- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
الحَلْقَةُ الرَّابِعَةُ والثَّلَاثونَ بَعدَ المِائَةِ
(ح134) أَجهِزَةُ دَولَةِ الخِلَافَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ جِهَازًا مِنهَا: الخَلِيفَةُ, الـمُعَاوِنُونَ. وُزَرَاءُ التَّنفِيذِ, الوُلَاةُ, أَمِيرُ الجِهَادِ (1)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ والثَّلَاثِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "أَجهِزَةُ دَولَةِ الخِلَافَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ جِهَازاً مِنهَا: الخَلِيفَةُ, الـمُعَاوِنُونَ. وُزَرَاءُ التَّنفِيذِ, الوُلَاةُ, أَمِيرُ الجِهَادِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ السَّادِسَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادةُ الثالثةُ والعشرونَ 23- أَجهِزَةُ دَولَةِ الخِلَافَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ جِهَازاً, وَهِيَ:
1- الخَلِيفَةُ (رَئِيسُ الدَّولَةِ). | 6- الأَمْنُ الدَّاخِلِيُّ. | 10- مَصَالِحُ النَّاسِ (الجِهَازُ الإِدَارِيُّ). |
2- المعَاوِنُونَ (وُزَرَاءُ التَّفوِيضِ). | 7- الخَارِجِيَّةُ. | 11- بَيتُ المالِ. |
3- وُزَرَاءُ التَّنفِيذِ. | 8- الصِّنَاعَةُ. | 12- الإِعلَامُ. |
4- الوُلَاةُ. | 9- القَضَاءُ. | 13- مَجلِسُ الأُمَّةِ (الشُّورَى وَالمحَاسَبَةُ). |
5- أَمِيرُ الجِهَادِ. |
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ الـمسلمُونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذه هي الـمَادَّةُ الثَّالِثَةُ والعِشْرُونَ, وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ المَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
الخليفةُ (رئيسُ الدولةِ): وَدَلِيلُهَا فِعْلُ الرَّسُولِ r لِأَنَّهُ قَدْ أَقَامَ جِهَازَ الدَّولَةِ عَلَى هَذَا الشَّكْلِ فَقَد كَانَ هُوَ r رَئِيسَ الدَّولَةِ، وَأَمَرَ الـمُسلِمِينَ بِأَنْ يُقِيمُوا لَـهُمْ رَئِيسَ دَولَةٍ حِينَ أَمَرَهُمْ بِإِقَامَةِ خَلِيفَةٍ وَبِإِقَامَةِ إِمَامٍ. قَالَ r: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» أَخرَجَهُ مسلمٌ أَيْ بَيعَةُ خَلِيفَةٍ. وَقَدْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهِمْ عَلَى لُزُومِ إِقَامَةِ خَلِيفَةٍ لِرَسُولِ اللهِ r بَعدَ مَوتِهِ. وَقَدْ ظَهَرَ تَأكِيدُ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى إِقَامَةِ خَلِيفَةٍ مِنْ تَأخِيرِهِمْ دَفْنَ رَسُولِ اللهِ r عَقِبَ وَفَاتِهِ وَانشِغَالِـهِمْ بَنَصْبِ خَلِيفَةٍ لَهُ r.
وأما المعاونون: فَالدَّلِيلُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضيَ اللهُ عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالأَمِيرِ خَيْراً جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ، إِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ. وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ، إِنْ نَسِيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ وَإِنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ". وَمَا رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: "مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا لَهُ وَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَوَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ فَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ فَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ". وَمَعنَى كَلِمَةِ "وَزِيرَايَ" هُنَا مُعَاوِنَانِ لِي، لِأَنَّ هَذَا هُوَ مَعنَاهَا اللُّغَوِيُّ، وَأَمَّا كَلِمَةُ "وَزِير" بِالـمَعنَى الَّذِي يُرِيدُهُ النَّاسُ اليَومَ فَهُوَ اصطِلَاحٌ غَربِيٌّ، لَـمْ يَعرِفْهُ الـمسلمُونَ, وَيُخَالِفُ نِظَامَ الحُكْمِ فِي الإِسلَامِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي بَابِهِ.
وأما وزيرُ التنفيذِ: فَهُوَ الَّذِي كَانَ يُسَمَّى (الكَاتِبَ) عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ r وَالخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَمُهِمَّتُهُ مُعَاوَنَةُ الخَلِيفَةِ فِي التَّنفِيذِ وَالـمُلَاحَقَةِ وَالأَدَاءِ. رَوَى البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ زَيدِ بْنِ ثَابِتٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ r أَمَرَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ الْيَهُودِ حَتَّى كَتَبْتُ لِلنَّبِيِّ r كُتُبَهُ وَأَقْرَأْتُهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ». وَرَوَى ابْنُ إِسْحَقَ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ الزبير "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r اسْتَكْتَبَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الأَرْقَمِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَكَانَ يُجِيبُ عَنْهُ الـمُلُوكَ ...". وَرَوَى الحَاكِمُ فِي الـمُستَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: "أَتَى النَّبِيَّ r كِتَابُ رَجُلٍ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَرْقَمِ: أَجِبْ عَنِّي. فَكَتَبَ جَوَابَهُ ثُمَّ قَرَأَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ، اللّهُمَّ وَفِّقْهُ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ كَانَ يُشَاوِرُهُ".
وأمّا الوُلاةُ: فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ وَمسلمٌ عَنْ أَبِي بُردَةَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ r أَبَا مُوسَى وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ: وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلافٍ، قَالَ: وَالْيَمَنُ مِخْلافَانِ». وَفِي رِوَايَةٍ عِندَ مُسلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «لَنْ أَوْ لاَ نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ يَا أَبَا مُوسَى أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ، فَبَعَثَهُ عَلَى الْيَمَنِ ثُمَّ أَتْبَعَهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ». وَعِندَ البُخَارِيِّ وَمُسلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوفٍ الأَنصَارِيِّ: "... وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ r هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ". وَقَالَ ابنُ عَبدِ البَرِّ فِي الاستِيعَابِ: «وَوَلَّى رسولُ اللَّهِ r عَمْرَو بنَ العَاصِ عَلَى عُمانَ فَلَمْ يَزَلْ عَلَيهَا حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللهِ r».
وأمّا أميرُ الجِهادِ: فَدَلِيلُهُ مِنَ السُّنَّةِ: رَوَى ابنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: "أَمِيرُ النَّاسِ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَإِنْ قُتِلَ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَإِنْ قُتِلَ فَلْيَرْتَضِ الـمسلمُونَ بَيْنَهُمْ رَجُلاً فَيَجْعَلُوهُ عَلَيْهِمْ». وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ عَبدِ اللهِ بُنِ عُمَرَ قَالَ: «أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ...». وَرَوَى البُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: «غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ r سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَغَزَوْتُ مَعَ ابْنِ حَارِثَةَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْنَا». وَرَوَى البُخَارِيُّ وَمسلمٌ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُـمَـرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: «بَعَثَ النَّبِيُّ r بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ r: إِنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَأَيْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقاً لِلإِمَارَةِ..». وَرَوَى مسلمٌ عَـْن بُرَيدَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إِذَا أَمَّرَ أَمِيراً عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ..».
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.