الحمد لله الواحد القهار ، عدد أغصان الأشجار ، وعدد ما خلق الله في البحار والأنهار والقفار ، والصلاة والسلام على النبي المختار ، وآله الأطهار ، وصحبه الأبرار ، وتابعيه الأخيار ، ما تعاقب الليل والنهار ، واجعلنا اللهم معهم ، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا عزيز يا غفار.

أما بعد: قال الله تعالى في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: ( وَقَضَىٰ رَ‌بُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ‌أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْ‌هُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِ‌يمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّ‌حْمَةِ وَقُل رَّ‌بِّ ارْ‌حَمْهُمَا كَمَا رَ‌بَّيَانِي صَغِيرً‌ا ).

أيها المؤمنون :

 

روى ابن ماجة والبيهقي في دلائل النبوة والطبراني في الأوسط والصغير عن جابر رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله ، إن لي مالا وولدا، وإن أبي يريد أن يأخذ مالي ، فقال عليه الصلاة والسلام: "اذهب فائتني بأبيك"‏، فلما جاءه قال عليه الصلاة والسلام :‏" إن ابنك يزعم أنك تريد أن تأخذ ماله "، فقال : سله يا رسول الله ، هل أنفقته إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي وعيالي؟ قال : فهبط جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إن الله عز وجل يقرئك السلام ، ويقول لك : إن الشيخ قال في نفسه شعرا لم تسمعه أذناه ! ، فقال عليه الصلاة والسلام : " قلت في نفسك شعرا لم تسمعه أذناك فهاته " ، فقال الشيخ: " والله يا رسول الله ما يزال الله يزيدنا بك بصيرة ويقينا، لقد قلت في نفسي شعرا لم تسمعه أذناي ! "، فقال عليه الصلاة والسلام: " قل وأنا أسمع " فأنشأ يقول :‏

 

غذوتك مولودا، ومنتك يافعا	تعل بما أحني عليك وتنهل
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت	لسقمك إلا ساهرا أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي	طرقت به دوني، فعيني تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنها	لتعلم أن الموت حتم مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي	إليها مدى ما كنت فيك أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة	كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي	فعلت كما الجار المجاور يفعل
فأوليتني حق الجوار ولم تكن	علي بمال دون مالك تبخل
تراه معدا للخلاف كأنه	برد على أهل الصواب موكل

 

قال: فبكى النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخذ بتلابيب ابنه ، وقال: "اذهب أنت ومالك لأبيك".

وذكر في الكشاف في تفسير سورة الإسراء بلفظ : " شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه، وأنه يأخذ ماله، فدعا به فإذا شيخ يتوكأ على عصا فسأله ، فقال: إنه كان ضعيفا وأنا قوي، وفقيرا وأنا غني، فكنت لا أمنعه شيئا من مالي، واليوم أنا ضعيف وهو قوي، وأنا فقير وهو غني، وهو يبخل علي بماله، فبكى عليه الصلاة والسلام وقال‏:‏ ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلا بكى، ثم قال للولد: "أنت ومالك لأبيك".

أيها المؤمنون :

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

أعده الأستاذ محمد أحمد النادي