- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
( ح179 ) لمحكمة المظالم حق عزل أي حاكم أو موظف في الدولة
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةِ وَالسَّبْعِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "لِمَحْكَمَةِ الـمَظَالِـمِ حَقُّ عَزْلِ أَيِّ حَاكِمٍ أَوْ مُوَظَّفٍ فِي الدَّولَةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 90: لِمَحْكَمَةِ الـمَظَالِـمِ حَقُّ عَزْلِ أَيِّ حَاكِمٍ أَوْ مُوَظَّفٍ فِي الدَّولَةِ، كَمَا لَهَا حَقُّ عَزْلِ الخَلِيفَةِ، وَذَلِكَ إِذَا اقْتَضَتْ إِزَالَةُ الـمَظلِمَةُ هَذَا العَزْلَ.
المادة 91: تَملِكُ مَحْكَمَةُ الـمَظَالِـمِ صَلَاحِيَّةَ النَّظَرِ فِي أَيَّةِ مَظْلِمَةٍ مِنَ الـمَظَالِـمِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِأَشْخَاصٍ مِنْ جهَازِ الدَّولَةِ، أَمْ مُتَعَلِّقَةً بِمُخَالَفَةِ رَئِيسِ الدَّولَةِ لِأَحْكَامِ الشَّرعِ، أَمْ مُتَعَلِّقَةً بِمَعْنَى نَصٍّ مِنْ نُصُوصِ التَّشرِيعِ فِي الدُّستُورِ وَالقَانُونِ, وَسَائِرِ الأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ ضِمْنَ تَبَنِّي رَئِيسِ الدَّوْلَةِ، أَمْ مُتَعَلِّقَةً بِفَرْضِ ضَرِيبَةٍ مِنَ الضَّرَائِبِ، أَمْ غَيرِ ذَلِكَ.
المادة 92: لَا يُشْتَرَطُ فِي قَضَاءِ الـمَظَالِـمِ مَجْلِسُ قَضَاءٍ، وَلَا دَعْوَةُ الـمُدَّعَى عَلَيهِ، وَلَا وُجُودُ مُدَّعٍ، بَلْ لَهَا حَقُّ النَّظَرِ فِي الـمَظلِمَةِ وَلَو لَـمْ يَدَّعِ بِهَا أَحَدٌ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَذِهِ هِيَ الـمَوَادُّ: التِّسْعُونَ, والوَاحِدَةُ وَالتِّسْعُونَ, الثَّانِيَةُ وَالتِّسْعُونَ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَوَادِّ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولا:المادة 90: هَذِهِ الـمَادَّةُ تُبَيِّنُ صَلَاحِيَّةَ مَحْكَمَةِ الـمَظَالِـمِ مِنْ نَاحِيَةِ عَزْلِ الحُكَّامِ، فَالحَاكِمُ قَدْ عُيِّنَ بِعَقْدِ تَعيِينٍ, وَيُقَالُ لَهُ عَقْدُ التَّقْلِيدِ، ذَلِكَ أَنَّ الخَلِيفَةَ لَهُ حَقُّ الوِلَايَةِ- وَهُوَ الحُكْمُ- وَلَهُ حَقُّ التَّقلِيدِ- وَهُوَ التَّعيِينُ- وَالتَّقْلِيدُ عَقْدٌ لَا يَكُونُ إِلَّا بِأَلْفَاظٍ صَرِيحَةٍ، فَعَزْلُ الحَاكِمِ الَّذِي يُقَلِّدُهُ الخَلِيفَةُ هُوَ فَسْخٌ لِذَلِكَ العَقْدِ، وَالخَلِيفَةُ يَملِكُهُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ r قَلَّدَ الوُلَاةَ وَعَزَلَهُمْ؛ وَلِأَنَّ الخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ قَلَّدُوا الوُلَاةَ وَعَزَلُوهُمْ، وَكَذَلِكَ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يُنِيبَ عَنهُ مَنْ قَلَّدَهُمْ حَقَّ التَّقلِيدِ وَالعَزْلِ. غَيرَ أَنَّ مَحْكَمَةَ الـمَظَالِـمِ لَا تَمْلِكُ حَقَّ عَزْلِ الحُكَّامِ نِيَابَةً عَنِ الخَلِيفَة؛ لِأَنَّهَا لَيسَتْ نَائِبَةً عَنهُ فِي التَّقلِيدِ وَالعَزْلِ بَلْ هِيَ نَائِبَةٌ عَنهُ فِي النَّظَرِ فِي الـمَظَالِـمِ. فَإِذَا كَانَ وُجُودُ هَذَا الحَاكِمِ فِي وِلَايَتِهِ مَظْلِمَةً كَانَ لَـهَا حَقُّ إِزَالَةِ هَذِهِ الـمَظلِمَةِ، أيْ كَانَ لَـهَا حَقُّ عَزلِ ذَلِكَ الحَاكِمِ، فَصَلَاحِيَّتُهَا فِي عَزلِ الحُكَّامِ لَيسَتْ نِيَابَةً عَنِ الخَلِيفَةِ وَإِنَّمَا هِيَ إِزَالَةُ الـمَظلِمَةِ، وَلِذَلِكَ يُعزَلُ مَنْ تَحكُمُ بِعَزْلِهِ وَلَو لَـمْ يَرْضَ الخَلِيفَةُ؛ لِأَنَّ عَزلَهُ فِي هَذِهِ الحَالِ حُكْمٌ بِإِزَالَةِ مَظلِمَةٍ, وَهُوَ يَسرِي عَلَى الجَمِيعِ، عَلَى الخَلِيفَةِ وَغَيرِهِ، فَحُكْمُ القَاضِي حُكْمٌ عَلَى الجَمِيعِ. وَأَمَّا صَلَاحِيَّتُهَا فِي عَزْلِ الخَلِيفَةِ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ حُكْمٌ بِإِزَالَةِ مَظْلِمَةٍ؛ لِأَنَّهُ إِذَا حَصَلَتْ لِلخَلِيفَةِ حَالَةٌ مِنَ الحَالَاتِ الَّتِي يُعْزَلُ فِيهَا، أَوْ حَالَةٌ مِنَ الحَالَاتِ الَّتِي يَجِبُ عَزلُهُ فِيهَا، فَإِنَّ بَقَاءَهُ يَكُونُ مَظلِمَةً، وَمَحْكَمَةُ الـمَظَالِـمِ هِيَ الَّتِي تَحْكُمُ بِإِزَالَةِ الـمَظَالِـمِ، فَهِيَ الَّتِي تَحكُمُ بِعَزْلِهِ. وَمِنْ هُنَا كَانَ حُكْمُ مَحكَمَةِ الـمَظَالِـمِ بِعَزْلِ الخَلِيفَةِ إِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ بِإِزَالَةِ مَظْلِمَةٍ، فَإِذَا اقتَضَتْ إِزَالَةُ الـمَظلِمَةِ عَزْلَ الخَلِيفَةِ حَكَمَتْ بِعَزْلِهِ.
ثانيا:المادة 91: مَحْكَمَةُ الـمَظَالِـمِ هِيَ صَاحِبَةُ الصَّلاحِيَّة ِفِي النَّظَرِ فِي الـمَظَالِـمِ, وَهِيَ تَنقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الأَوَّلُ: مَظَالِـمُ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَشْخَاصٍ مِنْ جهَازِ الدَّولَةِ. وَالثَّانِي: مَظَالِمُ مُتَعَلِّقَةٌ بِنَصٍّ مِنْ نُصُوصِ الدُّستُورِ أَوِ القَانُونِ. والثَّالِثُ: مَظَالِـمُ مُتَعَلِّقَةٌ بِفَرْضِ ضَرِيبَةٍ مِنَ الضَّرَائِبِ أو غَيرِ ذَلِكَ. دَلِيلُهَا أَنَّ الرَّسُولَ r رَأَى أَنَّ تَسعِيرَ الحَاكِمِ مَظْلِمَةٌ، وَرَأَى أَنَّ تَرتِيبَاتِ الدَّولَةِ فِي أَدْوَارِ النَّاسِ بِالسَّقْيِ مِنَ الـمِيَاهِ العَامَّةِ دُونَ عَدْلٍ مَظلِمَةٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَمَلَ الحُكَّامِ إِذَا خَالَفَ الحَقَّ أَوْ خَالَفَ أَحْكَامَ الشَّرعِ مَظْلِمَةٌ إِذَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالخَلِيفَةِ ( رَئِيسِ الدَّولَةِ ) ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ r كَانَ رَئِيسَ الدَّولَةِ، وَإِذَا كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِأَشْخَاصٍ مِنْ جِهَازِ الدَّولَةِ كَذَلِكَ كَانَتْ مَظْلِمَةً؛ لِأَنَّهُمْ نُوَّابٌ عَنِ الخَلِيفَةِ ( رَئِيسِ الدَّولَةِ ) فَتَكُونُ كَذَلِكَ مُتَعَلِّقَةً بِالخَلِيفَةِ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالعَمَلِ الَّذِي أَنَابَهُمْ فِيهِ لَا بِأَشْخَاصِهِمْ، فَيَكُونُ حَدِيثُ التَّسعِيرِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مُخَالَفَةَ الخَلِيفَةِ ( رَئِيسِ الدَّولَةِ ) مَظْلِمَةً، وَمَحْكَمَةُ الـمَظَالِـمِ هِيَ صَاحِبَةُ الصَّلاحِيَّة ِفِي النَّظَرِ فِي الـمَظَالِـمِ. وَهَذَا هُوَ دَلِيلُ القِسْمِ الأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الـمَادَّةِ.
أَمَّا القِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ النَّظَرُ فِي نَصٍّ مِنْ نُصُوصِ الدُّستُورِ أَوِ القَانُونِ فَإِنَّ الدُّستُورَ هُوَ القَانُونُ الأَسَاسِيُّ، وَالقَانُونُ هُوَ أَمْرُ السُّلطَانِ، فَيَكُونُ النَّظَرُ فِيهِ نَظَرًا فِي أَمْرِ السُّلطَانِ، فَهُوَ دَاخِلٌ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ التَّسعِيرِ؛ لِأَنَّهُ نَظَرٌ فِي أَعْمَالِ الخَلِيفَةِ، وَفَوقَ هَذَا فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) . ( النساء 59 ) أَيْ إِذَا تَنَازَعْتُمْ أَنتُمْ وَأُولُو الأَمْرِ فِي شَيءٍ، وَالتَّنَازُعُ فِي مَادَّةٍ مِنْ مَوَادِّ الدُّستُورِ، أَوْ مَادَّةٍ مِنْ مَوَادِّ القَانُونِ، إِنَّمَا هُوَ تَنَازَعٌ بَينَ الرَّعِيَّةِ وَأُولِي الأَمْرِ فِي حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرعِ، فَيُرَدُّ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَرَدُّهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ رَدُّهُ إِلَى مَحْكَمَةِ الـمَظَالِـمِ، أَيْ إِلَى قَضَاءِ اللهِ وَرَسُولِهِ.
وَأَمَّا القِسْمُ الثَّالِثُ مِنَ الـمَادَّةِ فَإِنَّ الرَّسُولَ r يَقُولُ: «مَنْ أَخَذْتُ لَهُ مَالاً فَهَذَا مَالِي فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ» أَخرَجَهُ أَبُو يَعْلَى عَنِ الفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ. وَيَقُولُ: «وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلا يَطْـلُـبُنِي أَحَدٌ بِمَظْلِمَةٍ ظَلَمْـتُهَا إِيَّاهُ فِي دَمٍ وَلا مَالٍ». ( رَوَاهُ أَحمَدُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ ) ، فَيَكُونُ أَخْذُ الخَلِيفَةِ الـمَالَ مِنَ الرَّعِيَّةِ مِنْ غَيرِ حَقٍّ مَظْلِمَةً، وَأَخْذُ الـمَالِ الَّذِي لَـمْ يُوجِبْهُ الشَّرعُ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَظلِمَةٌ، وَلِهَذَا كَانَ لِـمَحْكَمَةِ الـمَظَالِـمِ أَنْ تَنظُرَ فِي الضَّرَائِبِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ يُؤْخَذُ مِنَ الرَّعِيَّةِ، وَنَظَرُهَا فِي الضَّرَائِبِ إِنَّمَا هُوَ لِتَرَى هَلِ الـمَالَ الـمَأْخُوذَ هُوَ مِمَّا أَوجَبَهُ الشَّرعُ عَلَى الـمُسلِمِينَ كَالـمَالِ الَّذِي يُؤخَذُ لِإِطْعَامِ الفُقُرَاءِ فَلَا يَكُونُ مَظلِمَةً، أَمْ هِيَ مِمَّا لَـمْ يُوجِبْهُ الشَّرعُ عَلَيهِمْ كَالـمَالِ الَّذِي يُؤخَذُ لِبِنَاءِ سَدٍّ لِجَمْعِ الـمِيَاهِ يُمكِنُ الاستِغنَاءُ عَنهُ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مَظلِمَةً يَجِبُ أَنْ تُزِيلَهَا، وَمِنْ هُنَا كَانَ لِمَحْكَمَةِ الـمَظَالِـمِ أَنْ تَنظُرَ فِي الضَّرَائِبِ.
ثالثا: المادة 92: دَلِيلُهَا أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ شَرْطُ مَجْلِسِ القَضَاءِ لِلنَّظَرِ فِي القَضِيَّةِ لَا يَنطَبِقُ عَلَى مَحكَمَةِ الـمَظَالِـمِ لِعَدَمِ وُجُودِ مُدَّعٍ، إِذْ لَا حَاجَةَ لِوُجُودِ مُدَّعٍ فِيهَا، فَهِيَ تَنظُرُ فِي الـمَظلِمَةِ وَلَو لَـمْ يَدَّعِ بِهَا أَحَدٌ، أَوْ لِعَدَمِ ضَرُورَةِ حُضُورِ الـمُدَّعَى عَلَيهِ؛ لِأَنَّهَا تَنظُرُ فِي القَضِيَّةِ مِنْ غَيرِ حَاجَةٍ لِحُضُورِ الـمُدَّعَى عَلَيهِ؛ لِأَنَّهَا تُدَقِّقُ فِي الـمَظلِمَةِ، وَعَلَيهِ لَا يَنطَبُقُ عَلَيهَا دَلِيلُ اشتِرَاطِ مَجْلِسِ القَضَاءِ وَهُوَ قَولُهُ r : «أَنَّ الْخَصْمَـيْنِ يَقْعُدَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْحَكَمِ». ( رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ ) ، وَقَولُهُ r : «إِذَا جَلَسَ إِلَيْكَ الْخَصْمَانِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ ) ، وَعَلَيهِ لِـمَحْكَمَةِ الـمَظَالِـمِ النَّظَرُ فِي الـمَظلِمَةِ بِمُجَرَّدِ حُدُوثِهَا مِنْ غَيرِ التَّقَيُّدِ بِشَيءٍ مُطلَقًا، لَا فِي مَكَانِ، وَلَا فِي زَمَانِ، وَلَا فِي مَجْلِسِ قَضَاءٍ، وَلَا غَيرِ ذَلِكَ. إِلَّا أَنَّهُ نَظَرًا لِمَكَانَةِ هَذِهِ الـمَحْكَمَةِ مِنْ نَاحِيَةِ صَلَاحِيَّاتِهَا كَانَتْ تُحَاطُ بِمَا يَجعَلُ لَهَا الهَيبَةَ وَالعَظَمَةَ، وَفِي زَمَنِ السَّلَاطِينِ فِي مِصْرَ وَالشَّامِ كَانَ مَجْلِسُ السُّلطَانِ الَّذِي يَنظُرُ فِيهِ فِي الـمَظَالِـمِ يُسَمَّى ( دَارُ العَدْلِ ) وَكَانَ يُقِيمُ فِيهِ نُوَّابًا عَنهُ, وَيُحضِرُ فِيهِ القُضَاةَ وَالفُقَهَاءَ، وَقَدْ ذَكَرَ الـمَقْرِيزِيُّ فِي كِتَابِ ( السُّلُوكُ إِلَى مَعرِفَةِ دُوَلِ الـمُلُوكِ ) أَنَّ السُّلطَانَ الـمَلِكَ الصَّالِحَ أَيُّوبَ رَتَّبَ عَنهُ نُوَّابًا بِدَارِ العَدْلِ يَجلِسُونَ لِإِزَالَةِ الـمَظَالِـمِ وَمَعَهُمُ الشُّهُودُ وَالقُضَاةُ وَالفُقَهَاءُ. وَلَا بَأْسَ أَنْ يُجْعَلَ لِـمَحْكَمَةِ الـمَظَالِـمِ دَارٌ فَخْمَةٌ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الـمُبَاحَاتِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ تَظْهَرُ بِهَا عَظَمَةُ العَدْلِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.