على بساط البحث شاوروهن وخالفوهن
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الأولى: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، عدنا إليكم من جديد مع حلقات على بساط البحث.
الثانية: هذه الحلقة ، سنتناول مفهوماً خاطئاً عند عدد من الرجال، بل ويتصرفون ويطلقون الأحكام بناءً على خطئه، ألا وهو عدم مشاورة المرأة والتسفيه برأيها، بل وربما يصل الأمر إلى زجرها في حال تدخلها أو إبداء رأيها في أي موضوع .
الأولى: نعم أختي الكريمة فنجدْهم يبادِرون بالقول، شاوروهُنَّ وخالفوهُنَّ، وكأنها آيةٌ من آياتِ اللهِ التي نزلت في قرآنِه الكريم، أو حديثٌ نبويٌّ قطعيُّ الدِّلالةِ والثبوت، والذي لا يجوزُ مخالفتُه، فما هو أصلُ هذه المقولةِ وهل هي صحيحة؟
الثانية: كثير من الناس أخيتي يظن أنها حديث نبوي، ولكن شاوروهن وخالفوهن هو حديث لا يصح، ضعفه السخاوي في المقاصد الحسنة، والشوكاني في الفوائد، وحكم عليه بعض العلماء بالوضع .
والناظر للسيرة النبوية وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم ومعاملته مع زوجاته ومع النساء، فلن يجد منه تسفيها لرأي إحداهن، بل انه أخذ برأيهن في بعض المواقف، وترك لهن الأمر والرأي في المواقف الآخرى .
الأولى: صحيح ما ذكرتِ أختي الكريمة، والمتأملُ لحـالِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لما رجعَ عليه الصلاةُ والسلام من الغارِ بعد أن جاءَه المَلَكُ رجعَ ترجُفُ بوادرُه حتى دخلَ على خديجةَ فقال: زمِّلوني زملوني، فزمّلوه حتى ذهبَ عنه الرَّوْعُ، ثم قال لخديجة: أي خديجةَ مالي؟ وأخبرَها الخبر. قال: لقد خشيتُ على نفسي .
قالت له خديجة: كلا. أبْشِرْ فواللهِ لا يَخْزِيَك اللهُ أبداً، واللهِ إنك لتصلُ الرَّحِم، وتصْدُقُ الحديثَ، وتحملُ الكَلَّ، وتُكْسِبُ المعدومَ، وتُقري الضيفَ، وتُعينُ على نوائبِ الحق، فانطلقت به خديجةُ حتى أتت به ورقةَ بنَ نوفل ...إلى آخر الحديث. رواه البخاري ومسلم.
فمنِ الذي آزرَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهـدّأَ من روْعِهِ وطمأَنَه إلا خديجةُ رضيَ الله عنها!! ولذا كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يعرفُ لها حقَّها وقَدْرَهَا حتى بعد موتَها .
الثانية: صدقت أختاه، وإني أعجب من أولئك الذين يعيبون على رأي المرأة أي يستعيبون استشارة المرأة، وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشورة امرأة في قضية تَهُمّ المسلمين بل قد أهمّت رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم مشهود من أيامه صلى الله عليه وسلم.
ألم يسمعوا عن إحجامِ الصحابة عن حلقِ رؤوسهم يوم الحديبية، فلما قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لهم: قوموا فانحرُوا ثمّ احْلِقوا.
قال الرواي: فوَ اللهِ ما قامَ منهم رجُلٌ حتى قال ذَلكَ ثلاثَ مَرّاتٍ .
فلمّا لم يَقُمْ منهم أحدٌ دَخلَ على (( أُمّ سَلمةَ )) فذَكرَ لها ما لقيَ منَ الناسِ .
فقالت أُمّ سَلمةَ: يا نبيّ اللهِ أتُحِبّ ذَلك؟ أخرُجْ ثمّ لا تُكلّمْ أحداً منهم كلمةً حتى تَنْحَرَ بُدْنَك وتَدْعو حالِقَكَ فيَحْلِقَك .فأخذ بمشورتها .
فخرَجَ فلم يُكلّمْ أحداً منهم حتى فعل ذلك: نحرَ بُدْنَهُ ودَعـا حالِقَهُ فحلَقَه، فلما رأَوا ذَلكَ قاموا فَنَحروا، وجَعلَ بعضُهم يَحلِقُ بعضاً، حتى كادَ بعضُهم يَقتُلُ بعضاً غَمّاً . كما عند البخاري في الصحيح .
فمن الذي أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر فيه الرّشَد ؟؟
ومن الذي أزاح الهمّ عن نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟
الأولى: لا بأسَ إذن بأخذِ رأيِ المرأةِ إذا كان سديداً موافِقاً للحق، كالمثالِ الذي ذكرتِه عن أمِّ سلمة رضي الله عنها في الحديبية، والذي هو دليلٌ لجوازِ استشارةِ المرأةِ الفاضلةِ عندما يتوفرُ لها رجاحةُ العقلِ، وقد أخذَ نبيُّ اللهِ شعيبٌ برأيِ ابنتِه حين قالت: يا أبتِ استأجرْهُ إنَّ خيرَ منِ استأجرتَ القويُّ الأمين.
وفي الصحيحينِ من حديثِ أمِّ عطيةَ رضي اللهُ عنها عندما غسَّلت زينبَ بنتَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم قال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: اغسِلْنَها خمساً أو سبعاً أو أكثرَ من ذلكَ إن رأيْتُنَّ ذلك.
فردَّ الرأيَ إليهنَّ في ذلك. ولم يَقُـل: شاوروهُنَّ وخالفوهُن. كما يلهجُ به بعضُ الناس.
الثانية: وليست هذه حادثة فريدة فقد استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أخرى في قضية تُعَـدُّ مِنْ أخطر القضايا، فقد سأل زينب بنت جحش عن عائشة بعد حادثة الإفك، وما جرى فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ الهَـمّ .
قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أمري، فقال: مـا عَلِمْتِ، أو ما رأيتِ؟
فقالت: يا رسول الله أحْمِـي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيراً.
قالت عائشة:وهي التي كانت تُساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فَعَصَمها الله بالورع. متفق عليه. ( ومعنى تُساميني أي تُنافسني في المكان)
فأين هذا من أناس لا يرون للمرأة رأياً، كما أنـهم لا يرون لها حقـاً؟؟
لقد استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجاته، وأخذ برأيهن.
الأولى: نعم إنَّ قولَ شاوروهنَّ وخالفوهنَّ فيه إجحـافٌ في حـقِّ النسـاء.
ففي كثيرٍ منَ الأحيانِ إذا أصابَ الرجلَ الهَـمُّ لجـأَ - بعد الله - إلى أُمِّـه طالباً منها المشورةَ والدّعـاءَ.
أو ربما لجـأَ إلى زوجتِه يبثُّها شكواه، فتُخففُ عنه مِـن همِّـه.
أما قولُ " شاوروهن وخالفوهن " فلا أصلَ له عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم .
كما أن حديثَ : هلكتِ الرجالُ حينَ أطاعت ِالنساء . حديثٌ ضعيف .
وحديث: طاعةُ المرأةِ ندامةٌ. حديثٌ موضوعٌ مكذوبٌ كما بيّنَ ذلكَ كلَّه الشيخُ الألبانيُّ - رحمه الله.
قال ذو النون: أما إنه من َالحمقِ :التماسُ الإخوانِ بغيرِ الوفاء، وطلبُ الآخرةِ بالرياءِ، ومودَّةُ النساءِ بالغِلظِةِ.
فاستوصوا بالنساء خيراً . كما أوصاكم بِهنّ مَنْ هو بالمؤمنين رؤوف رحيم صلى الله عليه وسلم .
قال المباركفوري: والمعنى.. أوصيكُم بِهنَّ خيراً، فاقبَلوا وصيَّتي فيهِن.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته