بَعدَ إِعلانِها خلافةً على منهاجِ النُبوة ح12 ضمانُ الحاجاتِ الأساسيةِ
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحاجاتُ الأساسيةُ هيَ الطعامُ واللباسُ والمأوى والصحةُ والتعليمُ والأمن. فالرسولُ صلى اللهُ عليه وآلِهِ وسلم يقول: «من أصبحَ آمناً في سربه، مُعافىً في بدنِهِ عِندَهُ قوتُ يومِهِ فكأنما زُويتْ لهُ الدنيا بِحذافِيرِها» ويقول: «ليسَ لِابنِ آدم إلا كسرةُ خبزٍ يسدُّ بها جوعتَه، وشربةُ ماءٍ يطفيءُ بِها ظمأَهُ، وقطعةُ سترٍ يَسترُ بِها عورتَه، وما زادَ على ذلِكَ فهو فضل». وغيرها الكثيرُ مِن الأدلة.
وضمانُ الحاجاتِ الأساسيةِ في نظامِ الإسلامِ تختلفُ كُلَّ الاختلافِ عن ضمانهِ في النظامِ الرأسماليِّ، والاشتراكيِّ، ذلكَ أنَّ ضمانَ الحاجاتِ الأساسيةِ في الإسلامِ هي الأمرُ الأساسيُّ في سياستِهِ الاقتصاديةِ. إذ أن السياسةَ الاقتصاديةَ في الإسلامِ هي ضمانُ إشباعِ الحاجاتِ الأساسيةِ لجميعِ أفرادِ الرعيةِ فرداً فرداً إشباعاً كلياً، وتمكينُ كلِ فردٍ منهم من إشباعِ حاجاتهِ الكماليةِ أكبرَ قدرٍ مُستطاعٍ، فضمانُ الحاجاتِ الأساسيةِ هو الأساسُ في السياسةِ الاقتصاديةِ.
إنَّ الإسلامَ قد رأى أنَّ إباحةَ الملكيةِ، وإباحةَ العملِ، وإن كانت تحققُ تمكينَ كلِّ فردٍ من أفرادِ الرعيةِ من إشباعِ حاجاتِهِ الأساسيةِ والكماليةِ أكبرِ قدرٍ مستطاعٍ، لكنَّ هذا وحدَهُ لا يحققُ ضمانَ كلِّ فردٍ، فهناكَ الضعفاءُ والعاجزونَ، ومن لا يمكنُهم العمل، ومن لا تتوافرُ لَهم فرصُ العملِ، ومن لا أحدَ يُنفقُ عليهِم... فجعلَ الشرعُ مسئوليةَ ضمانِ ذلِكَ لَهم على الدولةِ، دولةِ الإسلام.
فدورُ الدولةِ يتمثلُ في توفيرِ فرصِ العملِ، وأن تحرِّص على وجود مصدرِ رزقٍ للفرد، وإلا فتحرّص على أن يُنفِقَ القريبُ على قريبِهِ ذي الرحمِ المحرم، وتُجبرهُ في حالِ امتناعِه، وللأمر تفصيلٌ. وبتوفيرِ فرصِ العملِ، وبضمانِ النفقةِ للزوجةِ والأبوينِ والأبناءِ وكلِ ذي رحمٍ محرم، قد ضمنت الدولةُ إشباعَ الحاجاتِ الأساسيةِ لجميعِ أفراد الرعيةِ إلا من لا يوجدُ لهُ رحمٌ محرم، وإلا إذا عجزَ هؤلاءِ عن الإنفاقِ، وفي هاتينِ الحالتين قد احتاطَ الشرعُ لهما وشرعَ لهما أحكاماً معينةً مُحددةً، ففي حالِ عدمِ وجودِ أحدٍ ممن تَجِبُ عليهُ النفقةُ، أو وجِدَ ولكنَّهُ لا يَستطيعُ الإِنفاقَ أَوجبَ الشرَّعُ النفقةَ في هاتينِ الحالتينِ على بيتِ المالِ، أي على الدولة. عن أبي هريرة قال: قالَ رسول الله : «مَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا، ومَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» والكَلُّ الضعيفُ الذي لا ولدَ لَهُ ولا والِد.
وهذهِ النفقةُ ليست كباقي ما يجبُ على الدولةِ مِن صرفِ أموال، بل الصرفُ لها مقدمٌ على كُلِّ صرفٍ، وهي مستحقةٌ على بيتِ المالِ في حالِ الوجودِ والعدم، أي إن وُجِدَ فيه مالٌ أم لم يوجد، فإن وُجِدَ فيه مالٌ صُرِفَ لِلنفقاتِ، وإن لم يوجد فيه مالٌ وجَبَ على الدولةِ أن تفرِضَ ضرائِبَ على المسلمينَ وتحصِّلَها منهم بالقوةِ، وتقومُ بِصرفِها لِلنفقات؛ لأن النفقةَ مما يجبُ على بيتِ المالِ ومما يجبُ على المسلمينْ، وإذا خيفَ الضررُ مِن انتظارِ فرضِ الضرائبِ وتحصيلِها وجَبَ على الدولةِ أن تقترِضَ مالاً لِلصرفِ لمن يخشى عليهم الضررُ مِمن وجبتْ لهم النفقةُ، لأن إزالةَ الضررِ فرضٌ، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله : «لا ضررَ ولا ضِرار».
وهذا يبينُ إلى أي مدىً كانَ الشرعُ حريصاً على ضمانِ صرفِ النفقةِ مِن قِبلِ الدولةِ، فجعلَها مِن ألزمِ ما يجبُ عليها صرفُهُ واحتاطَ لِذلِكَ كلَّ الاحتياط، هذا ما ستوفِّرُهُ دولةُ الخلافةِ القادمةِ لِلرعيةِ وتضمنُه، حاجاتُهم الأساسيةُ كاملةً!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو يوسف