الحوار الحي قرائة متأنية في المشهد المصري ج1
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله عز وجل في كتابه العزيز:
(وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) صدق الله العظيم سورة الأنعام آيه 153
فقد أُعلن يوم الاحد الموافق 24 حزيران 2012 عن فوز محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعداله المنبثق عن جماعة الاخوان المسلمين برئاسة الجمهورية بنسبة تقارب 51% وحصل منافسه أحمد شفيق على 48% من الاصوات تقريبا .
وان المتتبع للثورة المصريه والممعن النظر فيها منذ بدايتها في 25 كانون الثاني 2011 واطاحتها بالرئيس السابق حسني مبارك والاتيان بمحمد مرسي رئيسا للجمهوريه , يلاحظ ما يلي :
• انها كانت ثوره شعبيه عارمه حافظت على زخمها طيلة هذه الفتره وان الاخوان المسلمين لم يبدأو بالثوره بل احجموا عن الاشتراك بها خاصة يوم 25 كانون الثاني , وهم شاركوا بها في مراحل لاحقه وقطفوا بعض ثمارها بفوز مرشحهم برئاسة الجمهوريه .
• إن حصر انتخابات الرئاسه بين احمد شفيق ومحمد مرسي كان امر طبيعيا بين القوتين الرئيسيتين وهي حركة الاخوان المسلمين ومن معهم من القوى السياسيه والشعبيه , واحمد شفيق العسكري السياسي وما يمثله من قوى داخل مصر , وان نجاح مرشح الاخوان انما جاء بفضل تنظيمهم الذي تاسس في مصر أواخر عشرينيات القرن الماضي ووقوف القوى الاخرى الى جانبهم مثل حزب النور السلفي ومؤيدي عبد المنعم ابو الفتوح وقسم كبير من شباب الثوره والشعب المصري , وبالرغم من اختلاف هذه القوى او اتفاقها مع الاخوان الا انهم وقفوا الى جانبهم كرها لنظام مبارك وتركته وخوفا من اعادة انتاجه في حال فوز احمد شفيق , الذي يعتبر ابن المؤسسه العسكريه ومرشحها ومرشح العلمانيين والليبراليين والاقباط واتباع النظام السابق , وكان للمال السياسي ومكر الليل والنهار دور كبير في محاولة انجاحه .
• وانه لامر طبيعي ان لا تتجه البوصله الشعبيه العارمه الى فلول النظام البائد وتركة مبارك بكل ما تعنيه هذه التركه من فساد وعماله ونهب واعتقال وتعذيب , وان يكون اتجاه البوصله طبيعيا الى الطرف الاخر الذي ينافس مرشح العهد الفاسد والبائد املا في التغيير .
• والممعن النظر يرى ان سياسة الاخوان لم تكن ثابته بل متغيره ومتقلبه , فقد اعلنوا في وقت سابق عن عدم خوضهم لانتخابات الرئاسه ثم تخلوا عن هذا الوعد وخاضوا الانتخابات , وكان بينهم وبين نظام مبارك تفاهمات في اوقات معينه وكذلك مع المجلس العسكري إبان الثوره , ومشاركتهم احيانا ومعارضتهم احيانا اخرى للاحتجاجات المليونيه في ميدان التحرير , وتناقض تصريحاتهم بالنسبه لتطبيق الشريعه ثم مناداتهم بالدوله العلمانيه المدنيه الديمقراطيه التعدديه , هذه المواقف المتقلبه ادت الى نفور كثير من القوى السياسيه والشعبيه عن الاخوان , وبالرغم من ذلك فان هذه القوى وقفت معهم ومع مرشحهم نكاية بنظام مبارك وفلول هذا النظام .
• وكذلك كان للمؤسسه العسكريه المتمثله بالمجلس العسكري الدور الفاعل والمؤثر في المشهد المصري خلال الثمانية عشر شهرا , وانه وان ضحّت امريكا بعميلها المخلص حسني مبارك الا انها مقابل ذلك ابقت السلطه الفعليه بيد المؤسسه العسكريه التي تعتمد عليها امريكا والتي تمسك بمفاصل الدوله وخيوط اللعبه السياسيه ومفاتيح الربط والحل , سواء ظهر ذلك في قرارات ابطال العزل السياسي او الاعلان الدستوري المكمل او سحب صلاحيات رئيس الجمهورية في القضايا الرئيسية كالخارجيه والامن واعلان الحرب وتحديدها في القضايا الثانويه.
• ولوحظ ايضا ان الامريكيين وان كانوا يميلون لمرشح المؤسسه العسكريه احمد شفيق , الا انهم خشوا إن أٌعلِن فوزه ان يتسبب ذلك في تجدد الثوره وحدوث اضطرابات هم في غنى عنها وقد ظهر ذلك واضحا في ميدان التحرير قبل اعلان النتائج النهائيه , ويبدو ان الامريكيين بتفاهماتهم مع الاخوان على الخطوط العريضه في الاقتصاد والسياسه الخارجيه والعلاقات الدوليه والمعاهدات و رأوا في الاخوان النهج المنفتح عليهم والخط المعتدل , مما يساهم في تهدئة النفوس والمشاعر الشعبيه الجياشه واستقرار الاوضاع دون ان تبتعد مصر عن واشنطن , وللاخوان سابقه في غزه , فعندما استلمت حماس السلطه هناك استقرت الاوضاع وحصلت هدنه طويله مع كيان يهود بالرغم من غدر يهود , ففي اول تصريح لمحمد مرسي بعد فوزه في الجولة الاولى قال : بانه يهدف الى اقامة دوله وطنيه ديمقراطيه دستوريه حديثه , ونفى انه يسعى الى فرض الحجاب قصرا على المرأه وقال إن تحجب المرأه غصبا هو عمل ضد الشرع , واضاف بان المسيحيين سيكونون موجودين في مؤسسة الرئاسه وسترون مستشارين او حتى نائبا ان امكن , وكذلك تصريحه بعد الفوز بانه ملتزم بالاتفاقيات والمعاهدات المعقوده بين مصر والدول الأخرى .
• وان الناظر في سياسة الاخوان يجد ان لديهم استعدادا للتعامل مع امريكا والقوى الدوليه كأوروبا، ومع مختلف الانظمه القائمه في العالم الاسلامي بالرغم من بعد هذه الانظمه عن تعاليم الاسلام ومحاربتها لله ورسوله وجماعة المؤمنين , فقد تعاملوا مع العهد الملكي السابق في مصر وخرجوا لمبايعة الملك فاروق خليفة على المسلمين , وتعاملوا مع النظام الايراني ومع النظام العراقي في عهد صدام بالرغم من تناقض هذين النظامين كما تعاملوا مع النظام القائم حاليا في العراق في ظل الاحتلال الامريكي , وتعاملوا مع طاغية اليمن علي عبدالله صالح ومع النظام السعودي والنظام في الاردن وفي اوقات معينه مع نظام مبارك حتى مع النظام السوري وبعض رموزه .
• ان امريكا تؤمن بالبراجماتيه وسياسة التعامل مع الواقع , ولديها من الوسائل والامكانيات والنفوذ ما يمكنها من سرعة التعامل مع الواقع المصري الجديد بعد الثوره ومحاولة التاثير فيه وتغيير اتجاه الرياح لصالحها او جعلها لا تمس مصالحها في الحد الادنى , وتجد امريكا ان لديها القدره على ترويض من تجد لديه قابلية الترويض , فقد تعاملت مع منظمة التحرير وجعلتها تسير في ركابها ومخططاتها لولا تعنت قادة يهود الذي يعيق اهداف السياسه الامريكيه في حل الدولتين بالنسبه للقضيه الفلسطينيه .
• والناظر في وضع امريكا داخليا وخارجيا يجد ان تاثير الازمه الاقتصاديه وانشغالها في انتخابات الرئاسه الامريكيه، وهزيمتها في العراق وافغانستان وحصول ثورات الربيع العربي في مناطق نفوذها وتخلخل النظام السوري الذي تستند عليه في المنطقه , يجدُ انها في وضع صعب وحرج مما يجعلها تسير في سياسة المراوغه والمساومه وعقد الصفقات , فقد استعملت هذه السياسه مع روسيا بوتين بالنسبه للأزمة في سوريا او بعض قضايا الشرق الأوسط , وقد تناغمت هذه السياسه مع اطماع واحلام روسيا في ان تكون لاعبا رئيسيا في منطقة الشرق الاوسط بعد ان فقدت هذا الدور , فامريكا ليس لديها مانع في ان تستغل سياسة المراوغه والمساومه وعقد الصفقات مع الاخوان في مصر .
• ان من القواعد والاسس والمبادئ التي جاء بها شرعنا الحنيف وعلمنا اياها رسول الهدى صلى الله عليه سلم وسار عليها الخلفاء الراشدون , ان الغاية لا تبرر الوسيله وان السلطه لا يجوز ان تكون باي حال من الاحوال هدفا لمن يرفع شعار الاسلام وانما هي وسيله وطريقه لتطبيق شرع الله تطبيقا كاملا غير مجزأ , طلبا لرضوان الله لا لرضى الآخرين , وعلى جميع الحركات الإسلامية و غير الإسلامية ان لا تغريها السلطه او اي منصب كان ولو كان منصب رئيس الجمهوريه , وان تحذر من الوقوع في الشَرَك ومهادنة الدول الكافره المستعمره واتباعها من الانظمه القائمه بالعالم الاسلامي , فان ذلك يحيدها عن جادة الصواب ويوقعها في المهالك , وقد حذرنا رب العزة من هذه النتيجه كما ورد في سورة هود ( ولا تركنوا الى اللذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من اولياء ثم لا تنصرون ) آية 113 .
• نسأله تعالى الهداية للجميع وان نعي جميعا على ثوابت الامه المستمده من الاحكام الشرعيه القطعيه وان نتمسك بها مهما تغيرت الظروف والاحوال , ففي نهاية المطاف لا يصح الا الصحيح ولا يعلوا الا شرع الله ولا ينتصر الا الحق ورجاله ( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض كذلك يضرب الله الامثال ) صدق الله العظيم سورة الرعد آيه 117 .
ياسر غيـث