مع الحديث الشريف كنت لك كأبي زرع لأم زرع ح5
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
نَحُيِّيكُمْ جَمِيعًا أيها الأَحِبَّةُ رواد الصفحة الكِرَامَ فِي كُلِّ مَكَانٍ, نَلتَقِي بِكُمْ فِي فقرة جَدِيدَةٍ مِنْ فقرات"مَعَ الحَدِيثِ النَّبوِيِّ الشَّرِيفِ" وَنَبدَأ بِخَيرِ تَحِيَّةٍ وَأزكَى سَلامٍ, فَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ:
رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيهِمَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً: فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لاَ يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا فِي نِهَايَةِ الحَدِيثِ: «خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا. فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلاً سَرِيًّا رَكِبَ شَرِيًّا, وَأَخَذَ خَطِّيًّا, وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا, وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا, وَقَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ. قَالَتْ: فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ, مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ». قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأِمِّ زَرْعٍ».
فَالحَاصِلُ أنَّهَا وَصَفَتِ الجَارِيَةَ بِالأمَانَةِ عَلَى السِّرِّ وَالمَالِ وَالقِيَامِ بِمَصَالِحِ خِدْمَتِهِمْ وَبَيتِهِمْ وَالنُّصْحِ لَهُمْ. الأَوْطَابُ: وَطْبُ اللّبَنِ: سِقَاؤُهُ وَجَمعُهُ عَلَى أوْطَابٍ مِنَ الشَّاذِّ وَالأَصْلُ فِي جَمْعِهِ وِطَاب. تَمْخُضُ: المَخْضُ أصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى اضْطِرَابِ شَيءٍ مَائِعٍ فِي وِعَائِهِ. وَالمَعنَى تَحرِيكُ أسْقِيَةِ اللَّبَنِ بِشِدَّةٍ وَبِسُرعَةٍ حَتَّى يَخرُجَ زِبَدُهُ. بِرُمَّانتَينِ: قَالَ أبُو عُبَيدٍ رَحِمَهُ اللهُ: تَعنِي أنَّهَا ذَاتُ كِفْلٍ عَظِيمٍ، فَإِذَا استَلْقَتْ عَلَى قَفَاهَا نَبَا بِهَا الكِفْلُ مِنَ الأَرضِ حَتَّى يَصِيرَ تَحْتَهَا فَجْوَةٌ تَجرِي فِيهَا الرُّمانُ. وَقَالَ بَعضُهُمْ: المُرَادُ بِالرُّمانتَينِ هُنَا ثَديَاهَا. وَمَعنَاهُ أنَّ لَهَا نَهدَينِ حَسَنَينِ كَالرُّمانَتَينِ إِشَارَةً إِلَى صِغَرِ سِنِّهَا, وَأنَّهَا كَاعِبٌ لَمْ تَتَرَهَّلْ. قَالَ القَاضِي: وَهَذَا أَرْجَحُ؛ لأنَّ العَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِرَمْيِ الصِّبيَانََ الرُّمانَ تَحْتَ ظُهُورِ أمَّهَاتِهِمْ وَلا جَرَتِ العَادَةُ بِاستِلقَاءِ النِّسَاءِ حَتَّى يُشَاهِدْهُنَّ الرِّجَالُ. سَرِيًّا: مِنْ (سَرَوَ) وَهُوَ بَابٌ مُتَفَاوِتٌ جِدًا لا تَكَادُ كَلِمَتَانِ مِنهُ تَجْتَمِعَانِ. فَالسَّرْوُ: سَخَاءٌ فِي مُرُوءَةٍ وَيُقَالُ: "سَرِيٌّ رَكِبَ شَرِيًّا": أرَادَتْ فَرَسًا يَستَشْرِي فِي سَيرِهِ، أيْ يَلِجُّ وَيَمضِي بِلا فُتُورٍ وَلا انكِسَارٍ, جَادٌّ فِي جَرْيِهِ مِنْ خِيَارِ الخَيلِ. خَطِّيًّا: (بِفَتْحِ الخَاءِ) أي رُمْحًا مَنسُوبًا إِلَى الخَطِّ، مَوضِِعٌ بِنََاحِيَةِ البَحْرَينِ تُجْلَبُ إِلَيهِ الرِّمَاحُ مِنََ الهِنْدِ أو تَحَطَّمَتْ فِيهِ سَفِينَةٌ فِيهََا رِمَاحٌ فَنُسِبَ إِلَيهَا، وَقِيلَ: الخَطُّ: سَاحِلُ البَحْرِ. نَعَمًا ثَرِيَّا: أي كَثِيرَةٌ، وَالثَّرَاءُ وَالثَّروَةُ: الغِنَى وَكَثْرَةُ المَالِ. مِيْرِي: مِنَ المِيرَةِ وَهِيَ الطَّعَامُ وَنَحوَهُ المَجلُوبُ، وَمِنهُ مَا يَمتَارُهُ البَدَوِيُّ مِنَ الحَاضِرَةِ. وَالمُرَادُ أنَّهَا وَصَفَتْ هَذَا الرَّجُلَ بِالسُّؤْدُدِ وَالسَّعَةِ وَأنَّهُ صَاحِبُ حَرْبٍ وَرَكُوبٍ، عَظِيمِ الإِحسَانِ إِلَيهَا وَالتَّفَضُّلِ عَلَى أهْلِهَا، أعَطَاهَا مِنْ جَمِيعِ مَا يَرُوحُ إِلَى مَنْزِلِهَا, وَيُرعَى بِفِنَائِهَا مِنْ إِبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَدَوَابَّ, وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الفَردِ حَتَّى ثنَّاهُ تَكَرُّمًا عَلَيهَا.
من فوائد الحديث:
1. فِي الحَدِيثِ أنَّ المُحِبَّ يَعتَذَرِ لِمَحبُوبِهِ إِنْ جَهِلَ عَلَيهِ أو أسَاءَ إِلَيهِ, وَيُقَدِّمُ الانتِصَارَ لَهُ عَلَى نَفسِهِ، وَنَلْمَحُ ذَلِكَ فِي تَنبِيهِ أُمِّ زَرْعٍ إِلَى سَبَبِ التَّزَوُّجِ عَلَيهَا، وَهُوَ رُؤيَةُ «امرَأةٍ مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالفَهدَينِ...». وَكَانَ العَرَبُ يَرغبُونَ النِّكَاحَ مِنَ النِّسَاءِ المُنجِبَاتِ فَلِذَلِكَ حَرِصَ عَلَيهَا أبُو زَرْعٍ.
2. وَفِيهِ أنَّ الغَالِبَ فِي حَالِ المَرأةِ تَعَلُّقُ قَلبِهَا بِالزَّوجِ الأوَّلِ؛ لأنَّهُ أوَّلُ رَجُلٍ عَرَفَتْهُ وَعَاشَرَتهُ، وَسَكَنَتْ مَحَبَّتُهُ قَلبَهَا، وَمِنَ الإِنصَافِ وَالعَدْلِ أنْ لا يَحْمِلَهَا طُغيَانُ مَوَدَّةِ الأوَّلِ عَلَى إِنكَارِ نَعمَةِ الآخَرِ، وَبُخْسُ جَمِيلِهِ وَمَعرُوفِهِ. وَقَدْ أحْسَنَتْ أُمُّ زَرْعٍ حِينَمَا سَاقَهَا الحَدِيثُ إِلَى زَوجِهَا الثَّانِي فَذَكَرَتهُ بِخَيرٍ وَشَكَرَتْ لَهُ صَنِيعَهُ, وَأثْنَتْ عَلَيهِ بِالجُودِ وَالكَرَمِ وَالسُّؤْدُدِ وَالشَّجَاعَةِ, ثُمَّ استَدْرَكَتْ فِي خِتَامِ حَدِيثِهَا، بِأَنَّ أحْوَالَهُ وَإِنْ بَلَغَتْ مَا بَلَغَتْ فَإِنَّهَا مُحتَقَرَةٌ بِالنِّسبَةِ لأَبِي زَرْعٍ.
3. وَفِي الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَوَاضُعِ سَيِّدِ المُرسَلِينَ عَلَيهِ السَّلامُ فَلَمْ يَفْخَرْ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا بِمَا شَهِدَ لَهُ رَبُّ العَالَمِينَ مِنَ الخُلُقِ العَظِيمِ وَالرَّحْمَةِ وَالرِّفْقِ وَاللِّينِ، وَلَمْ يَرُدَّ عَلَى زَوجِهِ بِقَولِهِ: كُنتُ لَكَ خَيرًا مِنْ أبِي زَرْعٍ، أو أفْضَلَ مِنْ خِيَارِ هَؤُلاءِ الأزوَاجِ ... وَنَحوَ ذَلِكَ وَلَو قَالَهُ لَكَانَ حَقًا وَصِدْقًا، وَلَكِنَّهُ آثَرَ وَصْفَ حَالِهِ مَعَهَا بِأدْنَى كَلِمَةٍ! وَألطَفِ إِشَارَةٍ.
4. وَفِيهِ أنَّ التَّشبِيهَ لا يَستَلزِمُ مُسَاوَاةَ المُشَبَّهِ بِالمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «كُنْتُ لك كَأَبِيْ زَرْعٍ». وَالمُرَادُ بِهِ فِي حُسْنِ العِشْرَةِ وَالأُلفَةِ وَنَحوِهَا، لا فِي جَمِيعِ مَا وُصِفَ بِهِ مِنَ الثَّروَةِ وَالخَدَمِ وَالابْنِ وَغَيرِ ذَلِكَ وَمَا لَمْ يُذْكَرْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ كُلِّهَا.
5. وَفِيهِ أنَّ كِنَايَةَ الطَّلاقِ لا تُوقِعُهُ إِلاَّ عِندَ مُصَاحَبَةِ النيَّةِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَشَبَّهَ بِأبِي زَرْعٍ، وَأبُو زَرْعٍ قَدْ طَلَّقَ، فَلَمْ يَستَلزِمْ ذَلِكَ وُقُوعَ الطَّلاقِ لأَنَّهُ لَمْ يِقْصِدْهُ.
6. وَفِيهِ جَوَازُ استِمَاعِ الرَّجُلِ إِلَى وَصْفِ النِّسَاءِ وَمَحَاسِنِهِنَّ، لَكِنْ مَحَلُّهُ إِذَا كُنَّ مَجْهُولاتٍ، وَالمَمنُوعُ مِنْ ذَلِكَ وَصْفُ امرَأةٍ مُعيَّنَةٍ مَعرُوفَةٍ بِحَضْرَةِ الرَّجُلِ لِغَيرِ حَاجَةٍ شَرعِيَّةٍ كَالخِطْبَةِ، أوِ الوَصْفِ البَلِيغِ الَّذِي يَشِفُّ لِلرَّجُلِ مَا لا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيهِ مِنَ العَوْرَاتِ وَنَحْوِهَا. لِلحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «لا تُبَاشِرُ المرأةُ المَرْأَة فَتَنْعَتها لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْها».
روادنا الكرام: نَشكُرُكُم على حسن متابعتكم , نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, وَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ محمد أحمد النادي - ولاية الأردن