحْيُ؛ وَلِذَلِكَ لَا يُوجَدُ دَلِيلٌ لَا ظَنِّيٌ وَلَا قَطْعِيٌّ عَلَى أَنَّ العَقْلَ مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ عَلَى الأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ، فَلَا يُعتَبَرُ مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ مُطْلَقاً.
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ، فَقَدِ استَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ دَلِيلَيْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ هُمَا دَلِيلَا الصَّحَابِيِّ الوَاحِدِ، فَمْدْحُهُ لَهُمْ مَدْحٌ لِلوَاحِدِ مِنهُمْ، كَمَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا يَتَطَرَّقُ الخَلَلُ إِلَى نَقْلِهِمْ جَمِيعاً, فَهُوَ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَى نَقْلِ الوَاحِدِ مِنهُمْ، ثُمَّ إِنَّ قَولَ الرَّسُولِ r: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ، بِأَيِّهُمُ اقْـتَدَيْـتُمُ اهْـتَدَيْـتُمْ» أَخرَجَهُ رَزِينُ يُؤَيِّدُ كَونَ مَذْهَبِ الصَحَابِيِّ دَلِيلاً.
وَهَذَا الاستِدلَالُ خَطَأٌ، لِأَنَّ مَدْحَ الرَّسُولِ r لِلصَحَابَةِ لَيسَ وَحْدَهُ دَلِيلاً عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ دَلِيلٌ شَرعِيٌّ، وَلَا نَقْلَ الصَّحَابَةِ لِلقُرآنِ وَحْدَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، بَلِ الدَّلِيلُ الشَّرعِيُّ هُوَ الثَّنَاءُ عَلَيهِمْ وَكَونُهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الحُكْمَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَالدَّلِيلُ هُوَ أَمرَانِ: الثَّنَاءُ وَالإِجْمَاعُ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الصَّحَابِيِّ الوَاحِدِ. فَإِنَّ الثَّنَاءَ وَنَقْلَ القُرآنِ لَا يَصلُحُ دَلِيلاً عَلَى أَنَّ كَلَامَ مَنْ نَقَلَ القُرآنَ مِمَّنْ أَثْنَى اللهُ عَلَيهِ مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ؛ لِأَنَّ اللهَ كَمَا أَثْنَى عَلَى الصَّحَابَةِ أَثْنَى عَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ، وَلِأَنَّ نَقْلَ القُرآنِ وَلَو مِمَّنْ أَثنَى اللهُ عَلَيهِ لَا يَجْعَلُ كَلَامَ مَنْ نَقَلَهُ دَلِيلاً شَرعِياً. وَبِذَلِكَ يَسقُطُ الاستِدلَالُ.
وَيَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ هَذَا الاستِدلَالِ أَنَّ مَا يَنقُلُهُ الصَّحَابِيُّ الوَاحِدُ وَمَا يَروِيهِ مَنْ أَحَادِيثَ لَا يُعتَبَرُ قَطْعِيَّ الثُّبُوتِ بَلْ هُوَ ظَنِّيٌّ. وَلِذَلِكَ لَا تُعتَبَرُ مَقُولَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "الشَّيخُ وَالشَّيخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارجُمُوهُمَا البَتَّةَ" مِنَ القُرآنِ، مَعَ أَنَّهُ نَقَلَهَا صَحَابِيٌّ، إِذْ لَمْ يَحْصُلْ عَلَيهَا إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَكَذَلِكَ الأَحَادِيثُ الَّتِي رَوَاهَا الصَّحَابَةُ مِنْ خَبَرِ الآحَادِ لَا تُعتَبَرُ قَطْعِيَّةً بَلْ هِيَ ظَنِّيَّةٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ مَا يُجمِعُونَ عَلَيهِ أَنَّهُ مِنَ القُرآنِ يُعتَبَرُ قُرآناً, وَيُعتَبَرُ قَطْعِيّاً، وَمَا يُجمِعُونَ عَلَيهِ مِنَ الأَحَادِيثِ وَيُروَى عَنهُمْ بِالتَّوَاتُرِ يُعتَبَرُ دَلِيلاً قَطعِياً.
وَلِذَلِكَ كَانَ الفَارِقُ كَبِيراً بَينَ مَا يُجمِعُ عَلَيهِ الصَّحَابَةُ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بِأَنَّهُ قَطْعِيٌّ يَكفُرُ مِنكِرُهُ، وَبَينَ مَا يَروِيهِ الصَّحَابِيُّ الوَاحِدُ بِأَنَّهُ ظَنِّيٌ لَا يَكفُرُ مِنكِرُهُ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ دَلِيلاً شَرعِياً، وَأَمَّا مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ الوَاحِدِ فَلَا يُعتَبَرُ مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ.
وَفَوقَ هَذَا فَإِنَّ الصَّحَابِيَّ الوَاحِدَ، الخَطَأُ مُمكِنٌ عَلَيهِ، وَهُوَ لَيسَ بِمَعْصُومٍ عَنِ الخَطَأِ، بِخِلَافِ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ هَذَا الإِجْمَاعُ يَستَحِيلُ عَلَيهِ الخَطَأُ. عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ اختَلَفُوا فِي مَسَائِلَ, وَذَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ خِلَافَ مَذْهَبِ الآخَرِ، فَلَو جُعِلَ مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةً؛ لَكَانَتْ حُجَجُ اللهِ مُختَلِفَةً مُتَنَاقِضَةً؛ وَبِذَلِكَ لَا يُعتَبَرُ مَذهَبُ الصَّحَابِيِّ دَلِيلاً شَرعِياً.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.