من وحي الهجرة النبوية الشريفة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
طلع البدر علينا .... من ثنيات الوداع .....وجب الشكر علينا....... ما دعى لله داع ......أيها المبعوث فينا .....جئت بالأمر المطاع .... جئت شرفت المدينة ..... مرحبا يا خير داع .
نشيدٌ هتف به أهل يثرب وهم يستقبلون سيد المرسلين والخلق أجمعين
من مكة أقبل عليهم .......مكة ....التي رفض أهلها بكل صلف وجحود رفضوا دعوة الحق .... وتطبيق شريعة الحق .... وإقامة دولة الحق .
طلع البدر علينا .... كان ترديد أهل المدينة وهم يرون الرحمة المهداة تطأ قدماه أرضهم ... وتستعد لإقامة حكم الله في بلادهم .....هتفوا بها ولسان حالهم يقول :
بقدومك حل النور فأضاء عقولنا وقلوبنا وبصائرنا .....فأعاد اللحمة بين الأهل فحلت محل الفرقة والبغض ..... أنهى عهدا طويلا من العداء والصراع وقطع الأرحام وإراقة الدماء .....والسير وراء نصائح الأعداء .... فلا تأثير ليهود علينا بعد اليوم .... وسنكون معا يداً على من سوانا من الكفار وأعداء الدين ...... طلع البدر علينا فحول يثرب إلى المدينة المنورة بنور الإسلام العظيم ....ونور رسوله الأمين.
من ثنيات الوداع ...... تلك البقعة التي خلدها التاريخ .... ما أن عبر منها النبي الأعظم إلى الحاضنة الأمينة, التي سيبدأ فيها عهد جديد ونظام سياسي فريد لم ولن يشهد له التاريخ مثيلا .... فنعم المكان الذي يستحق الخلود في الذاكرة ... ثنيات الوداع ... بما يحمله ذكرها من أريج النصر والتمكين.
وجب الشكر علينا .... ما دعى لله داع .... نعم إنه حق وواجب ليس فقط على الأنصار من أهل المدينة بل على كل مسلم هدي إلى الإسلام أن يحمد الله تعالى، ويشكر فضله ....... إذ أرسل إلينا داعي الحق فأخرجنا من الظلمات إلى النور من الجاهلية إلى الإسلام ..... الحمد والشكر لله الذي كلف المسلمين بحمل دعوة رسوله يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ليكملوا نشر رسالته للعالمين، كيف لا وهم في كل حملة يفتحون بها بلاداً من بلاد الكفر، يفتحون لأهلها أبواب التوبة عن الكفر والاستظلال بظلال الإسلام: دولته وأحكامه ... فالإسلام دعوة عالمية لا توقفها حدود ولا سدود وهو مفتاح السعادة والهناء للبشرية، بدونه تعاني الشقاء والويلات.
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع ..... واضح فيها وعي الأنصار رضوان الله عليهم على حقيقة الدعوة الإسلامية ...... فهي ليست إيماناً بحقائق مجردة ....بل إيمان مقترن بالعمل .... فلا تبرأ ذمتنا بشكر الله على هدايته لنا للإسلام، بل علينا واجب الطاعة والإنقياد لأوامره ونواهيه التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم ..... فبالإيمان والطاعة نستحق الرحمة والمغفرة من لدن رحيم غفور.
جئت شرفت المدينة ..... مرحبا يا خير داع .....قد يخطر بالبال أن المدينة هي صاحبة الفضل على النبي صلى الله عليه وسلم .... فهي من تعهد بإيواء الرسول وصحابتة ... وحماية الدعوة وأهلها .... وتمكين النبي صلى الله عليه وسلم من إقامة دولة الإسلام لتطبيق أحكامه وحمل دعوته ..... لكن الأنصار رضوان الله عليهم ... رأوا الأمور على حقيقتها، فعرفوا فضل الله ورسوله ....فالشرف موصول بالإسلام ورسوله .... وهم قد نالهم هذا الشرف إذ آمنوا بالإسلام واحتضنوا رسول الإسلام وفتحوا بلادهم لتكون نواة دولة الإسلام ومنطلقاً لدعوته، .... فالشرف كل الشرف أن تتحرر من عبادة العباد وتخلص عبوديتك لله رب العباد ...
أخواتي الكريمات :
كانت الهجرة عند الأنصار رضي الله عنهم نور وميلاد وشرف ... فأحسنوا استقبال المهاجرين ورفادتهم .... وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل نصرتهم وإقامة الصرح الذي كانت الهجرة من أجله .... صرح دولة الإسلام ....
وكانت عند المهاجرين، إحقاقا للحق، وإقامة للعدل، شرفاً وعزاً بعد ظلم وجور .... فانخلعوا من أموالهم وأملاكهم بل وأبنائهم وأهليهم ..... وهجروا الأوطان والديار لينالوا شرف بناء دولة الحق والمجد.
أما عمر بن الخطاب الخليفة الثاني والذي أجرى الله تعالى الحق على لسانه، كما روى أبو داوود في سننه عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ يَقُولُ بِهِ فلم يجد في تاريخ المسلمين يوما أشرف من يوم الهجرة يبدأ به التأريخ الإسلامي .....رغم كثرة الأيام المشرقة العظيمة في حياة المسلمين .... فيوم ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يوم عظيم ....ويوم الفرقان ...يوم موقعة بدر التي أعلت شأن الثلة المؤمنة وأذلت الكفر وأهله ....يوم عظيم ....... ويوم عقد الرسول صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية مع قريش كان يوما عظيما .... فقد حيد القوة العظمى المعادية للإسلام، وخلي بين النبي وباقي قبائل وكيانات ودول العالم ... يرسل لهم ويدعوهم للإسلام.
ويوم فتح مكة ... آخر معاقل الكفر وأعداء الدين في الحجاز.....يوم عظيم عظيم ...وغيرها وغيرها الكثير الكثير ......
لكن يوم الهجرة ..... يوم وصول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة .... وإعلان إقامة دولة الاسلام .... فيوم لا يدانيه يوم في الشرف والرفعة والعز
فمنذ ذلك اليوم .... عاش المسلمون في طمأنينة وأمان .... في سعادة وهناء .... في عز وكرامة وسؤدد .......يعبدون الله، ويقيمون أحكامه، فلا ينغص عليهم عبادتهم أحد، ولا يعرقل تطبيق أحكامه بشر ..... يدعون إلى الله فينصرهم ويفتح على أيديهم البلدان وتدين لهم الممالك .......يسعدون برعاية ربهم وعنايته ....ويفرحون بهداية كل من خرج من الظلمات إلى النور على أيديهم وآمن بالله الرحيم الغفور فأعتق من النار ووعد الجنة.
هذه هي الهجرة عند المسلمين الأوائل: مهاجرين وأنصار، حكامٍ ومحكومين ...... فماذا تعني الهجرة للمسلمين اليوم، وكيف يفهمونها .... ويحيون ذكراها في زمن هدم فيه صرحهم الذي كانت الهجرة من أجل بنائه .... وفقدو الأمن والأمان الذي عاش في ظله أجدادهم، اليوم .... وقد انتكس المسلمون ففقدوا مكتسباتهم ووقعوا تحت رحمة أعدائهم دول الكفر وعملائهم من حكام الجور الذين يمعنون في إذلال شعوبهم بتركهم لقما سائغة لأعدائهم يسجنون ويعذبوب ويقتلون ويشردون .... بل إن هؤلاء الحكام باتوا مؤخراً لا يكتفون بإطلاق أيدي يهود والهنود والصينيين والروس والأمريكيين ليقتلوا المسلمين بل تولوا هم أنفسهم هذه العمليات القذرة فراحوا هم يقتلون شعوبهم، في سوريا ومصر والعراق وليبيا واليمن وباكستان وأفغانستان وأوزباكستان وطاجيكستان وسائر بلاد المسلمين بتهمة الإرهاب والتطرف والتخريب ... ولا من منقذ لأبناء هذه الأمة المسكينة ولا مغيث، وتستصرخ الحرائر الثكالى والأرامل والأيتام والشيوخ ... ولا من معتصم ولا غيورٍ يسمع أو يجيب، تغتصب بلاد المسلمين فلا نورَ الدين زنكي ولا صلاحَ الدين، وتعتدي على أهلنا في فلسطين يهود فيعانون من إجرامهم وحقدهم وغدرهم...... فيقتلون ويهدمون ويفجرون ويقصفون، فتخرج الأمة معلنة تضامنها معهم، مطالبة بفتح الحدود لتزحف لنصرتهم، فما يكون من حكامها المتخاذلين سوى تسخيرِ علمائهم المأجورين ليقنعوا الأمة أن كل ما يحتاجه إخوانهم منهم هو التبرع بالمال والطعام والدواء ....وكأن لسان حال أولئك الزعماء يقول ليهود: اهدموا ونحن من ورائكم نبني ونعمر .... أقتلوا ونحن ندفن ...إجرحوا ونحن نطبب ، فهل كان هذا رد الرسول صلى الله عليه وسلم على اعتداء بكر على خزاعة ....أم أنه كان فتحاً مبيناً لمكة المكرمة؟ أوهذا كان رده صلى الله عليه وسلم على امرأة استنجدت حين اعتدى عليها يهود بني قينقاع في سوقهم .أم أنه كان إجلاءً ليهود عن أرض المدينة .... أم تلك التي استنجدت بالمعتصم فكان رده فتح أعظم حصن عندهم ....أو المنصور الذي كان عائداً لتوه من المعركة حين تعرضت له امرأة مكلومة قائلة يا منصور كل الناس مسرور إلا أنا، فلم ينزل عن فرسه حتى أعاد لها ابنها الأسير لتفرح بالعيد كما يفرح باقي المسلمين، أو الحجاج الذي أرسل جيشا عرمرما بقيادة محمد بن القاسم لنجدة امرأة مسلمة استنجدت به فوصلته استغاثتها من باكستان أو أو أو فما اكثر المواقف المشرفة في تاريخ المسلمين حين كان لهم دولة عزيزة على رأسها خليفة يعرف كيف تكون الرعاية الحقة .
فهل يعي المسلمون اليوم أن الهجرة كانت فاتحةَ عز وكرامة .... ومجد ورفعة .... وأن هدفها كان إقامةَ دولة تورف ظلالُها على المسلمين فتحميهم وترعاهم وتقودهم إلى سعادة الدارين؟
هذا المفهوم للهجرة هو الذي يجب أن يسود في الأمة وهي تحيي هذه الذكرى التليدة .... لتكون حافزا لها لإعادة بناء الصرح الذي بناه المهاجرون جنباً إلى جنب مع إخوانهم الأنصار، فعزوا جميعاً وسادوا وملأوا الأرض نوراً وعدلا، استنصر بهم الضعفاء فلبوا ..... واعتدى عليهم الباغون فأُدبوا ..... دانت لهم الدنيا فبنوا وعمروا، جربوا فاخترعوا وطوروا وصنعوا، بحثوا ونقبوا فاكتشفوا وقدموا للإنسانية ما لم تحلم به من الأفكار والعلوم والمعارف، وإن عودة دولة الإسلام: الخلافة لتؤذن بعودة ذلك المجد التليد والعز الأكيد للمسلمين وعودة الطمأنينة والأمان للإنسانية أجمعين.
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) ... سورة النور
كتبته للإذاعة: أم عبادة