الإثنين، 23 محرّم 1446هـ| 2024/07/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

كيفية رعاية دولة الخلافة للتجارة الخارجية- الأستاذ ابو حمزة   

بسم الله الرحمن الرحيم

    لا شك أن التجارة الخارجية من الأهمية بمكان بحيث أصبحت من متطلبات حياة كل الشعوب ولا غنى لأية دولة عنها، فالشعوب لا تستطيع العيش بعزلة عن بعضها وحاجتها للآخرين لا مجال للاستغناء عنها، ومن هنا كانت التجارة الخارجية بقدر ما هي مصدر من أهم مصادر تنمية الثروة بقدر ما تلبي حاجيات الجماعة ومتطلباتها.

    والتجارة الخارجية عبارة عن عمليات البيع والشراء التي تجري بين الشعوب والأمم سواء أكانت بين الدول نفسها أو بين أفراد أو شركات من دولتين أو أكثر من الدول، فأية مبادلات تجارية مع الخارج تدخل في نطاق التجارة الخارجية. وللدولة - أية دولة - دور محوري فيها،  وفي حالات معينة تباشر الدولة منع إخراج بعض البضائع وتبيح بعضها، هذا بالإضافة إلى مباشرتها موضوع التجار بمن فيهم الحربيين والمعاهدين.

    والدولة الإسلامية تباشر التجارة مطلقاً وتباشر موضوع التجار من غير رعاياها، أما رعاياها فيكفي الإشراف عليهم لأنهم يعتبرون السياسة الداخلية لها. وبالمجمل فيمكن القول إن الدولة في الإسلام تنظم التجارة الخارجية وتشرف عليها، وتستخدم الدولة في عملها هذا المسالح التي تُعرف بأنها : مراكز على حدود الدولة لتفتيش التجار و للإشراف على التجارة.

    وأحكام التجارة الخارجية كسائر الأحكام الأخرى هي في الواقع خطاب من الشارع متعلق بالأفراد من حيث نظر الشرع لهم ولأموالهم. ومن هنا فهذه الأحكام ليست متعلقة بالتجارة من حيث هي تجارة، ولا بالمنشأ الذي أنتجها، وإنما متعلقة بالتاجر؛ لأن أحكام المال تابعة لمالك المال، وتأخذ حكمه.

    وهذا بخلاف النظام الرأسمالي، فحكم التجارة الخارجية فيه إنما هو للمال لا لصاحبه، فينظر إليه من حيث منشأ المال لا من حيث تابعية التاجر. وهذا هو الفرق بينهما، فالإسلام ينظر لمالك المال أي للتاجر بغض النظر عن منشأ المال، بينما نظرة الرأسمالية بخصوصها تعتبر المال ولا قيمة لديها للتاجر.

والتجار ثلاثة أصناف:  

    (1) رعايا الدولة سواء أكانوا مسلمين أم ذميين: ويتعلق بهم حالتين هما:

    أ)   إخراج التجارة من البلاد: في هذه الحالة لا يجوز لهم أن يحملوا إلى دار الحرب ما يستعين به أهل الحرب من الأسلحة والمواد الإستراتيجية التي تعينهم على حرب المسلمين؛ لأن ذلك يعتبر تعاوناً على الإثم والله تعالى يقول: )وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ(، أما حمل ما عدا ذلك فيجوز لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر ثمامة أن يمير أهل مكة وهم حرب عليه.

    والتجار المسلمين كانوا يدخلون دار الحرب للتجارة على مرأى ومسمع من الصحابة ولم ينكر عليهم منكر فكان ذلك إجماعاً. لذلك يجوز للمسلمين والذميين أن يخرجوا الطعام والمتاع خارج البلاد إلا أن يكون مما تحتاج إليه الرعية لقلته. ولكن ذلك خاص بدار الحرب المحاربة حكماً أما المحاربة فعلاً كإسرائيل فلا يجوز ذلك لا في طعام ولا في غيره؛ لأن ذلك يقويها.

    ب) إدخال التجارة إلى البلاد:  يقول تعالى: )وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ( وهذا عام يشمل التجارة الداخلية والخارجية ولم يرد نص يمنع ذلك لا تقييداً ولا تخصيصاً فيبقى على عمومه.

    (2)  المعاهدون:  ويعاملون وفقاً لنصوص المعاهدة المعقودة معهم في حالتي الإدخال والإخراج، ولكنهم لا يُمكنون من شراء السلاح وكل ما يستعان به على الحرب لأن ذلك فيه إعانة لهم، وهم وإن كانوا معاهدين فإنهم حربيين، إلا في حالة من حالات شراء السلاح الذي لا يؤثر ولا يصل إلى درجة الإعانة فالعلة هنا هي عدم إمداد العدو وإعانته فإذا عدمت العلة عدم الحكم.

    (3)  الحربيون:  وهم كل من ليس بيننا وبينهم معاهدات، وليسوا من رعايا الدولة الإسلامية فإذا كانت الحرب قائمة بيننا وبينهم يجوز أن نظفر بهم ونأخذ أسراهم، أما إن لم تكن الحرب قائمة فلا يجوز إلا إذا دخل الحربي بلادنا بغير أمان.

    أما بالنسبة لما يوضع على تجارات الحربيين فإنها تختلف باختلاف التجار لا باختلاف التجارة؛ لأن نظرة الإسلام ليست للتجارة من حيث المنشأ كما قلنا، وإنما هي من حيث كونها مملوكة للشخص. روى الدرامي وأحمد وأبو عبيد عن عقبة بن عامر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة صاحب مكس"، قال أبو محمد يعني عشاراً، والعشار هو العاشر الذي يأخذ يأخذ العشر على التجارة التي تأتي من الخارج. وعن إبراهيم بن مهاجر قال: سمعت زياد بن حدير يقول: "أنا أول عاشر عشَّر في الإسلام، قلت: ومن كنتم تعشرون؟ قال: ما كنا نعشر مسلماً ولا معاهداً، كنا نعشر نصارى تغلب" وفي رواية المعري قال: "تجار الحرب كما كانوا يعشروننا إذا أتيناهم".

 وهكذا فالتاجر المعاهد يُؤخذ منه الضرائب بحسب ما نصت عليه المعاهدة التي بيننا وبينهم.

وأما التاجر الحربي: فحكمه أن نأخذ منه كما تأخذ دولته من تجارنا. روي عن أبي مجلز قال: "قالوا لعمر: كيف نأخذ من أهل الحرب إذا قدموا علينا؟ قال: كيف يأخذون منكم إذا دخلتهم إليهم؟ قالوا العشر. قال: فكذلك خذا منهم".

فواقع التجارة الخارجية أن لها فائدة عظمى لما ينجم عنها من ربح حقيقي عظيم، والسبب الرئيسي لقيام التجارة الدولية هو الاختلاف في نسب تكاليف السلع المختلفة بين دولة وأخرى. ومن صالح الدول أن تقوم التجارة بينها، متى اختلفت فيها التكاليف النسبية، وهذا هو أهم أسباب نشأتها.

وأما إيجاد الأسواق الخارجية فأمر مهم جداً لأنه يعني تصريف الإنتاج وهو من أهم الأمور التي تزيد ثروة البلاد، ولهذا عُنيت الدول قديماً وحديثاً بإيجاد أسواق لمنتجاتها، بل إن بعض الدول قامت عظمتها عن طريق حماية تجارتها الخارجية وإيجاد أسواق لإنتاجها.

    لكن إيجاد الأسواق لتصريف الإنتاج وإن كان هدفاً من الأهداف لكنه ليس وحده الغاية، فهناك إلى جنبه أهداف أخرى مثل الحصول على العملة الصعبة اللازمة لنا لشراء ما يلزم للثورة الصناعية، والحصول على بضائع تلزم للثورة، فسياسة إيجاد الأسواق الخارجية تقوم على أساس تجاري صناعي وليس على أساس تجاري فقط، ولهذا لا يُهتم كثيراً بالميزان التجاري مع أي بلد من حيث كونه لصالحنا أم ليس لصالحنا، لأن الأساس الأول لهذه السياسة هو نشر رسالة الإسلام والهدى بين الناس.

    وأخيراً لا بد من إعادة بيان الفرق العملي تفصيلياً بين عقد الاتفاقيات مع الدول على أساس منشأ البضاعة، وبين عقدها على أساس رعوية الأشخاص ورعوية الأموال.

    ويبرز الفرق في أن الأولى فيها تحديد للكمية التي نستوردها والكمية التي نصدرها، وهذا يستلزم الإيجاب للتصدير والاستيراد، ولذلك فإنه إذا لم نستورد الكمية المتفق عليها يحصل نفور من تلك الدولة، وربما أدّى ذلك إلى تعكير العلاقات التجارية بينهما.

بينما الثانية فإنها تسمح للأشخاص والأموال التنقل بين البلدان بحرية وهذا يعني شرعاً حكم الإباحة، فإذا لم يحصل تصدير أو استيراد خلال هذه المدة فإنه لا يحصل شيء بين الدولتين لأن الاتفاق يقوم على الإباحة وليس على الوجوب.

    وهذا الأساس الشرعي الذي تلتزم به الدولة الإسلامية في علاقاتها التجارية وهو [رعوية التاجر] يفتح الطريق أمام تجارنا في البلدان التي نجد فيها تصريف بضاعتنا، وهذا يمكننا من الحصول على العملة الصعبة، والحصول على ما يلزمنا للثورة الصناعية، ويفتح الطريق أمام تجارنا لتنشط التجارة الخارجية بشكل عام وليس فتح الطريق أمام بضاعتنا فقط؛ لأن النشاط التجاري إنما يقوم به التجار مالكو البضاعة وليس البضاعة وحدها.

    فعقد الاتفاقيات التجارية في الدولة الإسلامية يجب أن يكون قائماً على أساس التجار لا على أساس منشأ البضاعة، كما يجب أن يُسمح للتجار والبضاعة بالتنقل بين البلدان بحرية، وبذلك فقط يحصل عمل عظيم من أعمال تنمية الثروة.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع