- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
الحَلْقَةُ الخَامِسَةُ وَالعِشْرونَ بَعدَ المِائَةِ
(ح125) الأَصْلُ فِي الأَفْعَالِ التَّقَيُّدُ بِالحُكْمِ الشَّرعِيِّ
الحَلْقَةُ الخَامِسَةُ وَالعِشْرونَ بَعدَ المِائَةِ
(ح125) الأَصْلُ فِي الأَفْعَالِ التَّقَيُّدُ بِالحُكْمِ الشَّرعِيِّ
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "الأَصْلُ فِي الأَفْعَالِ التَّقَيُّدُ بِالحُكْمِ الشَّرعِيِّ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 14- الأَصْلُ فِي الأَفْعَالِ التَّقَيُّدُ بِالحُكْمِ الشَّرعِيِّ, فَلَا يُقَامُ بِفِعْلٍ إِلَّا بَعدَ مَعرِفَةِ حُكْمِهِ، وَالأَصْلُ فِي الأَشيَاءِ الإِبَاحَةُ مَا لَم يَرِدْ دَلِيلُ التَّحرِيمِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ الـمُسلِمُونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذِهِ هي الـمَادَّةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
إِنَّ الـمُسلِمَ مَأْمُـورٌ بِتَسيِيرِ أَعمَالِهِ حَسَبَ أَحكَامِ الشَّرعِ، قَالَ تَعَالَى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ). (النساء 65), وَقَالَ: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنهُ فَانتَهُوا). (الحشر 7) فَالأَصْلُ فِي الـمُسلِمِ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِأَحْكَامِ الشَّرعِ. وَفَوقَ ذَلِكَ فَإِنَّ القَاعِدَةَ الشَّرعِيَّةَ هِيَ أَنَّهُ (لَا شَرْعَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرعِ)، أَيْ لَا حُكْمَ لِأَيِّ مَسأَلَةٍ قَبلَ وُرُودِ حُكْمِ اللهِ فِيهَا. فَقَبْلَ أَنْ يَرِدَ حُكْمُ اللهِ فِيهَا لَا تُعْطَى أَيَّ حُكْمٍ، أَيْ لَا تُعطَى حُكْمَ الإِبَاحَةِ. وَالإِبَاحَةُ حُكْمٌ شَرعِيٌّ لَا بُدَّ أَنْ يَثبُتَ بِخِطَابِ الشَّارِعِ، وَإِلَّا فلَا تَكُونُ حُكْماً شَرعِياً؛ لِأَنَّ الحُكْمَ الشَّرعِيَّ هُوَ خِطَابُ الشَّارِعِ الـمُتَعَلِّقُ بِأَفعَالِ العِبَادِ، فَكُلُّ مَا لَـمْ يَرِدْ فِيهِ خِطَابٌ مِنَ الشَّارِعِ لَا يَكُونُ حُكْماً شَرعِيّاً، وَمِنْ هُنَا لَيسَتِ الإِبَاحَةُ عَدَمَ وُرُودِ شَيءٌ يُحَرِّمُ، بَلِ الإِبَاحَةُ هِيَ وُرُودُ دَلِيلٍ شَرعِيٍّ عَلَى الـمُبَاحِ، أَيْ وُرُودُ التَّخيِيرِ بِالفِعْلِ وَعَدَمِهِ مِنَ الشَّارِعِ؛ وَلِهَذَا يَكُونُ الأَصْلُ هُوَ التَّقَيُّدُ بِخِطَابِ الشَّارِعِ، وَلَيسَ الأَصْلُ هُوَ الإِبَاحَةَ، لِأَنَّ الإِبَاحَةَ نَفسَهَا يَحتَاجُ إِثبَاتُ حُكْمِهَا إِلَى خِطَابِ الشَّارِعِ. وَهَذَا عَامٌّ يَشمَلُ الأَفعَالَ وَالأَشيَاءَ.
فَالـمُسلِمُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ بِفِعْلٍ، أَيِّ فِعْلٍ كَانَ، وَجَبَ عَلَيهِ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِحُكْمِ اللهِ فِي ذَلِكَ الفِعْلِ، فَوَجَبَ أَنْ يَبحَثَ عَنهُ حَتَّى يَعرِفَهُ وَيَتَقَيَّدَ بِهِ. وَكَذَلِكَ إِذَا أَرَادَ الـمُسلِمُ أَخْذَ شَيءٍ أَوْ إِعطَاءَ شَيءٍ، أَيِّ شَيءٍ كَانَ، وَجَبَ عَلَيهِ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِحُكْمِ اللهِ فِي ذَلِكَ الشَّيءِ، فَوَجَبَ أَنْ يَبحَثَ عَنهُ حَتَّى يَعرِفَهُ وَيَتَقَيَّدَ بِهِ.
هَذَا هُوَ مَا دَلَّتْ عَلَيهِ الآيَاتُ وَالأَحَادِيثُ فِي مَنطُوقِهَا وَمَفهُومِهَا. فَلَا يَحِلُّ لِـمُسلِمٍ أَنْ يَقُومَ بِأَيِّ فِعْلٍ أَو يَتَصَرَّفَ تُجَاهَ أَيِّ شَيءٍ عَلَى غَيرِ الحُكْمِ الشَّرعِيِّ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِالحُكْمِ الشَّرعِيِّ فِي أَيِّ فَعْلٍ وَفِي أَيِّ شَيءٍ.
وَبَعدَ أَنْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (اليَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْـمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلَامَ دِينًا). (المائدة 3) وَقَالَ: (وَنَزَّلْنَا عَلَيكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيءٍ). (النحل 89) لَـمْ يَبقَ فِعْلٌ وَلَا شَيءٌ إِلَّا بَيَّنَ اللهُ دَلِيلَ حُكْمِهِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعدَ التَّفَقُّهِ فِي هَاتَينِ الآيَتَينِ أَنْ يَذهَبَ إِلَى أَنْ يَكُونَ بَعضُ الأَفعَالِ أَو بَعضُ الأَشيَاءِ أَو بَعْضُ الوَقَائِعِ خَالِياً مِنَ الحُكْمِ الشَّرعِيِّ، عَلَى مَعنَى أَنَّ الشَّرِيعَةَ أَهمَلَتْهُ إِهْمَالاً مُطلَقاً بِحَيثُ لَـمْ تُنَصِّبْ دَلِيلاً أَوْ تَضَعَ أَمَارَةً تُنَبِّهُ بِهَا الـمُكَلَّفَ عَلَيهِ، أَيْ عِلَّةً تَدُلُّ الـمُكَلَّفَ عَلَى حُكْمِهِ هَلْ هُوَ الإِيجَابُ أَوِ الحَظْرُ أَوِ النَّدْبُ أَوِ الكَرَاهَةُ أَوِ الإِبَاحَةُ. فَإِنَّ هَذَا القَولَ وَمِثلَهُ طَعْنٌ فِي الشَّرِيعَةِ الإِسلَامِيَّةِ.
وَعَلَيهِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ هَذَا الفِعْلَ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ لَـمْ يَرِدْ دَلِيلٌ شَرعِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَالأَصْلُ الإِبَاحَةُ إِذَا لَـمْ يَرِدْ دَلِيلٌ شَرعِيٌّ، كَمَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ:"إِنَّ هَذَا الشَّيءَ مُبَاحٌ"؛ لِأَنَّهُ لَـمْ يَرِدْ دَلِيلٌ شَرعِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَالأَصْلُ الإِبَاحَةُ إِذَا لَـْم يَرِدْ دَلِيلٌ شَرعِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِعْلٌ أَو شَيءٌ إِلَّا وَفِي الشَّرعِ دَلِيلٌ عَلَيهِ، فَيَجِبُ البَحْثُ عَنْ حُكْمِ اللهِ فِي الفِعْلِ أَوِ الشَّيءِ وَأَخْذُهُ لَا جَعْلُهُ مُبَاحاً؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيهِ.
إِلَّا أَنَّهُ لَـمَّا كَانَ الحُكْمُ الشَّرعِيُّ هُوَ خِطَابُ الشَّارِعِ الـمُتَعَلِّقُ بِأَفعَالِ العِبَادِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ جَاءَ الخِطَابُ لِـمُعَالَجَةِ فِعْلِ العَبدِ, وَلَيسَ لِلشَّيءِ، وَجَاءَ لِلشَّيءِ بِاعتِبَارِهِ مُتَعَلِّقاً بِفِعْلِ العَبدِ، فَيَكُونُ الأَصْلُ فِي الخِطَابِ هُوَ فِعْلَ العَبدِ، وَالشَّيءُ جَاءَ تَابِعاً لِفِعْلِ العَبدِ سَوَاءٌ أَجَاءَ الخِطَابُ لِلفِعْلِ, وَلَـمْ يُذْكَرِ الشَّيءُ مُطلَقاً مِثلُ: (كُلُوا وَاشْرَبُوا). (البقرة 60) أَمْ جَاءَ الخِطَابُ لِلشَّيءِ, وَلَـمْ يُذكَرِ الفِعْلُ مُطلَقاً مِثلُ: (حُرِّمَتْ عَلَيكُمُ الـمَيتَةُ وَالدَّمُ وَلَحمُ الخِنْزِيرِ). (المائدة 3)، فَإِنَّ حُكْمَ التَّحرِيمِ فِي هَذِهِ الأَشيَاءِ الثَّلَاثَةِ إِنَّما هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِتَعَلُّقِهَا بِفِعْلِ العَبدِ الـمُتَعَلِّقِ بِهَا مِنْ أَكْلٍ, وَبَيعٍ, وَشِرَاءٍ, وَإِجَارَةٍ, وَغَيرِ ذَلِكَ.
وَمِنْ هُنَا كَانَ الحُكْمُ الشَّرعِيُّ لِفِعْلِ العَبدِ سَوَاءٌ أَكَانَ حُكْماً لِلفِعْلِ أَمْ حُكْماً لِلشَّيءِ، وَمِنْ هُنَا جَاءَ أَنَّ الأَصْلَ فِي الأَفعَالِ التَّقَيُّدُ؛ لِأَنَّ الخِطَابَ إِنَّما هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ العَبدِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.