على بساط البحث انتهاء الأجل السبب الوحيد للموت
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الأولى : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، حياكم الله ، وعودةٌ إليكم من جديد ومع برنامَجِنا المتجدد ، على بساطِ البحث ، وكما عوَّدناكم مستمعينا الكرام ، فإنا نبحثُ في برنامجنا هذا أموراً شائكةً ومفاهيمَ مغلوطةً بين الناس ، محاولين تصحيحَها لهم ، ذلك أن هذه المفاهيمَ تؤثرُ على سلوكِ الإنسانِ ، فكان لا بدَّ من تصحيحِها ليكونَ سلوكُه صحيحا. واليوم سنتحدثُ عن مفهومٍ مغلوطٍ عند كثيرٍ من ابناءِ المسلمين ، ألا وهو سببُ الموت .
الثانية : بالحقيقة أثرت استغرابي أختاه بقولك هذا ، ألم تسمعي بالقول الذي يقول تعددت الأسباب والموت واحد ؟
فللموت أسباب عديدة ققد يكون من مرض مميت كالطاعون مثلاً، وقد يكون من طعن سكين أو ضرب رصاص أو حرق بالنار أو قطع رأس أو غير ذلك، فهذه كلها أسباب مباشرة تؤدي إلى الموت، أي يحصل الموت بسببها، ولا يحصل إذا لم تحصل.
الأولى : أختي الكريمة أنت تقولين أن للموتِ سببٌ وقد أوردتِ الأمثلةَ الكثيرةَ على ذلك ، فاعتبرتِ المرضَ سبب وضربَ الرصاصَ سبب وكذلك الطعنَ بالسكين .....
ولكن اسمحي لي أختاه أن أفرقَ وإياك بين السببِ والحالةِ ، فالشيءُ حتى يصحَّ أن يكونَ سبباً لا بدَّ أن ينتجَ المسببَّ حتماً. وأن المسببَ لا يمكنُ أن ينتُجَ إلا عن سببَه وحدِه. وهذا بخلافِ الحالةِ فإنها ظرفٌ خاصٌ بملابساتٍ خاصةِ يحصلُ فيها الشيءُ عادةً، ولكنه قد يتخلفُ ولا يحصل.
فمثلاً، الحياةُ سببٌ للحركةِ في الحيوان، فإذا وُجدتِ الحياةُ فيه، وجدت الحركةُ منه، وإذا عُدمتِ الحياةُ فيه عُدمت الحركةُ منه. ومثلاً، الطاقةُ سببٌ لتحركِ الموتور، فإذا وُجدتِ الطاقةُ تحركَ الموتور، وإذا لم توجَد الطاقةُ لا توجد الحركة. وهذا بخلافِ المطرِ بالنسبةِ لإنباتِ الزرع، فإنه حالةٌ من الحالاتِ التي ينبتُ بها الزرعُ وليس سبباً. وذلك أن المطرَ يُنبتُ الزرعَ ، ولكن قد ينـزلُ المطرُ ولا ينبتُ الزرعُ ، وقد ينبتُ الزرعُ من رطوبةِ الأرضِ وحدِها كالزرعِ الصيفيِّ ينبتُ بدونِ نزولِ المطر.
الثانية : وكيف ينطبق ما قلتِ على الموت؟ فكثير من حالات الموت حصلت بسبب طلقة رصاص أو طعنة سكين أو مرض فتاك ، أو حادث طرق ، أفلا يعتبر هذا مسببا للموت ؟
الأولى : لا أختي ، إن كل ما ذكرتِ يعتبرُ من حالاتِ الموتِ فمرضُ الطاعونِ وضربُ الرصاصِ وغيرُ ذلك قد توجَد ولا يحصلُ الموت، وقد يحصلُ الموتُ من غيرِ أن يوجدَ أيُّ شيءٍ من هذه الأشياءِ التي يحصلُ فيها الموتُ عادة. فالمتتبعُ لكثيرٍ من الأشياءِ التي يحصلُ فيها الموتُ، والمتتبعُ للموتِ نفسِه يتأكدُ من ذلك واقعياً، فيجدُ أنه قد تحصلُ هذه الأشياءُ التي يحصلُ منها الموتُ عادةً ولا يحصلُ الموت، وقد يحصلُ الموتُ بدونِ حصولِ هذه الأشياء.
الثانية : نعم أختي ، إن ما ذكرته صحيحا رضي الله عنكِ، فكم سمعنا عن أشخاص ضربوا بسكين ضربة قاتلة ويجمع الأطباء على أنها قاتلة، ثم لا يموت فيها المضروب، بل يشفى ويعافى منها.
وكم سمعنا عن حالات حصل الموت فيها دون سبب ظاهر، كأن يقف قلب إنسان فجأة فيموت في الحال دون أن يتبين نوع الحالة التي يحصل فيها وقوف القلب لجميع الأطباء بعد الفحص الدقيق.
الأولى : هذا ما قصدته بالضبط ، والحوادثُ على ذلك كثيرةٌ يعرفُها الأطباء، وقد شهدتْ منها المستشفياتُ في العالمِ آلافَ الحوادث. فقد يحصلُ شيءٌ يؤدي إلى الموتِ عادة جزماً ثم لا يموتُ الشخص، وقد يحصلُ موتٌ فجأةً دون أن يظهرَ أيُّ سببٍ أدَّى إليه. ومن أجلِ ذلك يقولُ الأطباءُ جميعاً أن فلاناً المريضَ لا فائدةَ منه حسبَ تعاليمِ الطب، ولكن قد يُعافى وهذا فوق علمِنا. ويقولون أنَّ فلاناً لا خطرَ عليه وهو معافىً وتجاوزَ دورَ الخطر، ثم ينتكسُ فجأةً فيموت. وهذا كلُّه واقعٌ مشاهَدٌ محسوسٌ من الناسِ ومنَ الأطباء.
الثانية : إذن أفهم من كلامك أن هذه الأشياء التي حصل منها الموت ليست أسباباً له. إذ لو كانت أسباباً له لما تخلف ولما حصل بغيرها، فمجرد تخلفها ولو مرة واحدة، ومجرد حصول الموت بدونها ولو مرة واحدة، يدل قطعاً على أنها ليست أسباباً للموت بل حالات يحصل فيها الموت، وسبب الموت الحقيقي الذي يُنتج المسبب هو غيرها وليست هي.
لكن ،، ماذا بخصوص قطع الرأس ، أو توقف القلب ، فهذان سببان محتمان للموت ، فهل يصح لنا أن نقول أن قطع الرأس سبب للموت ، وكذلك توقف القلب ؟
الأولى : إن ضربةَ الرقبةِ بالسيفِ حالةٌ من حالاتِ الموتِ وليست سبباً للموت، وان طعنةَ القلب بالسِّكينِ حالةٌ من حالاتِ الموتِ وليست سبباً للموت ، ذلك أن قطعَ الرقبةِ وإزالةَ الرأسِ عن الجسمِ لا يحصلُ من نفسِه فلا يحصلُ من الرقبةِ نفسِها، ولا من الرأسِ فلا يحصلُ إلا بمؤثرٍ خارجيٍّ عنها. فلا يصلحُ حينئذ أن يكونَ قَطْعُ الرقبةِ سبباً، بل الذي فعلَ القطعَ هو مظنَّةُ السببِ وليس نفسَ القطْع، لأنه لا يحصلُ من ذاتِه بل بمؤثرٍ خارجي. وكذلك توقفُ القلبِ لا يحصلُ من نفسِه بل لا بدّ من مؤثرٍ خارجيٍّ عنه فلا يصلحُ حينئذٍ أن يكونَ توقفُ القلب سبباً، بل الذي سبَّب توقيفَ القلبِ هو مظنةُ أن يكونَ سببَ الموت، وليس نفسُ توقفِ القلب، لأنه لا يحصلُ من ذاتِه بل بمؤثرٍ خارجي. وعلى ذلك فلا يمكنُ أن يكونَ نفسُ قطعِ الرقبةِ أو ذاتَ توقفِ القلبِ مظنةً أن يكونَ سبباً للموت مطلقاً فلم يبق مظنة ُالسببِ للموتِ إلا المؤثرِ الخارجي.
الثانية : بقي استفسار أخير عندي أختي الكريمة ، وهو متعلق بالخواص ، فكما نعلم أخيتي فإن الله خلق للأشياء خاصيات، فإذا عُدمت الخاصية زال أثرها، فمثلاً خلق الله في العين الرؤية وخلق في الأذن السمع وخلق في الأعصاب الحس وخلق في النار الإحراق وخلق في الليمون الحموضة وهكذا. وهذه الخاصية للشيء نتيجة طبيعية لوجوده، فهي بمثابة صفة من صفاته،فكيف لنا ان نطبق الأمر على القلب ، فكما نعلم فإن النبض من صفات القلب الطبيعية ومن خاصياته الحياة أفلا يؤدي انعدام النبض انعدام الحياة؟
الأولى: صحيح أنَّ النبضَ من صفاتِ القلبِ ومن خاصيَّاتِه الحياةُ ، ولكن لا يكونُ وجودُ الخاصيةِ في الشيءِ هو سببُ العملِ الذي هو أثرَ لها، ولا يكونُ حينئذ انعدامُ الخاصيةِ سبباً لانعدامِ العملِ الذي هو أثرٌ لها. وذلك أنه ليسَ وجودُ خاصيةِ الحياةِ في القلب ِكافياً لإيجادِ الحياة، فلا يصلحُ أن يكونَ سبباً للحياة. وإذا كان وجودُ خاصيةِ الحياةِ ليس سبباً لإيجادِ الحياة، فيكونُ حينئذ انعدام ُخاصية ِالحياة من القلبِ ليس سبباً لانعدامِ الحياة. وعلى ذلك لا يُقالُ أنَّ ذهابَ الشيءِ سببٌ لذهابِ خاصياتِه، بل الذي يكونُ سبباً لذهابِ خاصيةِ الشيءِ هو أمرٌ خارجٌ عن الشيءِ نفسِه، يُذهبُ خاصيتَه ويبقي الشيءَ ذاتَه دون خاصيَّتِه، أو يذهبُ الشيءُ نفسُه فيُذهبُ معه خاصيَّتُه. فيكونُ الشيءُ الذي أذهبَ الخاصيةَ، أو أذهبَ الشيءَ وأذهبَ معه خاصيتَه هو سببُ ذهابِ الخاصيةِ وليس الشيءُ نفسُه سبباً لذهاب ِخاصيتِه. وعليه فإنه من هذه الجهةِ أيضاً، أي من جهةِ كوْنِ الحياةِ خاصيةً من خواصِ وجودِ الرأسِ على الجسم، وخاصيةً من خواصِ نبضِ القلب، لا يُقالُ أنَّ إزالةَ الرأسِ عن الرقبةِ سببُ الموت، وتوقفَ القلبِ سببُ الموت، بل مظنةُ السببِ هو الذي أزالَ الخاصيةَ من الرقبةِ بإزالتِها، ومن القلبِ بتوقًّفِه، وليس هو قطعُ الرقبةِ وتوقفُ القلب.
الثانية: تقصدين أن سبب الموت الحقيقي لا يكون بإتلاف العضو أي قطع الرقبة ووقف القلب، لأنه يستحيل أن يحصل أي إتلاف للعضو إلا بمؤثر خارجي ولأن الحياة خاصية من خواصه - أي العضو - فذهابها لا يكون منه وإنما بمؤثر خارجي أزالها - أي الخاصية - أو أزاله وأزالها معه. وكذلك لا يكون سبب الموت هو المؤثر الخارجي لأنه قد يحصل المؤثر الخارجي ولا يحصل الموت، وقد يحصل الموت دون أن يحصل هذا المؤثر الخارجي. والسبب لا بد أن ينتج المسبب حتماً، فلم يبقَ إلا أن سبب الموت الحقيقي الذي يُنتج المسبب حتماً وهو الموت، هو غير هذه الأشياء.
الأولى: وهذا السببُ الحقيقيُّ لم يستطعِ العقلُ أن يهتديَ إليه لأنه لم يقعْ تحتَ الحسِّ فلا بدَّ أن يخبرَنا به اللهُ تعالى، وأن يثبتَ هذا الإخبارَ عن السببَ الحقيقيِّ للموتِ بدليلٍ قطعيِّ الدِّلالةِ قطعيِّ الثبوتِ حتى نؤمنَ به، لأن ذلك من العقائد وهي لا تثبتُ إلا بالدليلِ القطعي. وقد أخبَرنا اللهُ تعالى في آياتٍ متعددةٍ بأنَّ سببَ الموتِ هو انتهاءُ الأجل، وأن اللهَ هو الذي يميتُ. فالموتُ يحصلُ حتماً بالأجلِ ولا يتخلفُ مطلقاً فكان الأجلُ سبباً للموت، والذي يميتُ هو الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يباشرُ فعلَ الموت. وقد وردَ ذلك في آياتٍ متعددة، قال تعالى: ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ) أي كتب الموتَ كتاباً مؤجلاً مؤقتاً إلى أجلٍ معلومٍ لا يتقدمُ ولا يتأخر. وقال تعالى: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) أي هو الذي يميتُ الأنفسَ حين تموت، فهو الذي يسلبُ ما هي به حية. وقال تعالى: ] رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ[ أي هو الذي يباشرُ خلقَ الحياةِ وإيجادِها وهو الذي يباشرُ فعلَ الموتِ وإيقاعِه. وقال تعالى: ( وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ) وقد قال الله ذلك رداً لقولِ الذين كفروا. فالآية هي: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)) أي الأمرُ بيدِ الله قد يحيي المسافرَ والغازي ويميتُ المقيمَ والقاعدَ كما يشاء. وقال تعالى: ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) أي في أيِّ مكانٍ تكونون، فإن الموتَ يدرككُم ولو كنتم في حصونٍ حصينة. وقال تعالى: ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) وهذا جوابٌ للكفار. فاللهُ يقولُ أنهم راجعون إلى ربهم فسوفَ يميتُهم، إذ يرسلُ لهم ملكَ الموتِ ليتوفَّاهُم.
الثانية : نعم وهناك آيات كثيرة أيضا جاءت لتوضح الأمر ، كقوله تعالى ( وقُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)[ أي يستوفي أنفسكم فالتوفي استيفاء الروح. وقوله ايضا : ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ) أي إن الموت الذي تفرون منه وتهربون ولا تجسرون أن تتمنوه خيفة أن تؤخذوا بوبال كفركم لا تفوتونه وهو ملاقيكم لا محالة. وقال تعالى: ( إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)) أي إذا حل الأجل الذي قدره لهم، لا يتأخرون عنه أقل وقت ولا يتقدمون أقل وقت. وإنما قال ساعة كناية عن أقل الوقت. وقال تعالى: ( نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ) أي نحن قدرنا بينكم الموت تقديراً وقسمناه عليكم قسمة الرزق على اختلاف وتفاوت كما تقتضيه مشيئتنا، فاختلفت أعماركم من قصير وطويل ومتوسط. فهذه الآيات وغيرها مما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة تدل دلالة لا تحتمل غير معنى واحد هو أن الله هو الذي يحيي ويميت بالفعل دون وجود أسباب ومسببات، وأن الإنسان لا يموت إلا بانتهاء أجله، وليس من الحالة التي حصلت، وظن أنها سبب الموت. فيكون سبب الموت هو انتهاء الأجل فحسب وليس الحالة التي حصل فيها الموت.
الأولى : نقطةٌ أخيرةٌ وجبَ علينا توضيحَها وهي أنَّ الموتَ لا يُسندُ إلى اللهِ باعتبارِ الخلق، أما المباشَرةُ فهي من الإنسانِ أو منَ الأسبابِ التي نتجَ عنها الموت، كقوله تعالى: ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى )، وكقوله: ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا) وقوله تعالى:( يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) لا يقالُ ذلك، لأن هناك قرائنَ تصرفُ مباشرةَ الفعلِ عن اللهِ إلى الإنسان، وتجعلُ المعنى أن اللهَ خلقَ الرميَ وخلقَ شرحَ الصدرِ وخلقَ ضيقَ الصدرَ وخلقَ الضلالَ وخلقَ الهداية، ولكن الذي يباشرُ ذلك فعلاً ليس الله، وإنما هوَ الإنسانُ. وهذه القرائنُ عقليةٌ وشرعية. لأن قولَه: ( رَمَيْتَ ) معناه حصلَ الرميُ منَ الرسول، ولأن معاقبتَه على الضلالِ وإثاَبَته على الإسلام ِيدلُّ على وجودِ الاختيارِ من الإنسان، يختارُ الإسلامَ أو يختارُ الكفر، مما يدلُّ على أنَّ المباشِرَ للفعلِ الإنسانُ ، ولو كان المباشرُ هو الله لما أثابَه ولا عذَّبه. وأيضاً فإن الأمرَ المحسوسَ المعقولَ أنَّ الرسولَ هو الذي كان يرمي، وأن الإنسانَ هو الذي يهتدي باستعمالَ عقلَه استعمالاً صحيحاً، ويَضِلُّ بعدمِ استعمالِ عقلِه أو باستعمالِه استعمالاً غيرَ مستقيم، وهذا بخلافِ الموت، فإنه لم تَرِدْ أيُّ قرينةٍ تدلُ على أنَّ مباشرةَ الموتِ من غيرِ الله، وأنه حصلَ بغيرِ انتهاءِ الأجل. فإنه ثبتَ أنه لا يوجدْ سببٌ محسوسٌ للموت، ولا يوجدُ نصٌّ يصرفُ معنى الآياتِ عن معناها الصريح، ولا قرينةٌ تدلُّ على أن المباشرَ للموتِ غيرُ الله، فتبقى الآياتُ على المعنى الذي وردت به صراحةً حسبَ مدلولِ اللغةِ والشرع، وهو أنَّ المباشرَ للموتِ هو اللهُ تعالى.
الثانية : نعم إخوننا الكرام فإنه ومن كل ما تقدم سواء بالدليل العقلي والشرعي يتبين أن الأشياء التي يحصل فيها الموت عادة هي حالات وليست أسباباً. وأن السبب الحقيقي هو غيرها، مما لا يقع تحت الحس. وثبت أيضا أن هذه الأشياء التي يحصل منها الموت ليست هي التي توجد الموت، ولا هي أسباب للموت. ودلت الآيات القطـعـية على أن سـبب الموت هـو انتهـاء الأجل، وأن المميت هو الله سبحانه وتعالى.
فسبحان المحيي المميت الحي الذي لا يموت، فإلى ان نلقاكم ومع مفهوم آخر نترككم في رعاية الله وحفظه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أم سدين ومسلمة