خبر وتعليق عواقب الطريقة الديمقراطية في التنمية البشرية (مترجم)
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الخبر:
يوم الثالث من أيار/مايو 2014، وعلى مرأى ومسمع العالم كله، تم حرق ما يزيد على 40 محتجاً سلمياً وهم أحياء في أوديسا. فكانت تلك بلا شك جريمة مروعة، وباتت واحدة من أسوأ نتائج المواجهة السياسية بين الغرب وروسيا.
وهذا اليوم أيضاً شهد العالم دليلاً صارخاً آخر على تبعات الطريقة الديمقراطية في تطوير وتنمية البشرية وثمارها المرّة.
التعليق:
بالرغم من وجود رغبة طبيعية لدى جميع الشعوب والبلدان في التطور والتنمية، إلا أن جشع الغرب الرأسمالي بقيادة أميركا وتعطّشه للدماء أبى إلا أن يقحم نفسه بسياسته الوحشية في مصائر هذه الشعوب والبلدان.
إن الناظر المدقق في الواقع العالمي يرى أن أميركا وروسيا تتعاونان بصورة وثيقة كحليفتين في الحرب على الإسلام في سوريا وأفغانستان وأفريقيا الوسطى وفلسطين، وتتعاونان مع بعضهما أيضاً في المسائل التي تخص استكشاف الفضاء والاتفاق بشأن الأسلحة الذرية وغيرها من القضايا السياسية في العالم؛ ما يعني وجود فترات في علاقاتهما يمكن وصفها بأنها فترات تتسم بالدفء والمودة. غير أنهما تدخلان في صراع مرير على النفوذ إن حاولت إحدى الدولتين إحلال مصالح لها مكان مصالح الأخرى. وهذا ما حدث تماماً أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي خلالها حليفتين، ثم أصبحتا بعد انتهائها عدوّين لدودين. ويتجلى مثل هذا الحال واضحاً الآن كذلك في الصراع الدائر في أوكرانيا.
كما يرى المدقق أن الولايات المتحدة أكثر مكراً وخبثاً، وأكثر تمسّكاً ومراعاة لمصالحها الذاتية وحدها غير آبهةٍ بمصالح غيرها، وأكثر بطشاً؛ ولذلك لا تستطيع روسيا محاربة الولايات المتحدة بنِدّية، سِيّما وأن نفوذ الأخيرة في العالم أقوى وأوسع من نفوذها. ولو كان لدى روسيا القوة اللازمة للعمل بكامل حرّيتها، لما اختبأ حكامها وراء وحشيتهم وانتهاكهم للقوانين بصورة منافقة فاضحة. فها هي من ناحية تطالب أوكرانيا وأميركا بالالتزام بالقوانين، وتقوم هي في الوقت ذاته بمخالفتها على نحو متعمد فيما يتصل بالمسلمين المسالمين والمواطنين الآخرين في بلادها هي من ناحية أخرى.
إن الديمقراطية، من خلال ما تنادي به من حرّيات، هي من توجِد الجشع والغطرسة وترعاهما. ولذلك فإن حكام أميركا وروسيا كليهما يتّصفون بهذه الصفات. ذلك أن ما يحرّك معتنق الديمقراطية ويدفعه للعمل هو المنفعة، ولا توجد لديه قيم أخرى أهم منها؛ ما يولّد لديه الطغيان والاستبداد وحب السيطرة على الدول الأخرى.
كما أن السلوك المبني على أساس المنفعة يؤدي بالإنسان والدولة إلى خرق حتى القوانين التي يضعانها هما لنفسيهما، ولو أوجد ذلك ما يسمى بالمعايير المزدوجة، كما يؤدي إلى مواصلة انتهاك القوانين كلما تطلب تحقيق المنفعة ذلك.
لقد بات من الواجب على الشعوب في أوكرانيا وروسيا وفي العالم أجمع أن تفكر وتحاول معرفة سبب شقائها ودمار مجتمعاتها. ألا يعتبر حرق الناس أحياءً، والحرمان المروّع للشعوب، والشرور الكثيرة الأخرى، سبباً كافياً لأن تقف هذه الشعوب وتعالج ما تعانيه من مشاكل؟! إن الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ﴾.
إنه لا يوجد نظام في مقدوره أن ينقذ النوع البشري من شرور ومساوئ الديمقراطية وجشعها ونفاقها وبشاعة قوانينها وظلمها إلا نظام الإسلام. فالإسلام يقدم التشريعات التي أنزلها الله عز وجل للإنسان، وهي وحدها القادرة على معالجة جميع مشاكله؛ لأن الأعمال في الإسلام لا تبنى على أساس المنافع المتغيرة، وإنما على أساس أوامر الله ونواهيه، التي لا تتغير حتى قيام الساعة. كما أن تطور وتطوير هذه الأوامر والنواهي أمر مستحيل.
هل يمكن أن يكون الحكام الذين ملأ رؤوسهم الجشع والغطرسة حكاماً عادلين ومنصفين؟ إن وحشية الحكام الغربيين وقسوة أفئدتهم انكشفت للعيان مراراً وتكراراً من خلال مشاركتهم في النزاع على كشمير وعلى فلسطين، وفي استعمار الشعوب الأفريقية ومحوها من الوجود. ألم تكن البلدان الديمقراطية هي مَن هاجمت شعوب أفغانستان والعراق ويوغوسلافيا وسوريا؟! وها هي نفسها تقف اليوم على طرفي الصراع في أوكرانيا. فهل هؤلاء الحكام عادلون؟! أهذه طريقة عيش منصفة؟!
أليس الشخص الذي يخاف يوم القيامة ويخشى الله، الشخص الذي يطبّق أحكام الله عز وجل، هو الإنسان العادل المنصف؟! والله سبحانه يقول: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾؟!
أم هل تصلح القوانين والقرارات التي يجري تغييرها المرة تلو الأخرى وتفي بالغرض؟ فهذا شيء أو عمل كان حراماً بالأمس، ثم أصبح اليوم حلالا! هل يُعقل أن مواطني البلد الواحد، الذين كانوا حتى وقت قريب جداً يعيشون جنباً إلى جنب متفاهمين متحابّين، يقومون اليوم بحرق بعضهم بعضاً وهم أحياء؟! ما كان هذا ليحدث لولا تطبيق الديمقراطية التي أنتجت هؤلاء الوحوش، حكّامنا ومن يقفون معهم ووراءهم! يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عثمان صالحوف