السبت، 28 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/30م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

لا ينبغى لكنانه الله فى أرضه أن تتسول دستورها

بسم الله الرحمن الرحيم

 

للدستور خصوصيته كخصوصية الثقافة والتاريخ، به تتمايز الأمم، وتتفاوت أقدارها في الساحة الدولية.


ودستور كنانة الله، هو دستور الأمة الاسلامية، وهو بمثابة المرآة لشخصيتها، الراسم لملامحها الفكرية، المحدد لاتجاهاتها النفسية، المبلور لطموحاتها الخاصة المحلية والدولية، لأنه صادر عن عقيدتها السياسية، أو عن قيادتها الفكرية في الحياة.


وكنانة الله عاشت مفاهيمها الإسلامية -طريقة عيش- في الحياة أمدا طويلا، حتى عدا عليها الكافر المستعمر منذ ما يزيد على تسعة عقود، وتسلم زمام أمورها، وعمل على تشويه مفاهيمها الخيرة، وطمس طريقة عيشها المتحضرة، وفرض مفاهيمه الفاسدة، ودستوره وقوانينه الوضعية الجائرة، ليجعل نفوذه دائميا في أرض الكنانة!


ولما سُعرت الثورة المباركة فيها، أمل قطاع عريض من الناس أن تحدث في البلاد تغييرا انقلابيا شاملا، تتحرر فيه كنانة الله من النفوذ الغربي، وتعود لها دولة الخلافة العزيزة وتضع لها دستورا إسلاميا منبثقا عن عقيدة الأمة، ومعبرا عن مزاياها المتفردة، وبذلك تستأنف حياتها الإسلامية الطيبة، وتسترد كرامتها وعزتها ومكانتها الدولية.


غير أن الكافر المستعمر استطاع بأساليبه الخبيثة وأدواته المحلية والدولية أن يخدع الجماهير الطيبة، ويفرض عليها مساره الانتخابي الديمقراطي، فجاءت الحكومة المنتخبة وسط هتاف المسلمين الذين تتوق أفئدتهم للحكم بما أنزل الله، فأنشأت اللجنة التأسيسية للدستور على النسق الغربى، وبمعايير غربية... مما أثار في النفوس الشكوك وأملى على العقول العديد من التساؤلات الملحة.


أيُسنّ دستور كنانة الله بإرادة أهل الكنانة كما ينبغي، أم وفق إرادة المستعمر المتحكم في البلاد، أو بإرادة الأقلية المضبوعه بثقافته والموجهة بأمره؟!


أتراه دستورا جديدا يعد على عكس الدستور البائد الذي عانت الكنانة منه الأمرّين وثارت عليه، أم هو على نسق الدستور البائد، يسوقه لنا المستعمر على أيدي حكامنا المنتخبين في ثوب إسلامي مزيف؟!


أتراه دستورا مصدره الوحي الإلهي من الكتاب والسنة، فيكون دستورا إسلاميا خالصا، شاملا في تنظيمه لجميع علاقات الإنسان في الحياة، ونكون بموجبه بشرا سويا، نجني منه الهناءة والرفاه والسعادة في الدنيا والآخرة... أم تراه دستورا مصدره العقل البشرى القاصر -لجنة أو برلمان أو شعب- فيكون دستورا علمانيا مؤقتا، فاسدا، يستدعي التعديل والتبديل في كل حقبة زمنية لاحقة، ونكون بموجبه كفئران التجارب، ولا نجني منه إلا حياة الشقاء والاضطراب والقلق في الدنيا والعذاب في الآخرة، والعياذ بالله؟!


وإن المدقق في واقع هذه اللجنة التأسيسية ومجريات أمورها المشهودة، يجدها اليوم تيمم شطرها إلى دساتير الأمس، تنتزع من جنباتها عفن المفاهيم الغربية، وتجمعه في وعاء دستوري واحد، تقنن به نفس مفاهيم الاستعمار لتقدمه دستورا جديدا للبلاد!!


وعليه فالدستور المنتظر -كما هو متصور في أذهان واضعيه- هو دستور غربي استعماري وهو في مسودته الحالية يتبنى نظاما جمهوريا، ديمقراطيا، علمانيا، مدنيا، وطنيا، ويجعل السيادة للشعب، ويجعل الشعب مصدرا للسلطات... إلى غير ذلك من مفاهيم الكفر الغربية المقززة.


وأغرب ما يدعيه أعضاء اللجنة التأسيسية قولهم أنه دستور إسلامي يلتزم بجعل مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وأغرب منه قولهم إنه دستور توافقي...


ووجوه الغرابة عديدة، فالنظام الجمهوري يجعل السيادة للشعب، ونظام الخلافة يجعلها لله، فكيف يجتمعان في دستور واحد؟!


وكيف يصرح بإسلامية الدستور ونظام الدولة فيه جمهوري ديمقراطي علماني... الخ؟!


وكيف يكون النظام جمهوريا ديمقراطيا علمانيا.. ومرجعيته إسلامية؟! وكيف تكون مرجعيته إسلامية، والمادة الثانية فيه لا تجعل الإسلام ولا حتى مبادئه مصدرا وحيدا للتشريع؟!


ثم كيف يكون إسلاميا مستنبطا من الكتاب والسنة، وهو دستور توافقي مأخوذ من أفواه جميع أطياف الشعب؟!


ثم كيف يكون إسلاميا ينظم جميع علاقات الإنسان في الحياة ويطال بذلك المسلمين جميعا وغير المسلمين من كل لون وجنس، وهو في الوقت ذاته وطني خاص بمن يحمل الجنسية المصرية فقط؟!


ثم كيف يكون إسلاميا ويشارك فيه من لا يؤمن بالإسلام؟!


وليس من مردّ لهذا التناقض ورفع لتلك الغرابة، سوى القول بأن أمريكا بواسطة اللجنة التأسيسية تمارس الخداع والتضليل من جديد على جماهير أرض الكنانة، حينما تخدعهم بشعارات فضفاضة مفرغة من مضمونها، كالمرجعية الإسلامية، ومبادئ الشريعة، والمصدر الرئيسي للتشريع، ودين الدولة الإسلام، وبما لا يخالف الإسلام... كما فرغت من قبل شعار الإسلام هو الحل والقرآن دستورنا... وما فعلت ذلك إلا خوفا من غضبة الجماهير العريضة التي أخذت على المرشحين المواثيق والتي هتفت لتطبيق الشريعة الإسلامية في أكبر مليونيات الثورة.


ولا شك أن تلك الحفنة الشريرة من المتسولين على أعتاب الغرب دستورا استعماريا ديمقراطيا... أنهم سائرون إلى حتفهم، فالأمة لن تنفك واقفة لهم بالمرصاد، ولن ترضى إلا بجعل الإسلام مصدرا وحيدا للتشريع، فأهل الكنانة يصرون على جعل العقيدة الإسلامة أساسا وحيدا للدولة والدستور والقانون ولكل ما له علاقة بذلك من قريب أو بعيد، وبذلك يكونون المنارة التي تشع أنوارها على الأمة الإسلامية بأسرها، بل العالم أجمع، وتنال شرف السبق إلى رضوان الله ونصره.


ولا شك أن هؤلاء الذين يعكفون على صناعة الدستور بأيديهم كما كان أهل الجاهلية الأولى يصنعون أصنامهم بأيديهم زاعمين كذبا أنها تقربهم إلى الله زلفى، لا شك ستصيبهم قارعة أسلافهم على ما يقارفونه من إثم وما يهرفون به من مزاعم باطلة.

 

يوسف سلمان - مصر

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع