كتيب التقرب إلى الله الحلقة الخامسة مراعـاة سـلم القيـم
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ويعني ذلك أن يكون الله ورسوله أحب إلى نفسه من الدنيا وما فيها، وأن يضحي بجميع مصالحه وارتباطاته في سبيل الله، وان يكون لمقام الدعوة المقام الأول في حياته الدنيا، وهذا هو الإيمان الحق وعنوان التجرد لله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة (24) وقد علمنا الرسول الكريم ترتيب سلم القيم بقوله: "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".
وقد ضرب لنا السلف الصالح أمثلة في ذلك يقتدي بها العاملون المخلصون:
هذا خالد بن الوليد يقول يوما: "ما ليلة يهدى إلي فيها عروس أو أبشر فيها بوليد بأحب إلي من ليلة شديدة الجليد في سرية من المجاهدين أصبح بهم المشركين".
وهذا مصعب بن عمير يقول فيه رسول الله: "لقد رأيت مصعبا هذا وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه، لقد ترك ذلك حبا لله ورسوله".
وهذا سعد بن أبي وقاص يقول لأمه: "تعلمين والله يا أماه لو كانت لك مئة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا فكلي إن شئت أو لا تأكلي".
وهذا صهيب الرومي يضحي بجميع ما يملك مقابل السماح له بالهجرة فيقول عليه الصلاة والسلام: "ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى".
وهذا سعيد بن عامر يقول لزوجته وقد آسفها إنفاق زوجها في سبيل الله: "تعلمين أن في الجنة من الحور العين والخيرات الحسان ما لو أطلت واحدة منهن على الأرض لأضاءت جميعا، ولقهر نورها نور الشمس والقمر معا، فلأن أضحي بك من أجلهن أحرى وأولى من أن أضحي بهن من أجلك".
يقول القاضي بهاء الدين بن شداد عن صلاح الدين رحمه الله: "لقد كان حبه للجهاد والشغف به قد استولى على قلبه وسائر جوارحه استيلاء عظيما، بحيث ما كان له حديث إلا فيه، ولا نظر إلا في آلته، ولا كان له اهتمام إلا برجاله، ولا ميل إلا إلى من يذكره ويحثه عليه، لقد هجر في محبة الجهاد في سبيل الله أهله وأولاده ووطنه، وسائر بلاده، وقنع من الدنيا بالسكون في ظل خيمة تهب بها الرياح ميمنة وميسرة.
وهذا جيل من الشباب يمضي في طريق الدعوة والثبات عليها ولا يبالي بما عليه الآباء والأمهات من الكفر والعناد: علي وجعفر على الإسلام، وأبوهما أبو طالب يموت كافرا، أبو عبيدة الجراح يقتل أباه عبد الله بن الجراح يوم بدر، أبو حذيفة يقتل أبوه عتبة بن ربيع يوم بدر فيحزن حزنا شديدا لا لسبب إلا لأنه مات على الكفر.
مصعب وسعد ناصبتهما أماهما العداء فلا يباليان، الوليد وهشام وخالد أولاد من قال فيه القرآن الكريم: ( ولا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) ) القلم.
وهناك مفارقة عجيبة، الإسلام يجمع بين زوجين كريمين هما حنظلة الغسيل وجميلة، وأبواهما من ألد أعداء الإسلام والمسلمين، حنظلة بن أبي عامر الراهب والأب رأس الكفر والعمالة لدولة الروم، وجميلة بنت عبد الله بن أبي والأب رأس النفاق بالمدينة المنورة.
مر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بسيدة من بني دينار استشهد في معركة أحد: أبوها، وزوجها، وأخوها. وحين أبصرت المسلمين العائدين من المعركة، سارعت نحوهم تسألهم عن أبنائها، فنعوا إليها الزوج والأب والأخ وإذا بها تسألهم في لهفة: وماذا فعل رسول الله؟؟ قالوا: خيرا، وهو بحمد الله كما تحبين. قالت: أرونيه، حتى أنظر إليه.
فلبثوا بجوارها حتى اقترب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما رأته أقبلت نحوه تقول: كل مصيبة بعدك، أمرها يهون .
فوزي سنقرط