- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
الحَلْقَةُ الثَّالِثَةُ والثَّلَاثونَ بَعدَ المِائَةِ
(ح133) يقومُ نظامُ الحكمِ على أربعِ قواعدَ
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةِ والثَّلَاثِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "يَقُومُ نِظَامُ الحُكْمِ عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الخَامِسَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة الثانيةُ والعشرونَ: يَقُومُ نِظَامُ الحُكْمِ عَلَى أَربَعِ قَوَاعِدَ هِيَ:
- السِّيَادَةُ لِلشَّرعِ لَا لِلشَّعْبِ.
- السُّلطَانُ لِلأُمَّةِ.
- نَصْبُ خَلِيفَةٍ وَاحِدٍ فَرْضٌ عَلَى الـمُسلِمِينَ.
- لِلخَلِيفَةِ وَحْدَهُ حَقُّ تَبَنِّي الأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ فَهُوَ الَّذِي يَسُنُّ الدُّستُورَ وَسَائِرَ القَوَانِينِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ الـمسلمٌونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذه هي الـمَادَّةُ الثَّانِيَةُ والعِشْرُونَ, وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
تُبَيِّنُ هَذِه الـمَادَّةُ قَوَاعِدَ الحُكْمِ الَّتيِ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِهَا، وَإِذَا ذَهَبَ شَيءٌ مِنهَا ذَهَبَ الحُكْمُ، وَالـمُرَادُ بِهِ الحُكْمُ الإِسلَامِيُّ، أَيْ سُلطَانُ الإِسلَامِ، لَا مُجَرَّدَ حُكْمٍ. وَهَذَهِ القَوَاعِدُ أُخِذَتْ بِالاستِقْرَاءِ مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ.
فَالقَاعِدَةُ الأُولَى: وَهِيَ كَونُ السِّيَادَةِ لِلشَّرعِ لَـهَا وَاقِعٌ، وَهُوَ كَلِمَةُ السِّيَادَةِ، وَلَـهَا دَلِيلٌ، وَهُوَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لِلشَّرعِ وَلَيسَتْ لِلشَّعْبِ. أَمَّا وَاقِعُهَا فَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الكَلِمَةَ اصطِلَاحٌ غَربِيٌّ, وَيُرَادُ بِهَا الـمُمَارِسُ لِلإِرَادَةِ وَالـمُسَيِّرُ لَـهَا، فَالفَردُ إِذَا كَانَ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُ إِرَادَتَهُ وَيُمَارِسُهَا كَانَتْ سِيَادَتُهُ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ إِرَادَتُهُ يُمَارِسُهَا غَيرُهُ وَيُسَيِّرُهَا كَانَ عَبداً، وَالأُمَّةُ إِذَا كَانَتْ إِرَادَتُهَا أَيْ مَجمُوعُ إِرَادَةِ أَفرَادِهَا مُسَيَّرَةً مِنْ قِبَلِهَا بَوَسَاطَةِ أَفرَادٍ مِنهَا تُعطِيهِمْ بِرِضَاهَا حَقَّ تَسيِيرِهَا كَانَتْ سَيِّدَةَ نَفسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ إِرَادَتُهَا مُسَيَّرَةً مِنْ قِبَلِ غَيرِهَا جَبْرًا عَنهَا كَانَتْ مُستَعبَدَةً، وَلِهَذَا يَقُولُ النِّظَامُ الدِّيمُقرَاطِيُّ: السِّيَادَةُ لِلشَّعْبِ، أَيْ هُوَ الَّذِي يُمَارِسُ إِرَادَتَهُ، وَيُقِيمُ عَنهُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُعطِيهِ حَقَّ تَسيِيرِ إِرَادَتِهِ. هَذَا هُوَ وَاقِعُ السِّيَادَةِ الَّذِي يُرَادُ تَنزِيلُ الحُكْمِ عَلَيهِ. أَمَّا حُكْمُ هَذِه السِّيَادَةِ فَهِيَ أَنَّهَا لِلشَّرعِ, وَلَيسَتْ لِلشَّعْبِ، فَالَّذِي يُسَيِّرُ إِرَادَةَ الفَردِ شَرعاً لَيسَ الفَردَ نَفْسَهُ كَمَا يَشَاءُ، بَلْ إِرَادَةُ الفَردِ مُسَيَّرَةٌ بِأَوَامِرِ اللهِ وَنَوَاهِيهِ. وَكَذَلِكَ الأُمَّةُ لَيسَتْ مُسَيَّرَةً بِإِرَادَتِهَا تَفعَلُ مَا تُرِيدُ، بَلْ هِيَ مُسَيَّرَةٌ بِأَوَامِرِ اللهِ وَنَوَاهِيهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَولُهُ تَعَالَى:(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ). (النساء 65)، وَقَولُ الرَّسُولِ r: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعاً لِمَا جِئْتُ بِهِ» أَخرَجَهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ، بَعدَ أَنْ رَوَى الحَدِيثَ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عَمْروِ بْنِ العَاصِ فِي الأَربَعِينَ، هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. فَالَّذِي يَتَحَكَّمُ فِي الأُمَّةِ وَالفَردِ، وَيُسَيِّرُ إِرَادَةَ الأُمَّةِ وَالفَردِ، إِنَّما هُوَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ r. فَالأُمَّةُ وَالفَردُ كِلَاهُمَا يَخضَعُ لِلشَّرعِ، وَمِنْ هُنَا كَانَتِ السِّيَادَةُ لِلشَّرعِ. وَلِهَذَا فَإِنَّ الخَلِيفَةَ لَا يُبَايَعُ مِنْ قِبَلِ الأُمَّةِ كَأَجِيرٍ عِندَهَا لِيُنَفِّذَ لَهَا مَا تُرِيدُ، كَمَا هِيَ الحَالُ فِي النِّظَامِ الدِّيمُقرَاطِيِّ، وَإِنَّما يُبَايَعُ الخَلِيفَةُ مِنَ الأُمَّةِ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، لِيُنَفِّذَ كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ، أَيْ لِيُنَفِّذَ الشَّرعَ، لَا لِيُنَفِّذَ مَا يُرِيدُهُ النَّاسُ، حَتَّى لَو خَرَجَ النَّاسُ الَّذِينَ بَايَعُوهُ عَنِ الشَّرعِ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يَرجِعُوا، وَمِنْ هَذَا الدَّلِيلِ استُنبِطَتْ قَاعِدَةُ: "السِّيَادَةُ لِلشَّرعِ لَا لِلشَّعْبِ".
وأما القاعدة الثانية: السُّلطَانُ لِلأُمَّةِ فَمَأخُوذَةٌ مِنْ جَعْلِ الشَّرعِ نَصْبَ الخَلِيفَةِ مِنْ قِبَلِ الأُمَّةِ, وَمِنْ جَعْلِ الخَلِيفَةِ يَأخُذُ السُّلْطَانَ بِـهَذِهِ البَيعَةِ. أَمَّا جَعْلُ الشَّرعِ نَصْبَ الخَلِيفَةِ مِنْ قِبَلِ الأُمَّةِ فَوَاضِحٌ فِي أَحَادِيثِ البَيعَةِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ r عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبدِ اللهِ قَالَ: «بَايَعْتُ النَّبِيَّ r عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَاماً لا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَاهُ إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلاً بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ فَأَخَذَهَا وَلَمْ يُعْطَ بِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. فَالبَيعَةُ مِنْ قِبَلِ الـمُسلِمِينَ لِلخَلِيفَةِ, وَلَيسَتْ مِنْ قِبَلِ الخَلِيفَةِ لِلمُسلِمِينَ، فَهُمُ الَّذِينَ يُبَايِعُونَهُ، أَيْ يُقِيمُونَهُ حَاكِماً عَلَيهِمْ، وَمَا حَصَلَ مَعَ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَنَّهُمْ إِنَّـمَا أَخَذُوا البَيعَةَ مِنَ الأُمَّةِ، وَمَا صَارُوا خُلَفَاءَ إِلَّا بِوَسَاطَةِ بَيعَةِ الأُمَّةِ لَهُمْ. وَأَمَّا جَعْلُ الخَلِيفَةِ يَأْخُذُ السُّلطَانَ بِهَذِهِ البَيعَةِ فَوَاضِحٌ فِي أَحَادِيثِ الطَّاعَةِ، وَفِي أَحَادِيثِ وَحْدَةِ الخِلَافَةِ. عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَاماً فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ» أَخرَجَهُ مسلمٌ، وَعَنْ نَاِفعٍ قَالَ: قَالَ لِي عَبدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» أَخرَجَهُ مسلمٌ، وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ r: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْراً فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ, وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الخَلِيفَةَ إِنَّما أَخَذَ السُّلطَانَ بِهَذِهِ البَيعَةِ، إِذْ قَدْ أَوجَبَ اللهُ طَاعَتَهُ بِالبَيعَةِ، «مَنْ بَايَعَ إِمَامًا ... فَليُطِعْهُ». فَهُوَ قَدْ أَخَذَ الخِلَافَةَ بِالبَيعَةِ، وَوَجَبَتْ طَاعَتُهُ لِأَنَّهُ خَلِيفَةٌ قَد بُويِعَ، فَيَكُونُ قَدْ أَخَذَ السُّلطَانَ مِنَ الأُمَّةِ بِبَيعَتِهَا لَهُ وَوُجُوبِ طَاعَتِهَا لِـمَنْ بَايَعَتْهُ، أَيْ لِمَنْ لَهُ فِي عُنُقِهَا بَيعَةٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّلطَانَ لِلأُمَّةِ. عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ r مَعَ كَونِهِ رَسُولاً فَإِنَّهُ أَخَذَ البَيعَةَ عَلَى النَّاسِ, وَهِيَ بَيعَةٌ عَلَى الحُكْمِ وَالسُّلطَانِ وَلَيسَتْ بَيعَةً عَلَى النُّبُوَّةِ، وَأَخَذَهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ, وَلَـمْ يَأْخُـذْهَـا عَلَى الصِّغَارِ الَّذِينَ لَـمْ يَبلُغُوا الحُلُمَ، فَكَونُ الـمُسلِمِينَ هُمْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الخَلِيفَةَ وَيُبَـايِعُـونَهُ عَلَى العَمَلِ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَكَونِ الخَلِيفَةَ إِنَّما يَأْخُذُ السُّلطَانَ بِهَذِهِ البَيعَةِ، دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ السُّلطَانَ لِلأُمَّةِ تُعطِيهِ مَنْ تَشَاءُ.
أما القاعدةُ الثالثةُ: وَهِيَ نَصْبُ خَلِيفَةٍ وَاحِدٍ فَرْضٌ عَلَى الـمُسلِمِينَ فَإِنَّ فَرْضِيَّةَ نَصْبِ الخَلِيفَةِ ثَابِتَةٌ فِي الحَدِيثِ الشَّريِفِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ لِي عَبدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». أَخْرَجَهُ مسلمٌ مَنْ طَرِيقِ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَوَجْهُ الاستِدلَالِ بِهَذَا الحَدِيثِ هُوَ أَنَّ الرَّسُولَ r أَوجَبَ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ أَنْ تَكُونَ فِي عُنُقِهِ بَيعَةٌ لِخَلِيفَةٍ, وَلَـمْ يُوجِبْ أَنْ يُبَايِعَ كُلُّ مُسلِمٍ الخَلِيفَةَ، فَالوَاجِبُ هُوَ وُجُودُ بَيعَةٍ فِي عُنُقِ كُلِّ مُسلِمٍ، أَيْ وُجُودُ خَلِيفَةٍ يَستَحِقُّ فِي عُنُقِ كُلِّ مُسلِمٍ بَيعَةً بِوُجُودِهِ. فَوُجُودُ الخَلِيفَةِ هُوَ الَّذِي يُوجِدُ فِي عُنُقِ كُلِّ مُسلِمٍ بَيعَةً سَوَاءٌ أَبَايَعَ بِالفِعْلِ أَمْ لَـمْ يُبَايِعْ. وَأَمَّا كَونُ الخَلِيفَةِ وَاحِداً فَلِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللهِ r قَالَ: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَـيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا». أَخرَجَهُ مسلمٌ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِتَحرِيمِ أَنْ يَكُونَ لِلمُسلِمِينَ أَكثَرُ مِنْ خَلِيفَةٍ.
وَأَمَّا القَاعِـدَةُ الرَّابِـعَـةُ: وَهِيَ لِلخَلِيفَةِ وَحْدَهُ حَقُّ تَبَنِّي الأَحْكَامِ فَقَدْ ثَبَتَتْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَـابَةِ، عَلَى أَنَّ لِلخَلِيفَةِ وَحْدَهُ حَقُّ تَبَنِّي الأَحكَامِ، وَمْن هَذَا الإِجْمَاعِ أُخِـذَتِ القَوَاعـِدُ الشَّرعِيَّةُ الـمَشهُورَةُ. (أَمْرُ الإِمَامِ يَرفَعُ الخِلَافَ)، (أَمْرُ الإِمَامِ نَافِذٌ)، (لِلسُّلطَانِ أَنْ يُحدِثَ مِنَ الأَقضِيَةِ بِقَدْرِ مَا يَحدُثُ مِنْ مُشكِلَاتٍ).
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.