الاستثمار في قطاع الإرهاب يصنع منافسا جديدا للأمريكان
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أكثر من عقد مرّ على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تلك العملية التي استثمر من خلالها الغرب في قطاع الإرهاب أيّما استثمار، فأحسن توظيفها إعلاميا وسياسيا بما يخدم مصالحه لا في منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل في العالم أجمع، حتى غدت مكافحة الإرهاب عرفا دوليا وسرت قوانينه على مختلف الدول والأقطار بنفس الغاية، وهي تقليم أظفار الامتداد الإسلامي الذي أرهب دول الكفر، فوسموا الإسلام بالإرهاب، وفي المقابل حصلوا على شرعية سفك الدماء وإقامة المعتقلات والسجون السرية وخرق كل النظم والقوانين الأرضية والسماوية.
منذ ذلك الوقت، صار الإرهاب الفزاعة الأولى التي تستدعي تدخلا أجنبيا عاجلا ومباشرا، وإلا لما استطاعت أمريكا إقناع الرأي العام المحلي والدولي بفكرة إرسال جنودها إلى العراق ومن قبلها إلى أفغانستان، بل إن نتائج الاستثمار السياسي في مجال مكافحة الإرهاب طوال هذه الفترة لا يمكن أن تحصى أو تعد، حيث سطرها أبناء الأمة الإسلامية بدماء مخضبة روت أرضهم في العراق وأفغانستان وغزة والشيشان واليمن والصومال ونيجيريا ومالي وباكستان وغيرها، في مواجهتهم لآلة الإرهاب الدولي المنظم وأدواته القذرة من حكام متملقين صاروا في يد الغرب سكاكين لذبح الأمة من الوريد إلى الوريد وسلخها بالكامل عن دينها.
اليوم، الفزاعة نفسها تُرفع في وجه أمة الإسلام، ولكن هذه المرّة من قبل فرنسا التي أطلت برأسها مؤخرا من القارة العجوز، لتروي للعالم أحداث 11 سبتمبر جديد استهدف مقر صحيفة امتهنت السخرية والاستهزاء بالإسلام رسالة ورسولا بدعوى حرية التعبير، هي صحيفة "شارلي إيبدو".
نحن إذن، أمام منافس جديد للأمريكان في مجال الحرب على الإسلام والمسلمين تحت العنوان الرديء نفسه: مكافحة الإرهاب. أما الغاية التي حشرت فرنسا في نفس زاوية التصدي لخطر الإرهاب المصطنع، فهي على ما يبدو، سخونة الوضع في الشمال الإفريقي وما يتطلبه ذلك لدى صناع القرار الفرنسي من تأهيل للرأي العام في الداخل والخارج لقبول فكرة التدخل الأجنبي في إحدى بلدان هذه المنطقة، حتى إن هذه الحادثة كانت مناسبة لإعادة إثارة موضوع اختطاف صحفيين تونسيين من قبل تنظيم الدولة في ليبيا.
لقد عجز الغرب بطم طميمه عن إيجاد الاستقرار السياسي المنشود لبلدان الشمال الإفريقي، حيث لا تزال رحى المعارك دائرة في الداخل الليبي من أجل إسقاط بقايا نظام القذافي، أما في تونس فلم يستطع أهلها هضم عملية احتواء الثورة وتعليبها عبر تشريك الضحية والجلاد في الحكم مقابل التوافق على إقصاء الإسلام من الحكم، هذا وينتظر الجزائرَ مستقبلٌ سياسي مجهول بعد الوفاة المرتقبة لرئيسها المقعد. وباختصار، يمكننا القول بل الحسم بأن الشعوب تسير في واد وحكامها في واد آخر، وأمام تنامي الوعي بالإسلام، لم يعد للغرب من حلّ يؤخر إتمام الثورة بالإسلام سوى ممارسة الإرهاب الفكري على الناس بتخويفهم من المشروع السياسي للإسلام واستغلال اصطفاف الأغبياء وراء الحرب المعلنة على ما اعتبروه إرهابا، في ممارسة كل أنواع الإرهاب التي تنكشف معها كذبة حقوق الإنسان. قال تعالى: ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾.
هم يغالطون الوعي العام، ويضللون الرأي العام عبر سحرة فرعون هذا الزمان من قنوات إعلامية تردي الحليم حيرانا، ولكن يبقى مَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى، فلنفتت مؤامرات الأوروبيين والأمريكان على صخرة الوعي بالإسلام، وليكن لذلك رأي عام يحرك نخوة المخلصين في الأمن والجيش فينتصروا لدينهم ونبيهم وأمتهم ويعيدوا سلطان الإسلام، لأن نصرة محمد صلى الله عليه وسلم تكون بإقامة دولته واتباع نهجه وإحياء سنته وحمل دعوته، لا بالخشية من دائرة الإرهاب التي صنعها اليهود والنصارى وتبرير ذلك بالإسلام.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّـهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾. [سورة المائدة: 51-52].
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس وسام لطرش - تونس