الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

مقالات رمضانية الشريعة الإسلامية ودساتير دويلات الضرار

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يتردد على ألسنة كثير من رجالات القانون في دويلات الضرار القائمة في العالم الإسلامي مصطلح خطير جدا مفاده: أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي من مصادر التشريع، كونه منصوصا عليه في معظم دساتير تلك الدول عربا وعجما، حتى أصبح هذا المصطلح - لكثرة ترداده على تلك الألسنة - من المسلّمات القانونية عندهم. وفوق ذلك فإنهم - وكثير من الناس معهم - يظنون أن ذلك مدحا للشريعة وتعظيما لها، كون كلمة "رئيسي" تفيد التعظيم والتوقير وإنزال الشيء منزلة رفيعة، ولم يعلموا أن ذلك هو الانتقاص بعينه من قدر الشريعة! إذ كونها مصدرا رئيسيا يعني بالضرورة أن هناك مصادر أخرى للتشريع عند المسلمين إضافة للشريعة الإسلامية. ويا ليتهم التزموا بقولهم هذا من الناحية العملية، وجعلوا الشريعة مصدرا رئيسيا كما زعموا، وسنوا القوانين تبعا لذلك، إذن لكان الإسلام اليوم يشكل فعلا مصدرا رئيسيا في التشريعات القانونية، ولما وجدنا من أحكام الإسلام غائبا إلا القليل القليل. ولكن الحال القانونية والتشريعية تظهر خلاف ذلك تماما.


أخرج الواحدي في كتابه: أسباب النزول، عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين، إنكم تقرأون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. فقال: أي آية هي؟ قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} فقال عمر: والله، إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، عشية يوم عرفة، في يوم جمعة. رواه البخاري ومسلم.


وإذا عدنا إلى المصطلح المذكور، فإننا نجد أن بطلانه ظاهر من وجهين:


1. إن الشريعة الإسلامية لا تحتاج إلى ما يكملها باعتبارها كاملة من عند الله الذي أنزلها. قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}. وكمالها يمنع من تغييرها أو تبديلها أو الإضافة إليها أو الحذف منها إلى يوم القيامة، فالكامل لا يحتاج إلى شيء مما ذكر.


2. إن غير الشريعة الإسلامية لا يمكن أن يكون أفضل منها لا كليا ولا جزئيا، فاستبدال شيء من خارجها بشيء منها كفر وباطل. قال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد"، رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها.


وقد أفضى هذا التفريط الكبير إلى زيادة المساحة التي يحتلها التشريع غير الإسلامي في دساتير تلك الدول وقوانينها، وصارت الشريعة الإسلامية مصدرا فرعيا أو ثانويا، ولا تكاد تُلحظ إلا في بعض قوانين الأحوال الشخصية. وأما المصطلح الصحيح فهو: "إن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع والقوانين والدستور".


إن هذه الآفة الدستورية والتشريعية قد وجدت في المسلمين بعد أن هدمت دولة الخلافة الإسلامية العثمانية، وتمكن الغرب من السيطرة عليهم، فوقعوا بين مطرقة النظام الرأسمالي الذي اجتاحهم وقلب موازين الحياة عندهم رأسا على عقب، وخصوصا في المجالات التشريعية والقانونية، وبين سندان الأنظمة الحاكمة التي ما فتأت تضلل المسلمين عن جادة الصواب، وتحرف مسارهم عن منهاج الشريعة الإسلامية الغراء. وقد نتج عن ذلك ضياع للمفهوم الصحيح بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع.


وهذا هو السبب الرئيسي، ولربما كان الوحيد، في شقاء الأمة الإسلامية وانحدارها عن مستواها اللائق بها. قال تعالى: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى}.


فاللهم عجل لنا بخلافتنا التي تجعل الشريعة مصدرا وحيدا للتشريع، وخلصنا من شرور الرأسمالية التي تفتري على الله الكذب.

 


عصام عميرة

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع