خبر وتعليق الاقتصاد في لبنان اقتصاد الحيتان والزعماء واللصوص
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الخبر:
في لبنان أقفلت المدارس أبوابها وامتنع الموظفون الرسميون عن ممارسة عملهم يوم الثلاثاء 2014/4/29 بقرار إضرابٍ من هيئة التنسيق النقابية التي تطالب السلطة بإقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة للموظفين الرسميين ترفع أجورهم. وفي اليوم التالي (الأربعاء 4/30) أضرب العمال بقرار من الاتحاد العمالي العام عن العمل رفضًا لزيادة الضرائب على ذوي الدخل المحدود.
التعليق:
إن مسألتي الرواتب والضرائب هما جزء من حركة المال والاقتصاد في البلاد، ولا يجوز أن يُنظر إليهما بمعزل عن النظام الاقتصادي والسياسة الاقتصادية.
ويفترض بهما كذلك أن يكونا جزءًا من خطة اقتصادية للبلاد. فإن كانت البلاد تعاني من الركود الاقتصادي وجب أن تكون جزءًا من خطة تهدف إلى تحريك عملية الاقتصاد، أو على الأقل لا تتعارض معها، وإن كانت البلاد تعاني من أزمة ديون وجب أن توضع خطة للتخلص من هذه الديون أو تخفيضها، وإن كانت الخزانة العامة تعاني من نقص في الموارد فيجب أن تأتي ضمن خطة لزيادة موارد الخزانة التي يفترض أن تُصرف أموالها على رعاية شؤون الناس.
إذا نظرنا في الحالة الاقتصادية اللبنانية سنجدها غاية في التعقيد. فهي فوق كونها تعاني من أزمات الاقتصاد الرأسمالي المستشري في العالم كله حالياً فإنها تعاني أكثر من ذلك بكثير من سياسة الفساد والهدر التي تتفاقم بتفاقم الأزمة السياسية للكيان اللبناني.
أما عن معاناة الاقتصاد اللبناني من النظام الرأسمالي، فإن النظام الرأسمالي بطبيعته يؤدي إلى تركيز الثروات بين فئة قليلة من حيتان المال الذين تمكَّنوا بفضل هذا النظام من الاستحواذ على معظم ثروات البلاد. إذ لا يضع النظام الرأسمالي ضوابط أو قيودًا تُذكر على تنمية الثروات الضخمة التي يملكها الرأسماليون، بل يفسح المجال لأنواع العقود والمعاملات التي تؤدي إلى مزيد من تركيز الثروة في أيديهم، ومن أبرز هذه العقود عقود الربا المتمثلة في البنوك وعقود الشركات المساهمة.
كما أن اللعبة الديمقراطية المتحالفة مع النظام الرأسمالي تفسح المجال أمام حيتان المال ليستخدموا أموالهم ونفوذهم للوصول إلى المناصب السياسية بحيث تكون السلطة التشريعية ممثِّلة لهم، وإن تَوهَّمَ الناس أنها تمثلهم، وكذلك تكون السلطة التنفيذية أداة بيد هؤلاء الحيتان لتحقيق مصالحهم.
فمجلس النواب يشّرع القوانين التي تناسبهم وتحقق مصالحهم، والسلطة التنفيذية، ولا سيما جزؤها المتحكم بالقرار المالي، تنفق جزءاً كبيراً من الخزانة العامة على مشاريع تَدفع بالأموال العامة إلى جيوبهم، فالرأسماليون هم الحكام، أو - على الأقل - الحكام هم جزءٌ منهم، ومن هنا تأتي القرارات الرسمية التنفيذية والتشريعية لصالح حيتان المال. وعليه لم يكن من قبيل الصدفة أن أرباب العمل وأصحاب المؤسسات المالية والمصارف هم الذين وقفوا في وجه مطالب الموظفين بزيادة الرواتب، يؤازرهم من يمثِّلهم داخل السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وإذا أضفنا إلى هذا كله أن زعماء الطوائف الذين يتقاسمون مناصب الدولة قد نهبوا بما يملكون من نفوذٍ وحصانة قدراً هائلاً من المال العام ومن الموارد المالية العامة تحقيقاً لمصالحهم وتكريساً لزعامتهم، أدركنا كم هي معقدة مشكلة الاقتصاد والمال في لبنان.
وبقطع النظر عن مدى أحقية مطالب الموظفين ومدى شرعية إضرابهم، فإنه من المعروف في علم الاقتصاد أن رفع أجور الموظفين ذوي الدخل المحدود هو من عوامل تحريك الاقتصاد الذي يعاني من الركود، لأن رفع أجورهم سيزيد من قدرتهم الشرائية، وستتحول هذه الرواتب إلى مال متداول في الأسواق المحلية، ما ينعكس إيجابًا على الحركة الاقتصادية. والشرط الوحيد لذلك هو تأمين موارد كافية للخزانة العامة لصرف هذه الرواتب. فهل يعاني لبنان من نقص هذه الموارد؟ الواقع أن واردات الخزانة العامة في الدولة تكفي أضعاف ما تتطلبه سلسلة الرتب والرواتب، بصرف النظر عما هو شرعي وما هو غير شرعي من هذه الواردات التي لا يراعى فيها حلال أو حرام. ولكن هذه الواردات منها ما هو منهوب من حيتان المال والسلطة قبل وصوله إلى الخزانة، ومنها ما ينهبونه من داخل الخزانة، عبر ما يسمى بخدمة الدين التي تَضُخُّ معظم أموال الموازنة العامة إلى المصارف الدائنة للدولة، أي إلى المرابين الكبار والصغار، وعبر تلزيمات المشاريع الوهمية أو شبه الوهمية التي يحظى بها الحكام أو محظيّوهم من الحيتان، فضلا عن أشكال السرقة والنهب والاختلاس الوقحة والتقليدية في هذا البلد. فالاقتصاد الرأسمالي هو اقتصاد المال وحيتانِه، لا اقتصاد الإنسان ومجتمعه. وهو في لبنان اقتصاد اللصوص وزعماء الطوائف أيضًا فضلا عن سائر الحيتان.
حين تقوم الدولة الإسلامية وتطبق النظام الاقتصادي الإسلامي وسياسته الاقتصادية العادلة عما قريب إن شاء الله سيرى الناس الفرق الهائل بين الواقع الاقتصادي الظالم الحالي وبين التشريع الاقتصادي الذي شرعه الله تعالى للناس. يكفينا أن السياسة الاقتصادية في الإسلام بنيت على أسس إنسانية راقية، من أهمها ما عبّرت عنه الآية القرآنية: ﴿كَي لا يَكُونَ دُولَةً بَينَ الأَغنِياءِ مِنكُم﴾.
وصدق الله العظيم القائل في كتابه العزيز: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أحمد القصص
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير/ ولاية لبنان