الخلافة كيف تنعقد - وبِمَن - ج1
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
لقد أحدث إعلان (تنظيم الدولة) الخلافةَ في الأول من رمضان المبارك بلبلة لدى أعداد من المسلمين، ولا سيّما أولئك المخلصين الذين يتشوّقون إلى عودة سيادة الشرع المغيَّبة وسلطان الأمّة المسلوب في ظلّ دولة الخلافة الموعودة، ولكنّهم لم يؤتَوا قسطًا وافيًا من العلم بأحكام الخلافة ودار الإسلام والبيعة وشروطها الشرعية، فحاروا أمام الحدث وراحوا يسألون ويبحثون عمّن يجيبهم على أسئلتهم: ما شروط انعقاد الخلافة؟ وما شروط دار الإسلام؟ وهل البيعة التي أعلنها (تنظيم الدولة) بيعة شرعية يجب الانقياد لها؟ وهل في أعناقنا بيعة لمن أُعلن خليفة؟ من هنا وجدنا لزامًا علينا أن نوضح ما سبق أن درسناه من هذه الأحكام وأشبعناه قراءة وتدبُّرًا حتّى تبلور في أذهاننا وثقافتنا، بعد أن مضت عشرات السنين ونحن نعمل لأجل هذه القضية، ونسخّر كل طاقاتنا لإقامتها: استئناف الحياة الإسلامية من طريق إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوّة.
تعريف الخلافة
"الخلافة رئاسة عامة للمسلمين في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم".
إن العناصر الثلاثة المكونة لتعريف الخلافة: الرئاسة العامة، وتطبيق الشرع، وحمل الدعوة إلى العالم. فالخلافة دولة، وليست مجرد رسم شكلي. والبيعة عليها بيعة لحاكمٍ صاحبِ سلطانٍ كاملٍ في دولة حقيقية، يرعى شؤون الناس الذين هم تحت سلطانه جميعًا، يطبِّق عليهم الشرع كاملًا، وليست بيعةً على إمارة ِجماعةٍ من الجماعات، ولا بيعةً على الجهاد أو القتال أو تطبيق الحدود دون سائر أحكام الشرع، من أنظمةِ حكمٍ واقتصاد واجتماع وتعليم وسياسةٍ خارجية وقضاء. ومَن لم يُعدَّ لتطبيق هذه الأنظمة عُدّتَها فهو ليس أهلًا لتولي الحكم، فضلًا عن أن يتولى الخلافة، وهو قد يكون صاحبَ نفوذٍ وقوة، ولكنه ليس صاحبَ سلطانٍ وحكمٍ ورعايةٍ بحالٍ من الأحوال.
الفرق بين السلطان والقوّة
فالحكم والسلطان شيء، والقوة شيء آخر. الحكم أو السلطان في الإسلام هو رعايةُ شؤونِ الناس بأحكام الشرع. وهو غير القوة. فالقوة في الدولة ليست رعايةً لشؤون الناس، ولا تصريفًا لأمورهم. أي ليست هي السلطان. فالسلطان غير القوة، وإن كانت القوةُ لازمةً للدولة، إذ بها ينفِّذ السلطانُ الأحكامَ ويقهر المجرمين والفَسَقةَ ويقمع الخارجين ويصدّ المعتدين، وهي أداة لحماية السلطان وحماية ما يقوم عليه من مفاهيم وأفكار ولحملها إلى الخارج. إلا أنه لا يجوز أن يصبح السلطانُ قوة، لأنه إن تحوَّلَ إلى قوّة فسدت رعايته لشؤون الناس، إذ تصبح مفاهيمُه مفاهيمَ القهرِ والقمع والتسلّط، بدل أن تكون مفاهيمَ رعايةِ شؤون الناس، ويتحوّل إلى الإرهاب والتسلّط والكبت والقهر وسفك الدماء. وشتّان ما بين منطق الرعاية ومنطق القهر والتسلط.
إنّ كثيرًا من المتحمِّسين الذين لا يفرّقون بين السلطان والقوّة ويحسبون أنّ السلطان يتلخّص في القوّة والبأس والقهر والغلبة لطالما أكثروا من الاستدلال بقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. ولو أنّهم أحسنوا قراءة الآية كاملة وتدبّروا ما فيها لأدركوا أنّ القوّة تأتي في مرتبة بعد رعاية شؤون الناس بأحكام الشرع، فالآية كاملةً: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. فقيام الناس بالقسط بناءً على الكتاب والميزان هو غاية إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام. أما البأس الشديد الذي جعله الله تعالى في الحديد - وهو كناية عن السلاح والقوّة - فالآية واضحة في أنّه لم يُطلب لذاته، وإنّما شرعت أحكام الجهاد وسائر أحكام القتال في الإسلام لأجل غيرها من الأحكام، وهي حماية سيادة الشرع وسلطان المسلمين من المعتدين عليهما وردع المخالفين للشرع وحمل الإسلام رسالة إلى العالم. فالقوّة هي أداة من أدوات السلطان، وليست هي السلطان.يتبع
أعدها: الأستاذ أحمد القصص
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية لبنان
في الخامس عشر من رمضان المبارك 1435هـ