- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح147) الخليفة مقيد في التبني بالأحكام الشرعية
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّابِعَةِ وَالأَربَعِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا:"الخَلِيفَةُ مُقَيَّدٌ فِي التَّبَنِّي بِالأَحكَامِ الشَّرعِيَّةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 37-الخَلِيفَةُ مُقَيَّدٌ فِي التَّبَنِّي بِالأَحكَامِ الشَّرعِيَّةِ فَيَحرُمُ عَلَيهِ أَنْ يَتَبَنَّى حُكْماً لَـمْ يُستَنبَطِ استِنبَاطاً صَحِيحاً مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا تَبَنَّاهُ مِنْ أَحكَامٍ، وَبِمَا التَزَمَهُ مِنْ طَرِيقَةِ استِنبَاطٍ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَبَنَّى حُكْماً استُنبِطَ حَسَبَ طَرِيقَةٍ تُنَاقِضُ الطَّرِيقَةَ الَّتِي تَبَنَّاهَا، وَلَا أَنْ يُعطِيَ أَمرًا يُنَاقِضُ الأَحْكَامَ الَّتِي تَبَنَّاهَا.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أَيُّهَا الصَّائِمُونْ, يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ.
أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَذِهِ هِيَ الـمَادَّةُ السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ.
وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ, وهِيَ عَلَى النَّحْوِ الآتِي: وَفِيهَا أمرَانِ اثنَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَقَيَّدَ الخَلِيفَةُ فِي التَّبَنِّي لِلأَحْكَامِ بِالأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَتَقَيَّدَ الخَلِيفَةُ فِي التَّبَنِّي لِلأَحْكَامِ بِالأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ الـمُستَنبَطَةِ استِنبَاطاً صَحِيحاً مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ.
أَيْ أَنْ يَكُونَ تَقَيُّدُ الخَلِيفَةِ بِالتَّشرِيعِ, وَسَنِّ القَوَانِينِ بِالشَّرِيعَةِ الإِسلَامِيَّةِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَبَنَّى مِنْ خِلَافِهَا لِأَنَّ خِلَافَهَا أَحْكَامُ كُفْرٍ. فَإِنْ تَبَنَّى حُكْماً مِنْ غَيرِهَا, وَهُوَ يَعرِفُ أَنَّهُ تَبَنَّى مِنْ غَيرِ الشَّرِيعَةِ الإِسلَامِيَّةِ, فَإِنَّهُ يَنطَبِقُ عَلَيهِ قَولُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ). (المائدة 44) فَإِنِ اعَتَقَدَ بِالحُكْمِ الَّذِي تَبَنَّاهُ فَقَدْ كَفَرَ وَارتَدَّ عَنِ الإِسلَامِ، وَإِنْ لَـمْ يَعتَقِدْ بِهِ وَلَكِنْ أَخَذَهُ عَلَى اعتِبَارِ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ الإِسلَامَ كَمَا كَانَ يَفعَلُ خُلَفَاءُ بَنِي عُثمَانَ فِي أَوَاخِرِ أَيَّامِهِمْ فَإِنَّهُ يَحرُمُ عَلَيهِ ذَلِكَ وَلَا يَكْفُرُ، وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ لَهُ شُبهَةُ الدَّلِيلِ كَمَنْ يُشَرّعُ حُكْماً لَيسَ لَهُ دَلِيلٌ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا هُوَ، وَاستَنَدَ إِلَى قَاعِدَةِ الـمَصَالِـحِ الـمُرسَلَةِ، أَو قَاعِدَةِ سَدِّ الذَّرَائِعِ، أَو مَآلَاتِ الأَفعَالِ، أَو مَا شَاكَلَ ذَلِكَ, فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ يَرَى أَنَّ هَذِهِ قَوَاعِدُ شَرعِيَّةٌ وَأَدِلَّةٌ شَرعِيَّةٌ فَلَا يَحرُمُ عَلَيهِ, وَلَا يَكفُرُ, وَلَكِنَّهُ مُخطِئٌ وَيُعتَبَرُ مَا استَنبَطَهُ حُكْماً شَرعِيّاً فِي نَظَرِ جَمِيعِ الـمُسلِمِينَ، وَتَجِبُ طَاعَتُهُ إِنْ تَبَنَّاهُ الخَلِيفَةُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرعِيٌّ, وَلَهُ شُبْهَةُ الدَّلِيلِ، وَإِنْ كَانَ مُخطِئاً فِي الدَّلِيلِ، لِأَنَّهُ كَالـمُخطِئِ فِي الاستِنبَاطِ مِنَ الدَّلِيلِ. وَعَلَى أَيِّ حَالٍ يَجِبُ عَلَى الخَلِيفَةِ أَنْ يَتَقَيَّدَ فِي التَّبَنِّي بِالشَّرِيعَةِ الإِسلَامِيَّةِ، وَأَنْ يَتَقَيَّدَ بِالتَّبَنِّي فِيهَا بِالأَحكَامِ الشَّرعِيَّةِ الـمُستَنبَطَةِ استِنبَاطاً صَحِيحاً مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ:
أولاً: مَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ خَلِيفَةً كَانَ أَو غَيرَ خَلِيفَةٍ بِأَنْ يُسَيِّرَ جَمِيعَ أَعمَالِهِ حَسَبَ الأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ، قَالَ تَعَالَى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ).(النساء 65) وَتَسيِيرُ الأَعْمَالِ بِحَسَبِ الأَحكَامِ الشَّرعِيَّةِ يُحَتِّمُ عَلَيهِ أَنْ يَتَبَنَّى حُكْماً مُعَيَّناً حِينَ يَتَعَدَّدُ فَهْمُ خِطَابِ الشَّارِعِ، أَيْ حِينَ يَتَعَدَّدُ الحُكْمُ الشَّرعِيُّ, فَصَارَ التَّبَنِّي لِحُكْمٍ مُعَيَّنٍ فِيمَا تَعَدَّدَ مِنْ أَحكَامٍ وَاجِباً عَلَى الـمُسلِمِ حِينَ يُرِيدُ القِيَامَ بِالعَمَلِ، أَي حِينَ يُرِيدُ تَطبِيقَ الحُكْمِ، فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الخَلِيفَةِ حِينَ يَقُومُ بِعَمَلِهِ وَهُوَ الحُكْمُ.
وثانياً: نَصُّ البَيعَةِ الَّتِي يُبَايَعُ عَلَيهَا الخَلِيفَةُ تُلزِمُهُ بِالتِزَامِ الشَّرِيعَةِ الإِسلَامِيَّةِ، إِذْ إِنَّهَا بَيعَةٌ عَلَى العَمَلِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَخرُجَ عَنهُمَا، بَـلْ يَكـفُـرُ إِنْ خَـَرجَ عَنهُمَا مُعـتَـِقـداً، وَيَكُونُ عَاصِياً إِذَا خَرَجَ عَنهُمَا غَيرَ مُعتَقِدٍ.
وثالثاً: أَنَّ الخَلِيفَةَ مَنـصُـوبٌ لِتَنفِيذِ الشَّرعِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأخُذَ مِنْ غَيرِ الشَّرعِ لِيُنَفِّذَهُ عَلَى الـمُسلِمِينَ؛ لِأَنَّ الشَّرعَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ بِشَكْلٍ جَازِمٍ وَصَـلَ إِلَى دَرَجَـةِ نَفْيِ الإِيمَانِ عَنْ تَحكِيمِ غَيرِ الإِسلَامِ، وَهُوَ قَرِينَةٌ عَلَى الجَزْمِ.
فَمَعْنَاهُ أَنَّ الخَلِيفَةَ مُقَيَّدٌ فِي تَبَنِّيهِ الأَحْكَامَ، أَي فِي سَنِّهِ القَوَانِينَ بِالأَحكْامِ الشَّرعِيَّةِ وَحْدَهَا، فَإِذَا سَنَّ قَوَانِينَ مِنْ غَيرِهَا كَفَرَ إِنِ اعتَقَدَ بِهِ, وَكَانَ عَاصِياً إِنْ لَـمْ يَعتَقِدْ بِهِ.
فَهَذِهِ الأَدِلَّةُ الثَّلَاثَةُ أَدِلَّةُ الأَمْرُ الأَوَّلُ الَّذِي فِي هَذِهِ الـمَادَّةِ، أَمَّا الأَمْرُ الثَّانِي الَّذِي فِيهَا فَهُوَ أَنَّ الخَلِيفَةَ مُقَيَّدٌ بِمَا تَبَّنَاهُ مِنْ أَحكَامٍ، وَبِمَا التَزَمَهُ مِنْ طَرِيقَةِ استِنبَاطٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ أَنَّ الحُكْمَ الشَّرعِيَّ الَّذِي يُنَفِّذُهُ الخَلِيفَةُ هُوَ الحُكمُ الشَّرعِيُّ فِي حَقِّهِ هُوَ، لَا فِي حَقِّ غَيرِهِ، أَيِ الحُكْمُ الشَّرعِيُّ الَّذِي تَبَّنَاهُ لِيُسَيِّرَ أَعمَالَهُ بِحَسَبِهِ, وَلَيسَ أَيَّ حُكْمٍ شَرعِيٍّ. فَإِذَا استَنبَطَ الخَلِيفَةُ حُكْماً، أَوْ قَلَّدَ فِي حُكْمٍ، كَانَ هَذَا الحُكْمُ الشرَّعِيُّ هُوَ حُكْمَ اللهِ فِي حَقِّهِ، وَكَانَ مُقَيَّداً فِي تَبَنِّيهِ لِلمُسلِمِينَ بِهَذَا الحُكْمِ الشَّرعِيِّ, وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَبَنَّى خِلَافَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعتَبَرُ حُكْمَ اللهِ فِي حَقِّهِ فَلَا يَكُونُ حُكْماً شَرعِيّاً بِالنِّسبَةِ لَهُ, وَبِالتَّالِي لَا يَكُونُ حُكْماً شَرعِيّاً بِالنِّسبَةِ لِلمُسلِمِينَ, وَلِذَلِكَ كَانَ مُقَيَّداً فِي أَوَامِرِهِ الَّتِي يُصدِرُهَا لِلرَّعِيَّةِ بِهَذَا الحُكْمِ الشَّرعِيِّ الَّذِي تَبَنَّاهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُصـدِرَ أَمـرًا عَلَى خِـلَافِ مَـا تَبَنَّى مِنْ أَحكَامٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعتَبَرُ ذَلِكَ الأَمْرُ الَّذِي أَصدَرَهُ حُكْمَ اللهِ فِي حَـِّقـهِ، فَلَا يَكُونُ حُكْماً شَرعِياً بِالنِّسبَةِ لَهُ، وَبِالتَّالِي لَا يَكُونُ حُكْماً شَرعِيّاً بِالنِّسبَةِ لِلمُسلِمِينَ، فَيَكُونُ كَأَنَّهُ أَصْدَرَ أَمْراً عَلَى غَيرِ الحُكْمِ الشَّرعِيِّ. وَمِنْ هَنَا كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصدِرَ أَمراً خِلَافَ مَا تَبَنَّاهُ مِنْ أَحكَامٍ.
وَأَيضاً فَإِنَّ طَرِيقَةَ الاستِنبَاطِ يَتَغَيَّرُ بِحَسَبِهَا فَهْمُ الحُكْمِ الشَّرعِيِّ، فَإِذَا كَانَ الخَلِيفَةُ يَرَى أَنَّ عِلَّةَ الحُكْمِ تُعتَبَرُ عِلَّةً شَرعِيَّةً إِذَا أُخِذَتْ مِنْ نَصٍّ شَرعِيٍّ، وَلَا يَرَى أَنَّ الـمَصلَحَةَ عِلَّةٌ شَرعِيَّةٌ، وَلَا يَرَى أَنَّ الـمَصَالِـحَ الـمُرسَلَةَ دَلِيلٌ شَرعِيٌّ. إِذَا رَأَى ذَلِكَ فَقَدْ عَيَّنَ لِنَفسِهِ طَرِيقَةَ الاستِنبَاطِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِهَا، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَبَنَّى حُكْماً دَلِيلُهُ الـمَصَالِـحُ الـمُرسَلَةُ، أَو يَأخُذُ قِيَاساً عَلَى عِلَّةٍ لَـمْ تُؤخَذْ مِنْ نَصٍّ شَرعِيٍّ؛ لِأَنَّ هَذَا الحُكْمَ لَا يُعتَبَرُ حُكْماً شَرعِياً فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ دَلِيلَهُ لَيسَ دَلِيلاً شَرعِياً، فَهُوَ إِذَنْ لَـمْ يَكُنْ فِي نَظَرِهِ حُكْماً شَرعياً. وَمَا دَامَ لَا يُعتَبَرُ حُكْماً شَرعِياً فِي حَقِّ الخَلِيفَةِ فَهُوَ لَيسَ حُكماً شَرعِيّاً فِي حَقِّ الـمُسلِمِينَ. فَيَكُونُ كَأَنَّهُ تَبَنَّى حُكْماً مِنْ غَيرِ الأَحكَامِ الشَّرعِيَّةِ، فَيحْرُمُ عَلَيهِ ذَلِكَ.
وَإِذَا كَانَ الخَلِيفَةُ مُقَلِّداً، أَو مُجتَهِدَ مَسأَلَةٍ, وَلَيسَ مُجتَهِداً مُطْلَقاً، أَو مُجتَهِدَ مَذْهَبٍ, وَلَيسَلَهُ طَرِيقَةٌ مُعَيَّنَةٌ فِي الاستِنبَاطِ، فَإِنَّهُ يَسيرُ فِي تَبَنِّيهِ حَسَبَ الـمُجتَهِدِ الَّذِي قَلَّدَهُ، أَوْ حَسَبَ اجتِهَادِهِ هُوَ فِي الـمَسأَلَةِ، مَا دَامَ لَهُ دَلِيلٌ أَو شُبهَةُ الدَّلِيلِ. وَفِي هَذِهِ الحَالَةِ، يَكُونُ فَقَطْ مُقيَّداً فِيمَا يُصدِرُهُ مِنْ أَوَامِرَ، بِأَنْ لَا يُصدِرَهَا إِلَّا وَفْقَ مَا تَبَنَّاهُ مِنْ أَحكَامٍ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.