الحلقة الرابعة سلطان للأمة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
يقولُ أبو بكرٍ الصديق رضيَ اللهُ عنه: «ألا إنَّ محمدًا قد ماتَ، ولا بُدَ لِهذا الدينِ مِمن يقومُ بِه»...فالصديقُ يقررُ هنا أنَّ الإسلامَ لا يقومُ لِوحدهِ بَل هو بِحاجةٍ لِمن يقومُ بِه، والذي يقومُ بالإسلام هو دولةُ الإسلامِ التي على رأسِها خليفةٌ للمسلمين. ويقول عُمر الفاروق رضيَ اللهُ عنه: « لَا إِسْلَامَ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ، وَلَا جَمَاعَةَ إِلَّا بِإِمَارَةٍ، وَلَا إِمَارَةَ إِلَّا بِطَاعَةٍ».
إنّ من مُميزاتِ دولةِ الخلافةِ أنها تمتلكُ خليفةً واحداً على دولةِ الخلافةِ كاملة، مهما اتسعت رُقعتُها، خليفةً يكونُ لَهُ الحكمُ في كافَّةِ شئونِ الدولة، صغيرِها وكبيرِها، بيدِهِ القرارُ والأمرُ ما دامَ يحكمُ بِالإسلام، خليفةً يختارُه المسلمونَ بِالانتخاب، ويبايعونَهُ بيعةَ طاعةٍ، فيكونُ سلطاناً لِلأمة، ولَهُ وحدَهُ حقُّ تَبنّي الأحكامِ الشرعيةِ فيما لَهُ علاقةٌ بِرعايةِ شئونِ الرعية.
فالأمةُ الإسلاميةُ بِقوتِها وسلطانِها، تُنصِّبُ الخليفةَ وتبايعُه على الحكمِ بما أنزلَ اللهُ مِن الكتابِ والسنة، وتحاسِبُه على هذا الأساس، وتقاتلُ مَعه كلَّ مَن يعتدي على كيانِ الدولةِ ومبدئِها، وتحمِلُ مَعهُ الإسلامَ إلى غيرها مِن الأُممِ والشعوبِ، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: "إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ" رواه البخاري ومسلم. ومما يُؤْثَر عن عثمان رضي الله عَنه قوله: "إِنَّ اللَّهُ يَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ"، ومعنى يزع: يَمنعُ أو يكفّ.
ومعنى السلطانُ لِلأمةِ: هو أنَّ الأمةَ هي التي تملكُ السلطانَ، أي القوةَ والحكمَ، والحكمُ هنا بِمعنى تنفيذِ الحكمِ الشرعيِّ. إلا أن الله سُبحانَهُ وتعالى شَرعَ طريقةً لِتنفيذِ الشرعِ وهي الدولةُ المتمثلةُ بِالخليفة، حيثُ تُبايعُ الأُمةُ الخليفةَ لِينوبَ عنها في تطبيقِ الشرعِ وحملِه إلى العالمِ، مُستنِداً إلى قوتِها الفكريةِ والمادية.
قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلم: "كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ". رواه البخاري ومسلم. وقال عليه أكمل الصلوات مخاطباً الأمةَ صاحِبةَ السلطانِ: "مَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ" رواه مسلم والنسائي.
وهذا السلطانُ المُتمثِلُ في الأمة، التي تَقتلُ بِه المُصِّرَ على منازعةِ الخليفة، يُصبحُ بيدِ الخليفةِ ما دامَ مُلتزِماً بالشرع، يّنفِذُ به أحكامَ هذا الشرعِ في الداخلِ والخارج، كتطبيقِ الحدودِ، وحمايةِ الثغور، وحملِ الدعوةِ بِالجهادِ إلى الناسِّ كافّة.
أما بِشأنِ وجودِ خليفةٍ واحدٍ فقط لِلمُسلمينَ، فإنَّهُ يُحرّمُ أساساً على المُسلمينَ أن يكونَ لَهم أكثرُ مِن خليفةٍ واحدٍ، قالَ صلى الله عليه وسلم: " إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا" رواه مسلم. وعن عرجفة قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ" رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: " فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ ".
أمّا بِخصوصِ تبنّي الأحكامِ، فإنَّ لِلخليفةِ وحدَهُ حقُّ تبنّي الأحكامِ الشرعيةِ فيما له علاقةٌ بِرعايةِ شئونِ الرعية، ولا يَحِلُّ لِلحاكمِ في دارِ الإسلامِ أن يتبنّى أو يُنفِّذَ ولو حُكماً واحداً لا ينبثِقُ عن العقيدةِ الإسلامية، أي لا يَستندُ إلى دليلٍ شرعيٍّ مِن القرآنِ أو السنة، أو ما أرشدا إليه مِن القياسِ وإجماعِ الصحابة. قال تعالى: "وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ" .
وإذا تعددت الاجتهاداتُ الشرعيةُ في المسألةِ الواحدةِ فهو المسؤولُ أمامَ اللهِ، وتجاهَ المُسلمينَ عن تبنّي حكمٍ شرعيٍ مِن هذه الاجتهاداتِ، الذي يغلِبُ على ظنّهِ أَنه الصوابُ لِتطبيقِه. وقد استُنبطت قواعدُ شرعيةٌ مشهورةٌ في ذلِك، مثل: "لِلسلطانِ أن يُحْدِثَ من الأقضيةِ بقدرِ ما يَحْدُثُ من مشكلاتٍ"، ومِثل: "أمرُ الإمامِ يرفعُ الخلاف"، و"أمر الإمامِ نافذٌ ظاهراً وباطناً". فالمسلمُ يُنفّذُ أَمرَ الإمامِ فيما يتعلقُ بِسلوكهِ الظاهرِ بينَهُ وبينَ الدولةِ وبينَه وبينَ النَّاسِ، وكذلِك في سلوكِه المخفي عن الدولة.
هذا ما ستكسِبهُ الأمةُ بِعودة الخلافة، خليفةٌ يقودُها، ويحكمُها بما أنزلَ الله، ويرعى شئونَها. والخلافةُ القادمةُ قريباً بإذنِ اللهِ ستكونُ خلافةً راشدةً كما قالَ رسول الله، فسيقودُنا بإذنه تعالى خليفةٌ كأبي بكر، وعمر، عثمان، وعلي. خليفةٌ يكون كما كان عُمر، الذي قال: "لَوْ مَاتَتْ شَاةٌ عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ ضَائِعَةً لَظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَائِلِي عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وما ذلِكَ على اللهِ بعزيز.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو يوسف