الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

كلمة المهندس/ محمد هاشم عبد اللطيف / مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان، في منتدى قضايا الأمة الذي انعقد في الخرطوم يوم السبت 01 محرم 1435هـ الموافق 25 تشرين الأول/أكتوبر 2014م  تحت عنوان: «أجنحة الموت الثلاثة؛ السرطان والنفايات والتلوث، تح

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم


أجنحة الموت الثـلاثة؛


السرطان والنفايات، التلوث، تحلق في فضاء السودان!


أيها الحضور الكريم،


إن التلوث البيئي الخطير الذي يغرق فيه السودان هو نتاج طبيعي لسياسات مارستها الأنظمة الحاكمة في السودان، بعقليةٍ غير رعوية ولا خدمية، سياسات لم تنظر للإنسان باعتباره كائناً مكرماً من فوق سبع سماوات... إن نظرة الساسة لفكرة الحكم تتقزم في أنه مغنم، فكانت كل سياساتهم تصب في خانة دولة الجباية لا دولة الرعاية، إن الأزمة أزمة حضارية بامتياز، أزمة حضارة رأسمالية ترى (الحكم مغنماً) للتربح والاستثمار، مقابل حضارة إسلامية ضاربةٍ جذورها في عمق أعماق التاريخ؛ فلسفتها أن (الحكم مخدم وليس مغنماً)، فالحاكم خادم للرعية يسهر على أمنهم وسد جوعهم... شتان ما بين الحضارتين وشتان ما بين الدولتين وما بين السياستين، (ضدان لا يلتقيان)!.


إن الإسلام قد كرم الإنسان: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾، فالإسلام قد اعتبر صحة الإنسان من الحاجات الضرورية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» رواه البخاري، وتوفير كل الحاجات الضرورية مسؤولية الدولة ولا كلام: «فالإِمَامُ الذي على الناس رَاعٍ وَهو مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه... بل وأعظم من ذلك فإن الإسلام لم يهتم بإصحاح البيئة لضمان حاجة ضرورية (صحة الإنسان) فحسب، بل حتى ضمان كرامة الإنسان وعدم إيذائها!... نعم إن الإسلام سار إلى ما هو أعظم وأكمل، فكل ما فيه ضرر (بجسد الإنسان أو مشاعره وماء وجهه) هو خط أحمر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا، فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي، ولا يبلغ الميت»، أي أن الإسلام قد اهتم بالجوهر والمظهر!.


إن الإسلام مبدأ عظيم، فهو دين منه الدولة، وهو لا يقبل الفلسفات الخيالية ولا الأفكار دون عمل، بل هو دين عملي سياسي يعالج مشاكل الإنسان، فتتنزل معالجات الإسلام على الناس برداً وسلاماً... إن دولة الخلافة الراشدة باعتبارها الكيان التنفيذي السياسي المُطبِّق للإسلام، تقضي على أجنحة الموت عبر المعالجات الآتية:


1/ تنصب أغلب المعالجات على السياسات الاستباقية للقضاء على مسببات الأمراض من جذورها، فإن درهم وقاية خير من قنطار علاج... وتركز الرعاية الصحية العامة في الغالب على الوقاية من الأمراض أكثر من العلاج، ولذلك فالوقاية من أهم أقسام الرعاية الصحية وأعمها نفعا وأكثرها إنتاجا. فعلى سبيل المثال، فإن (إضافة اليود) غير المكلف إلى ملح الطعام في كثير من دول العالم، خفض من نسبة أمراض الغدة الدرقية والتخلف العقلي الناتج عن نقص اليود بصورة كبيرة. ويقدر اليوم أن أكثر من 91 مليون طفل سنويا كانوا سيصابون بمشاكل تعليمية ونقص في القدرات الذهنية لولا هذا الإجراء، ولأن ملح الطعام يصل الفقير والغني، كان نفع مثل هذا الإجراء عاما. وكذلك الأمر بالنسبة (لإضافة فيتامين D) إلى حليب البقر في الولايات المتحدة، فقد أدى هذا الإجراء العام مطلع ثلاثينات القرن الماضي إلى تحول مرض الكساح إلى مرض نادر في الولايات المتحدة... فتقوم دولة الخلافة بمراجعة كل المخازن الاستراتيجية لضمان أهليتها لحفظ المواد بشكل يضمن إحسان الحفظ فإحسان الرعاية: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء» رواه مسلم.


2/ بخصوص الاستيراد: تضع دولة الخلافة قوائم مفصلة لكل المواصفات التي ينبغي أن تتوفر في السلع المستوردة، (وقوائم حظر) مفصلة أخرى لكل المواد والسلع غير المسموح بدخولها لكونها مسببة للأمراض أو يشتبه مجرد اشتباه بتسببها في الأمراض... وكل ذلك يكون صمام أمان استباقي لمنع دخول أية نفايات إلكترونية.


3/ بخصوص شبكات المياه والصرف الصحي، فتقوم الخلافة بمراجعة كل هذه الشبكات لضمان عدم تداخلها، ولصيانتها على أتم وجه... ويمكن الاستعانة بقدامى الخبراء (معاشيي الهيئة القومية للمياه، والصرف الصحي) لمعرفتهم الكبيرة بتفاصيل الشبكة ومواضع الخلل فيها، خصوصاً أولئك الذين فصلوا أو أحيلوا للمعاش المبكر لأسباب سياسية، فالخلافة دولة رعاية يهمها صحة الرعايا أولاً وآخراً: «فالإِمَامُ الذي على الناس رَاعٍ وَهو مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه.


4/ تُراجع كل المواد المستخدمة في توصيل شبكات مياه الشرب، كمواسير (الإسبستوس) التي ثبت تسبيبها للسرطان فتزال مباشرة وليس بالتدريج، فصحة رعايا الدولة خط أحمر في الإسلام، بل تزال مباشرة كل مواد التوصيل التي يشتبه مجرد اشتباه بتسبيبها للسرطان أو الإسهالات المعوية وغيرها من الأمراض، فالقاعدة الشرعية الفقهية هي: (الضرر يزال)... وتُراجع شبكات الصرف الصحي، وتكمن أهمية الصرف الصحي في الضرر الجسيم الذي يمكن أن يسببه سوء الإدارة في هذا المجال على التوازن البيئي وصحة الجماعة، فالتقديرات تشير إلى أن 88% من العبء العالمي للأمراض يعزى إلى إمدادات المياه غير المأمونة وانعدام الصرف الصحي والنظافة الصحية. ويعيش 2.6 مليار شخص في العالم - منهم مليار طفل على وجه التقريب - في ظل انعدام القواعد الأساسية للصرف الصحي. وتشير التقارير الغربية إلى أن طفلا واحدا يفارق الحياة كل عشرين ثانية نتيجة رداءة الصرف الصحي، أي ما يقارب 1.5 مليون وفاة سنويا. وقد اعتبرت (المجلة الطبية البريطانية) في استطلاع أجرته مع مجموعة من المختصين أن الإنجاز الصحي الأهم منذ سنة 1840م هو الصرف الصحي، وقد فاق في الأهمية اكتشاف المضادات الحيوية وجميع إنجازات القرن العشرين الطبية.


5/ تُراجع كل المواد المستخدمة في تنقية مياه الشرب، فتمنع مباشرة كل المواد المسرطنة وكذلك التي يشتبه في تسبيبها للأمراض، ولا ينظر إطلاقاً للناحية المالية فصحة رعايا الدولة هي الأساس في هذا الباب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» رواه مسلم... ونلاحظ أن المسلمين قد أدركوا أهمية الماء النقي العذب منذ نشوء الدولة الإسلامية في المدينة، فقد روى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِئْرٌ يُسْتَعْذَبُ مِنْهُ إِلا رُومَةَ، فَقَالَ: "مَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فَيَكُونَ دَلْوُهُ فِيهَا كَدُلِيِّ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؟" فَاشْتَرَاهَا عثمانُ»... «لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ»، رواه مسلم، وروى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله أنه قال: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُوكِيَ أَسْقِيَتَنَا وَنُغَطِّيَ آنِيَتَنَا».


6/ ينفق على البنى التحتية (شبكات المياه، الصرف الصحي، النفايات) من بيت مال المسلمين، من أبواب الملكية العامة وملكية الدولة حسب رأي الخليفة واجتهاده الشرعي.


7/ إن الصناعة الحديثة تنتج انبعاثات مختلفة في الهواء، وتدفقات سائلة في الأنهار والبحار والمياه الجوفية، ومخلفات صلبة أخرى، وهنالك أيضا الفضلات المشعة الناتجة عن الصناعات النووية. وكل هذه الانبعاثات والمخلفات تؤثر بصورة أو بأخرى على صحة الإنسان وتؤدي إلى تلوث البيئة وإفسادها. ولذلك كان فرضا على الدولة أن تحافظ على البيئة وصحة الرعية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا الْمَلاعِنَ الثَّلاثَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَالظِّلِّ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ»، رواه ابن ماجه في سننه، والحديث وإن لم يكن في الفضلات الصناعية، ولكن النهي ورد لمنع الضرر اللاحق بالمسلمين، فيكون علة يقاس عليها كل ما آذى المسلمين في مواردهم العامة وبيئتهم وطرقهم. وفوق ذلك فالقاعدة الشرعية والحديث «لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ» يوجب إزالة الضرر الحاصل من المخلفات الصناعية. فيما يخص الاتفاقيات والمعاهدات الإقليمية والدولية بخصوص التلويث الصناعي، كـ(بروتوكول كيوتو الخاص بالاحتباس الحراري 2013م)، و(اتفاقية استوكهولم للملوثات العضوية 2004م) وغيرها من الاتفاقيات، فينظر. فالخلافة لن تشترك في المنظمات الدولية لأن لها أغراضاً استعمارية، بل ستسعى الخلافة لفرض رأي عام عالمي ضد التلوث والنفايات الإلكترونية وتحدث زخماً دولياً ضده، فيقضى على التلوث بالضربة القاضية!.


8/ تقوم الخلافة عبر جهاز (مصالح الناس) بإنشاء البنى التحتية وتنفيذها ومتابعة الإشراف عليها بنفسها. أي لا تقوم بطرح عطاءات مشاريع لشركات خاصة. تنفيذ الدولة للمشاريع بنفسها يضمن فائدتين، أولاهما: التقليل من المال المهدر، فالشركات الخاصة بعد أن تقدر تكلفة إنشاء أي مشروع تضع فوقه هامشاً للربح كبر أو صغر، أما الخلافة الراشدة فهي لا تستثمر في أموال المسلمين ولا تتربح بأموالهم، والخليفة هو خادم مؤتمن على مال الأمة فيحرص على عدم إهدار مال المسلمين (المال العام). ثانيهما: لضمان سهولة محاسبة المسؤول، فالشركات الخاصة بعد التنفيذ قد تعلن إفلاسها أو تخرج من البلاد فتضيع المحاسبة وحقوق الناس.


9/ قضاء الحسبة هو صخرة يتحطم عليها الفساد والمفسدون، فكل من يثبت تورطه في إدخال مواد مسرطنة أو ضارة بالأمة يحاسب حساباً عسيراً وفق الأحكام الشرعية في باب العقوبات... ويجوب قاضي الحسبة الأحياء والشوارع لضمان عمل البنى التحتية وشبكات المياه والصرف الصحي بأكمل وجه، ويتأكد من أن النفايات تجمع بشكل راقٍ وأن البلاد نظيفة لا يمسها سوء.


10/ ينظر القضاء الإسلامي في أي قضية تُرفع في وجه مسؤولي النظام السابق، ممن كان ضمن منظومة الفساد التي أدخلت المواد المسرطنة أو الضارة للبلاد، أو شارك بإهماله في صحة الناس، أو كان جزءاً من مسببات الأمراض، فينظر في القضية وفق الأحكام الشرعية في بابي (البينات والعقوبات)، وتطبق عليه العقوبات الشرعية، لتكون رادعة وزاجرة لكل من تسول له نفسه العبث بصحة الإنسانية: ﴿سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾.


وختاماً: تلك عشر كاملة؛ تقي البلاد والعباد شرور التلوث البيئي وبالتالي تحفظ صحة الإنسان الذي كرمه الله رب الإنسان... وبذلك تكون الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؛ دولة الرعاية والكفاية، قد قصقصت أجنحة الموت الثلاثة، فيسقط طائر الموت ويُداس عليه بالأقدام فترفع الرؤوس بالحق إكراماً لله رب العالمين.

﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.


--- --- ---


1/ أما الموضوع الآخر والذي لا يقل أهمية عن النفايات الإلكترونية فهو ما يطلق عليه الضباب الإلكتروني أو E-Smog


2/ تشير الإحصاءات إلى أن حجم النفايات حول العالم تبلغ أكثر من 50 مليون طن من المخلفات الإلكترونية الخطرة، في حين ما يتم التخلص منه لا يتعدى 1.5 إلى 1.9 مليون طن من الأجهزة الإلكترونية التي تدخل في تركيبها مواد سامة مثل الليثيوم والرصاص والزئبق والباريوم... إلخ.

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع