الثلاثاء، 24 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

مقالة فرعونية بملامح جديدة

بسم الله الرحمن الرحيم


منذ أن خلق الله آدم وأنزله إلى الأرض وحتى قيام الساعة والبشرية تمر بها حالات فرعونية شيطانية، وإن اتفقت في الأسس التي تقوم عليها، إلا أن لكل حالة ملامحها الخاصة تتميز بها عن غيرها.


- ومن القواسم المشتركة:


1- التنكيل بحملة دعوة الحق:


لعل أبرز قاسم مشترك يجمع بين فرعون موسى وكل الفراعين، هو التنكيل بكل من يقف في وجهوهم، ﴿فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم، وما كيد الكافرين إلا في ضلال، وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه. إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد﴾ [غافر:25-26]. هذا ما قام به فرعون موسى، وهذا ما قام به النمروذ، فرعون عصر سيدنا إبراهيم، ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء:68]، وها هم أصحاب الأخدود فراعنة باسم آخر، ينكِّلون بالمؤمنين تنكيلا عظيما، ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [البروج]، وهذا ما يقوم به فراعنة العصر الحديث: يقتلون حملة الدعوة في أوزبكستان والعراق وسوريا ومصر وينكلون بهم تنكيلا شديدا.


2- التضليل:


لا يقوم الفراعنة بالتنكيل بالدعاة ولا يستخدمون وحشيتهم، إلا بعد أن يقوموا بتغطية إعلامية، ليبرروا جرائمهم وسفكهم للدماء أمام العامة، بحجة أنهم "إرهابيون" و"متعصبون"و "متطرفون" و"أصوليون"، وأنهم "متآمرون على النظام والدولة"، ينفذون أجندات خارجية، "عملاء" يريدون تغيير النظام بقوة السلاح، وكأن هؤلاء الطواغيت لم يتربعوا على عروشهم بانقلابات عسكرية، ولم يأتوا على ظهور الدبابات. انظروا معي كيف يضلل فرعون قومه بادعاءاته الكاذبة: ﴿قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ﴾ [طه:63]، وهذا هو دأبهم مع أنبياء الله، ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ [سبأ:43]، ومع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ادَّعوا أنه مجنون، وأنه كاهن، وأنه شاعر يتربصون به ريب المنون، ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور:30]، وأن ما جاء به ما هو إلا أساطير الأولين، ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ، فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ، إنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ، سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ [المدثر:18-26].


3- غسل أدمغة أتباعهم:


﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاّ َسَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ [غافر:29]، هذه الآية الكريمة تلخص واقع كل فرعون أثيم منّاع للخير، لا يملك أية حجة مقنعة بالدليل، فتراه يسوق من يتبعه معصوب العينين، لا يرى حقا إلا ما يقرره له فرعونه أنه الحق، ولا يرى باطلا إلا إذا زرع فرعونه في عقله أن هذا هو الباطل بعينه، فترى من يسير خلفه ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً، ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءًۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة:171]، وهكذا يحاول فرعون تعطيل العقول حتى لا تدرك الحقائق، فتراه يغلق كل منفذ يمكن أن تتسرب منه الحقائق، ويقطع لسان كل من ينطق بحق، ويضرب هنا ويبطش هناك، ويوحي إلى أتباعه أن ضعوا أصابعكم في أذانكم واستغشوا ثيابكم عن كل ما يمكن أن يشوش عليكم ما أريكم إياه. هكذا كل فرعون في كل عصر.


4- التهديد والوعيد:


إذا شعر الفرعون بالهزيمة للحظة فإنه يبدأ بالتهديد والوعيد، والويل والثبور وعظائم الأمور، ويخوف الناس باستعمال كل أدوات البطش، لعله يحظى بتراجع ولو قليل من حملة الدعوة عن دعوتهم، ألم يفعل ذلك فرعون مع سيدنا موسى عندما فقد أمامه الحجة والبرهان، فأرعد وأزبد، ﴿قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء:29]، وهذا ما فعله قوم شعيب عليه السلام، ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًاۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾ [هود:91]، وهُدّد لوط بالطرد من بلده، ﴿قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾ [الشعراء167]، كما هُدد نوح بالرجم، ﴿قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ [الشعراء:116].


5- الاستعانة بالسحرة والمشعوذين:


لا بد من أن يلجأ فرعون لسحرته، ليزينوا للناس باطله، وليسحروا أعين الناس ويسترهبوهم، ففرعون بدون سحرته ساقط لا محالة من أول نزال بينه وبين حملة الدعوة من الأنبياء وأتباعهم في كل زمان ومكان، فالسحرة بسحرهم يطيلون في عمره لبعض الوقت، لأن هناك الكثير ممن يُفتنون بسحرهم، ولا يرون باطلهم إلا بعد فوات الأوان تماما كفرعونهم، ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس:90]، وفي عصرنا الحاضر لا زال فرعون هو فرعون لم يتغير، يستعين بإعلام خبيث ليشوه الحقائق ويزيفها، ويلقي التهم جزافا هنا وهناك، فإذا بالظالم ينقلب إلى مظلوم، والمظلوم يصبح ظالما يستحق السحل والقتل والحرق، وإذا بالحق يصبح باطلا والباطل يمسي حقا، وإياك ثم إياك أن تناقش أو تجادل، وإلا فأنت مغضوب عليك، وأنت مضلل ومعصوب العينين، لا تفقه ما تقول، بل تقول ما يملى عليك. إنه الباطل ينتفخ وينتشي في ظل عصر العولمة، إذ الإعلام له أثر السحر، وللأسف الشديد يهيمن عليه ويسيطر عليه الكافر المستعمر وأزلامهم في مصر والعالم الإسلامي... فراعنة هذا العصر!
- ملامح خاصة تَميز بها فراعنة هذا العصر.


لقد تفوق فراعنة هذا العصر على فراعنة العصور السابقة، مما يجعلهم يستصغرون شأنهم إذا قاسوا أنفسهم بما يقوم به فراعنة اليوم، لقد تفوق التلميذ على الأستاذ كما يقولون، وهو تفوق مذموم لأنه يزيدهم شيطنة وتجبرًا.


1- عدم قبول الحوار مع الخصم:


نعم، هي كلمة صدق قالها ذاك الغلام الذي حاور الحجاج حوارا عجيبا، ولكنه لم يعجب جلساء الحجاج، فأشاروا عليه بقتل الغلام، فرد الغلام قائلا: جلساء فرعون خير من جلسائك، فقال الحجاج، ولم؟، فرد عليه الغلام قائلا: جلساء فرعون ﴿قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ، يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ﴾ [الشعراء:36-37]، وجلساؤك يقولون اقتله، وكأن هذا أصبح دأب كل متجبر في هذا العصر، فقد فاقوا فرعون ولم يرضوا بمجرد حوار بين طرفين، فتواجه الحجة بالحجة، والبرهان بالبرهان، لقد صموا آذانهم ولم يقبلوا حتى بمجرد النقاش! علهم يثوبون إلى رشدهم فيدركوا أين الحق والحجة الدامغة، فينحازوا لها أو على الأقل يتركوها تطرق مسامع الناس، ولكنهم ما رضوا إلا بأن يسمعوا لأنفسهم وشياطينهم فحسب، فتعسا لهم!


2- الاستعانة بعدوهم على شعوبهم:


ما كان فرعون ليستعين بعدوه على شعبه، ولكن فراعنة هذا العصر يلجئون لأمريكا لينتصروا بها على شعوبهم، فتقتل أمريكا بطائراتها، بطيار وبدون طيار، وتستبيح الأرض والسماء، ثم تعود آمنة مطمئنة إلى قواعدها بعد أن تكون قد قتلت وهدمت ودمرت، أو يستعينوا بجيوش أمريكا لفرض هيمنتها المباشرة على شعوبهم، التي لم يكن لها جرم إلا أنها أرادت أن تعيش في ظل إسلامها، وقبل هذا وذاك يتعاونون مع مخابراتها في تعذيب أبناء شعوبهم بأحدث آلات التعذيب، نعم! لقد فاقوا فراعنة الأزمان الغابرة بقهرهم لشعوبهم وإذلالهم لها حتى يرضى عنهم سيدهم المطلق وإلههم الأعظم.... العم سام!


3- الاستخفاف بالخصم:


لم يستخف فرعون وملؤه بداعي الحق ونبي الله موسى، بل عرفوا له قيمته وقدره، وعلموا أن له قدرات عجيبة، تحتاج أن يجمعوا كل قواهم، ويأتوا بكل سحار عليم، فلم يكتفوا بأن يجلبوا كل ساحر عليم، بل احتاجوا لكل سحّار عليم، أي الأصيل في سحره المحترف لمهنته المتمكن منها لكثرة ما يأتيه من السحر، بينما فراعنة العصر لا يقدِّرون خصومهم، أصحاب دعوة الحق التي تجعل منهم جبالاً شامخة، إيمانهم قوي وحجتهم بالغة.


أما سحرة اليوم الذين يستعين بهم فراعنة العصر لإضلال الناس وضرب دعوة الحق، فليسوا سوى زمرة من المنتفعين الساقطين، ينعقون بما يسمعون، متهافتة آراؤهم، ساقطة حجتهم، ليسوا إلا أبواقا للكافر المستعمر، يحفظون جُمله وألفاظه، ويرددونها دون أن يعوا منها شيئا أو يقفوا على حقيقتها، فتراهم يتساقطون صرعى لا يلوون على شيء، قلوبهم فارغة ونفسياتهم مريضة، لا يجيدون سوى الصراخ والعويل، والتطبيل والتزمير، يتبرءون مما يقولون، لو شعروا للحظة أن فيما قالوا إغضاب للزعيم، منافقون متلونون كالحرباء، قاتلهم الله أنَّى يؤفكون!


وفي النهاية، سيكون مصير كل فرعون وهامان جديد هو نفسه مصير فرعون وهامان القديم، في وادٍ سحيق! غير مأسوف عليهم! تلعنهم الأجيال القادمة في كل وقت وحين! وسينتصر دعاة الحق، كما انتصروا عبر التاريخ الطويل.


﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص:5-6]

 

 

 

شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية مصر

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع