مقالة الاستعانة المعكوسة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
معلوم من الدين بالضرورة أن الاستعانة بالكفار حرام شرعا، حيث وردت آيات وأحاديث كثيرة تحرم الاستعانة بالكفار وموالاتهم والركون إليهم؛ ولذلك كان يعزف المسلمون عبر تاريخهم عن الركون للكفار أو الاستعانة بهم، فكانوا ينظرون إلى مسألتي الاستعانة والإعانة على أنهما حكمان شرعيان يجب التقيد بهما بأحكام الشرع، فكان المسلم عندما يقدم على مساعدة غيره من المسلمين أو أهل الذمة، يقدم على ذلك من باب رفع الظلم مثلا أو تقديم المشورة؛ حيث تضافرت النصوص التي تحث على ذلك؛ فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، فكان المسلم يقوم بمساعدة الآخرين ونصحهم تقربا إلى الله وطاعة له.
أما اليوم فقد خرج علينا البعض ليعكس الأمر جملة وتفصيلا، ويدعو لقبول المسلم المساعدةَ من الكفار مقابل تحقيق أهداف سياسية ترضي الأنظمة وعملاءها، وتوالي الغرب الكافر لتمكنه من بلاد المسلمين. فقد تطاول بعض علماء السلاطين في عصرنا على بعض النصوص بِلَيّ أعناقها لاستمراء التدخل الأجنبي وطلب العون منه، وخاصة الأمريكي، في بلادنا للسيطرة عليها ومنع إقامة أحكام الشرع الحنيف بدولة خلافة راشدة.
وبدل البحث والعمل لإنهاء حالة الضعف التي تعم بلاد الإسلام، وحل مشاكلهم حلا جذريا بإقامة خليفة يقاتل من ورائه ويتقى به ويساعد كل مسلم على وجه الأرض، أو تحريك الجيوش لنصرة المسلمين وتخليصهم من القتل والظلم، بدل كل هذا يلجأ علماء السلطان لتمكين الكفار من بلاد الإسلام بحجج واهية ومخالفة لشرع الله، مع علمهم علم اليقين أن أمريكا لا تعمل لصالح بلاد المسلمين أو غيرهم، فهم مصلحيون رأسماليون لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة؛ فأمريكا والغرب الكافر إنما يسعون دائما لخدمة مصالحهم الشخصية والحفاظ على أمن كيان يهود واستمرار تدفق النفط له، ومنع إقامة الخلافة الراشدة التي تجمع المسلمين. وعلى الرغم من ذلك أصدرت تلك الفتاوى التي لا ترضي الله ورسوله؛ حيث قال أحدهم في خطبة الجمعة "نشكرها "أمريكا" على كل حال وننتظر المزيد، فنحن نريد من أمريكا أن تقف وقفة رجولة وقفة لله".
لقد كان الكفار هم من يستعين بالمسلمين، وكان المسلمون يتدخلون لنصرتهم إحقاقا للحق وخدمة لدعوة الله ونشر دينه ورفع الظلم. أما اليوم فقد انعكس الأمر ليصبح الوضع الطبيعي أن يستعين المسلمون بالكفار، وباع علماء السلطان دينهم وآخرتهم بدنيا الحكام وأسياده الكفار.
فقد ورد عن السلطان سليمان - رحمه الله - نص الرسالة التي وجهها لملك فرنسا المأسور حيث استعان بالسلطان لفك أسره، وهذه رسالته للملك:
(بعناية حضرة عزة الله جلّت قدرته وعلت كلمته، وبمعجزات سيد زمرة الأنبياء، وقدوة فرقة الأصفياء محمد المصطفى عليه الصلاة والسلام الكثيرة البركات، وبمؤازرة قدس أرواح حماية الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وجميع أولياء الله.
أنا سلطان السلاطين وبرهان الخواقين، أنا متوج الملوك ظلّ الله في الأرضين، أنا سلطان البحر الأبيض والبحر الأسود والبحر الأحمر والأناضول والروملّي وقرمان الروم، وولاية ذي القدرية، وديار بكر وكردستان وأذربيجان والعجم والشام ومصر ومكة والمدينة والقدس وجميع ديار العرب والعجم وبلاد المجر والقيصر وبلاد أخرى كثيرة افتتحتها يد جلالتي بسيف الظفر ولله الحمد والله أكبر.
أنا السلطان سليمان بن السلطان سليم بن السلطان بايزيد.
إلى فرنسيس ملك ولاية فرنسا.
وصل إلى أعتاب ملجأ السلاطين المكتوب الذي أرسلتموه مع تابعكم (فرانقبان)، وأعلمنا أن عدوكم استولى على بلادكم، وأنكم الآن محبوسون، وتستدعون من هذا الجانب مدد العناية بخصوص خلاصكم، وكل ما قلتموه عرض على أعتاب سرير سدتنا الملوكانية، وأحاط به علمي الشريف على وجه التفصيل، فصار بتمامه معلوما. فلا عجب من حبس الملوك وضيقهم، فكن منشرح الصدر، ولا تكن مشغول الخاطر. فإننا فاتحون البلاد الصعبة والقلاع المحصنّة وهازمون أعداءنا، وإن خيولنا ليلا ونهارا مسروجة، وسيوفنا مسلولة، فالحقّ سبحانه وتعالى ييسر الخير بإرادته ومشيئته. وأما باقي الأحوال والأخبار تفهمونها من تابعكم المذكور، فليكن معلومكم هذا تحريرا في أوائل شهر آخر الربيعين سنة 932 من الهجرة النبوية الشريفة 1525 من الميلاد.
بمقام دار السلطنة العلية
القسطنطينية المحروسة المحمية)
فأين نحن من خلفاء المسلمين وعلمائهم الذين كانوا يرافقون الخلفاء في معاركهم ضد الكفار أو محاسبين لهم إن قصروا أو خالفوا؟! فكانوا وحدة واحدة لإحقاق الحق ونشر الدين، أما علماء اليوم، علماء السلاطين، في أوج عملهم ونشاطهم؛ حيث رضوا أن يكونوا أبواقاً للطواغيت الظالمين.. يبررون ظلمهم وكفرهم ويزينونهم في أعين الناس.. ويصبغون عليهم وعلى أنظمتهم الشرعية بعبارات الإطراء والولاء والفداء؛ وبذلك فقدوا دورهم القيادي المناط بهم في طليعة الأمة، ليصبحوا من التبع الذين ضلوا وأضلوا وأصبحوا شهّاد زورٍ لإحقاق باطل أو إبطال حق تقربا لأسيادهم الطواغيت الظالمين.. وطمعاً بالفتات الذي بين أيديهم أو طمعا في منصب زائل، فهم عقبة كأداء تمنع المسلمين من أن يستأنفوا حياة إسلامية راشدة على منهاج النبوة.
إن الاستعانة التي روج لها علماء السلطان وأسيادهم ما هي إلا استعمار جديد بوجه منمق، وحكمها معروف للقاصي والداني؛ فلا يجوز مطلقاً الاستعانة بالكفار وجيوشهم، حيث يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «لا تستضيئوا بنار المشركين»، والنار كناية عن الحرب، وفوق ذلك فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «لا فإنا لا نستعين بمشرك»، وقال أيضاً: «أنا بريء من كل مسلم قاتل مع مشرك»، فكل هذه الأحاديث من النبي عليه الصلاة والسلام تدل على أن إقرار أية معاهدة دائمة كاتفاقية إستراتيجية مع الكفار حرام قطعاً؛
إن الاستعانة بالدول الكافرة المستعمرة لحل مشاكلنا أمر كبير وشر مستطير، وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، وتوجبون بها عليكم غضب الله القوي العزيز، فالله سبحانه يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا)؛ فالاستعانة بالتدخل العسكري من الكفار، أو حتى باستشارتهم في أحكام مشاكلنا، هو كبيرةٌ محرَّمة لا تصح ولا تجوز.
وقد أثبت الواقع المرير لأمة الإسلام في عصرنا الحالي كيف أن تدخل أمريكا ودول الكفر قد جلب الدمار والخراب والقتل والتشريد لأبناء المسلمين أينما تدخلوا، فها هي أفغانستان والعراق والصومال وكوسوفا... وغيرها شاهدات على ذلك.
أفبعد كل هذا يخرج علينا من يريد الاستعانة بالكفار أمريكا ومن لف لفها؟!
قال تعالى: (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ)، هذه حقيقة قرآنية جدير بنا نحن المسلمين في كل زمان وفي كل مكان أن نعيَها ونعلّمَها لأبنائنا، ولنعلم أن النصر بيد الله لا بيد أمريكا والكفر.
قال تعالى: (إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الله فضل