نداءات القرآن الكريم ح57 - النهي عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ج3
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا للـه عليكم سلطانا مبينا). (النساء 144)
الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه الطيبين الطاهرين والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين واجعلنا اللهم معهم واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: في هذه الحلقة نتابع وإياكم النداء السابع والعشرين من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا نتناول فيه الآية الكريمة الرابعة والأربعين بعد المائة من سورة النساء التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا). نقول وبالله التوفيق:
يسترسل صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة فيقول:
وكذلك تجيء في ثنايا الحديث عن الجهاد بعض الأحكام الخاصة بالصلاة في حالة الخوف وحالة الأمن; مع توصيات الله للمؤمنين وتحذيرهم من أعدائهم المتربصين: يقول تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا، إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا، وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة، ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا، فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا..) (101- 103)
وتدل هذه الآيات على مكان الصلاة من الحياة الإسلامية; حتى لتذكر في مقام الخوف وتبين كيفياتها في هذا المقام; كما تدل على تكامل هذا المنهج في مواجهة الحياة الإنسانية في كل حالاتها; ومتابعة الفرد المسلم والجماعة المسلمة في كل لحظة وفي كل حال .. ويستتبع الأمر بالجهاد كذلك حملة ضخمة على المنافقين وعلى موالاتهم لليهود في المدينة بينما هم يكيدون لدين الله وللجماعة المسلمة وللقيادة المسلمة كيدا شديدا. وعلى ألاعيبهم في الصف المسلم وتمييعهم للقيم والنظم. وفي الآيات التي اقتطفناها من قطاع الجهاد طرف من الحملة على المنافقين نضم إليه هذا القطاع المصور لحالهم وصفاتهم الكاشف لطبيعتهم ووسائلهم يقول تعالى: (ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون، فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى باللـه وكيلا، أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا، وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا..) (81- 83) ويقول تعالى: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا، بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا، وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا، الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا، إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا، يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا..) (137- 145)
أيها المؤمنون:
وفي قطاع الجهاد وفي غيره من القطاعات الأخرى في السورة نلتقي بالحرب المشبوبة على الجماعة المسلمة، وعلى العقيدة الإسلامية، والقيادة الإسلامية كذلك، من أهل الكتاب وبخاصة اليهود وحلفائهم من المنافقين في المدينة، والمشركين في مكة، وما حولهما .. وهي الحرب التي التقينا بها في سورة البقرة، وفي سورة آل عمران، من قبل .. ونلتقي كذلك بالمنهج الرباني. وهو يأخذ بيد الجماعة المسلمة السائرة بين الأشواك الخبيثة، والأحابيل الماكرة، يقودها، ويوجهها، ويحذرها، ويكشف لها طبيعة أعدائها، وطبيعة المعركة التي تخوضها، وطبيعة الأرض التي تدور فيها المعركة، وزواياها وجوانبها الخبيثة.
أيها المؤمنون:
ومن علامات الإعجاز في هذا القرآن، أن هذه النصوص التي نزلت لتواجه معركة معينة، ما تزال هي بذاتها تصور طبيعة المعركة الدائمة المتجددة بين الجماعة المسلمة في كل مكان، وعلى توالي الأجيال، وبين أعدائها التقليديين الذين ما يزالون هم هم، وما تزال حوافزهم هي هي في أصلها، وإن اختلفت أشكالها وظواهرها وأسبابها القريبة، وما تزال أهدافهم هي هي في طبيعتها وإن اختلفت أدواتها ووسائلها، وما تزال زلزلة العقيدة، وزعزعة الصف، والتشكيك في القيادة الربانية، هي الأهداف التي تصوب إليها طلقاتهم الماكرة، للوصول من ورائها إلى الاستيلاء على مقاليد الجماعة المسلمة، والتصرف في مقاديرها، واستغلال أرضها وجهدها وغلاتها وقواها وطاقاتها، كما كانت يهود تستغل الأوس والخزرج في المدينة، قبل أن يعزهم الله ويجمعهم بالإسلام، وبالقيادة المسلمة، وبالمنهج الرباني.. وقد حفلت هذه السورة كما حفلت سورتا البقرة وآل عمران بالحديث عن تلك المؤامرات التي لا تنقطع من اليهود ضد الجماعة المسلمة، بالاتفاق مع المنافقين ومع المشركين.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا ونور أبصارنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا. اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله اللهم حجة لنا لا علينا.. آمين آمين آمين برحمتك يا أرحم الراحمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.