حكام السودان وخلفاء المسلمين ومواقف العزة بين الادعاء والحقيقة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أوردت جريدة الصحافة العدد (7221) أن الإدارة الأميركية رفضت منح الرئيس عمر البشير تأشيرة الدخول لأراضيها، وقال السودان إن أميركا فشلت في الإيفاء بالتزاماتها بمنح الرئيس البشير حتى الخميس تأشيرة الدخول اللازمة للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة كما نصت اتفاقية المقر الموقعة مع البلد المُضيف بتاريخ 14 ديسمبر 1946.
وعممت بعثة السودان الدائمة لدى الأمم المتحدة مذكرة احتجاج شديدة اللهجة بشأن عدم تمكن الرئيس البشير من المشاركة في فعاليات الجمعية العامة للأمم المتـحـدة.
وردّت واشنطن، على لسان ماري هارف، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، بأنه "يتعين على البشير قبل أن يتوجه إلى مقر الأمم المتحدة أن يسلم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي التي أعلنت لائحة الاتهام بحقه".
وكانت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة سامانثا باور قالت يوم الاثنين إن واشنطن تلقت طلب البشير الحصول على تأشيرة دخول ووصفت هذه الخطوة بأنها "مؤسفة وتبعث على السخرية وغير ملائمة تماما".
وكانت دعوة البشير إلى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أثارت مشاعر الغضب بين نشطاء حقوق الإنسان. وقالت رسالة وقعها أكثر من 20 من النشطاء "إنه أمر لم يسبقه مثيل أن يسافر شخص إلى الولايات المتحدة وتطلب المحكمة الجنائية الدولية اعتقاله فيما يتعلق بجريمة الإبادة". وأضافت الرسالة "إننا ندرك أن الحكومة الأميركية ملزمة بتسهيل زيارة الرئيس البشير بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لكننا نحثكم على بذل كل ما في وسعكم لمنع هذه الرحلة".
وقال البشير، في مؤتمر صحفي، مساء الأحد بالخرطوم، أنَّ حضوره لاجتماعات الجمعيَّة العامة للأمم المُتَّحدة من حقه. وقال إنَّ طلبه التأشيرة من الولايات المتحدة جعل من واشنطن محاصرة في زاوية، لأنَّ القانون يكفل له ذلك. وأبان أنَّه تمَّ منحه تصريح طيران حتى المغرب، كما أنَّه تم حجز الفنادق في نيويورك.
وتنص اتفاقية العام 1947 على أن السلطات الأمريكية يجب ألا تفرض أية عراقيل أمام الانتقال من وإلى مقر الأمم المتحدة من قبل ممثلي الدول الأعضاء. ولكن على الرغم من هذه الاتفاقية التي ضربت بها الولايات المتحدة عرض الحائط، رغم أنها ليست طرفا في محكمة الجنايات الدولية؛ مما يؤكد أن الاتفاقيات الدولية مجرد حبر على ورق، يُلتزم بها حينًا وتُترك حينًا آخر عندما يتطلب الأمر ذلك؛ مما يدل على ضعف هذه الاتفاقيات، وأنها مجرد أوراق سياسية يتلاعب بها، وهذا الشأن حدده الله عز وجل منذ أربعة عشر قرناً عندما أنزل على نبيه الخاتم صلى الله عليه وسلم سورة البقرة من أعظم سور القرآن، وقد استغرق وصف حال بني إسرائيل أكثر من 100 آية، ولم يكن ذلك من باب التسلية القصصية أو الترف الإخباري؛ بل كان لحكم وغايات عظيمة، من أهمها: أن يعتبر المسلمون من حال بني إسرائيل، وألا يكونوا مثلهم، ولا يسيروا بسيرتهم.
وكان مما انتقده القرآن على اليهود نقضهم العهود، كما قال تعالى: (( أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ))[البقرة 100]. فهل ترجو حكومة السودان من أمريكا الوفاء باتفاقية المقر بعد هذا البيان من رب أمريكا!!!
أما هذه العنترية الزائفة التي تستخدم للاستهلاك المحلي وفي غير موضعها فإنها لم تزد حال البلد إلا سوءًا؛ فمن شعار (يا أمريكا أختينا قمحنا كتير بكفينا) وجدنا أنفسنا وأمريكا راعية لمصالحنا في اتفاقية الشؤم نيفاشا حتى مزقت البلد وسقتنا كأس المنايا ألوانا.
إننا فعلا نحتاج لبطولات، ولكن بطولات حقيقية تري أمريكا منا ما يحزنها، وليس بالتزامنا باتفاقياتها الباطلة شرعا، ولا بتأليب الدول الأعضاء الذين يسيرون في ركابها، ولا بخطابات التحدي لها رغم ارتباطاتنا بالاتفاقيات معها، إنما بدولة مبدئية تطبق الإسلام وتحمله لهداية البشرية إنقاذًا لهم من ضلالهم وضعفهم الأخلاقي بعدم الالتزام بالعهود كما كان سلفنا الصالح. وها هو هارون الرشيد يسطر له التاريخ بطولة حقيقية في مواجهة العدو. "من نقفور ملك الروم إلى ملك العرب، أما بعد فإن الملكة إيريني التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ (طائر كبير يشبه النسر)، وأقامت نفسها مقام البَيْدق (طائر صغير)، فحملت إليك من أموالها، ما كنت حقيقًا بحمل أضعافه إليها، ولكن ذاك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وافتدِ نفسك، وإلا فالحرب بيننا وبينك".
فلما قرأ هارون هذه الرسالة ثارت ثائرته، وغضب غضبًا شديدًا، وكتب على ظهر رسالة الإمبراطور: "من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام".
وخرج هارون بنفسه في 183 هـ، حتى وصل هرقلة واضطر نقفور إلى الصلح والموادعة، وحمل مال الجزية إلى الرشيد كما كانت تفعل إيريني من قبل، ولكنه نقض المعاهدة بعد عودة الرشيد، فعاد الرشيد إلى قتاله في عام 188هـ وهزمه هزيمة منكرة، وقتل من جيشه تسعين ألفا.
كما نحتاج أيضا لاسترجاع هيبة المسلمين عند الكفار أعداء الله، ليس بالخضوع لأممهم المتحدة وشرعتهم الظالمة التي تنظر الآن للمسلمين يذبحون ويقتلون في كل مكان ولا تحرك ساكنا، بل بإرساء نظام عالمي يسوده العدل ونصرة المظلوم كما استعان ملك فرنسا بالخليفة سليمان القانوني لوقف مجازر الشارلكون رغم ما تتمتع به فرنسا من ثقل كاثوليكي.
كما نحتاج أن يكون لحكامنا مكانةٌ تليق بهم كمسلمين، ويخاطبون بأسمى العبارات كما في خاتمة هذه الرسالة المعبرة لمكانة أمير المسلمين الأندلسي هشام الثالث، في ذلك الوقت أرسل الملك جورج الثاني ملك إنجلترا ابنة أخيه الأميرة دوبانت ورئيس ديوانه على رأس بعثة مكونة من ثماني عشرة فتاة من بنات الأمراء والأشراف إلى أشبيلية لدراسة نظام الدولة والحكم وآداب السلوك الإسلامي. ولقد أرسل رسالة معها هذا نصها:
من جورج الثاني ملك إنجلترا والبرتغال والسويد والنرويج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام، وبعد التعظيم والتوقير فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أربعة أركان، ولقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة دوبانت على رأس بعثة من بنات أشراف الإنجليز تتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وحماية الحاشية الكريمة وحدب من اللواتي سيتوافرون على تعليمهن. ولقد أرفقت مع الأميرة الصغيرة هدية متواضعة لمقامكم الجليل أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص.
من خادمكم المطيع جورج ملك إنجلترا
كتاب (العرب عنصر السيادة في القرون الوسطى) للمؤرخ الإنجليزي السير جون دوانبو..
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم أواب غادة عبد الجبار