- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
السياسة في الإسلام... وعند المسلمين
السياسة هي رعاية الشؤون عامةً، وأولى الناس برعاية الشؤون هو ولي الأمر، وعليه فقد اقتضى أن يكون شرط ولي الأمر مسلمًا ذكرًا، وصاحب دراية وعدل، وصاحب عقل وصحة، وأن يكون حرًا. "والحرية المقصودة هنا عكس العبودية".
السياسة في اللغة: جاء معنى السياسة في معاجم اللغة دالًا على ما تقدم، فقد جاء في تاج العروس في مادة "سوس": "سست الرعية سياسة" أمرتها ونهيتها، والسياسة: "القيام على الشيء بما يصلحه".
وفي لسان العرب في المادة نفسها: "السوس": الرياسة، وإذا رأسوه قيل: "سوسوه"، و"أساسوه"، وسوس أمر بني فلان: أي كلف سياستهم، وسُوِّس الرجل على ما لم يسم فاعله: إذ ملك أمرهم، وساس الأمر سياسة: قام به، والسياسة: القيام على الشيء بما يصلحه.
وعليه فقد اشترط الإسلام على ولي الأمر "الخليفة"، وكل من ينوب عنه في الحكم شروطًا لا مناص من توافرها فيه، وعليه يكون التفاضل والاختيار والانتخاب، ولذلك وجب على الأمة حال الانتخاب أن تنظر فيمن تنتخب؛ لأنها توكله عنها، فمن يريد أن يسوس شؤون المسلمين يجب أن تنطبق عليه الشروط السبعة الآتية:
- أن يكون مسلمًا، فلا يولى أمر المسلمين كافر؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾.
- وأن يكون ذكرًا؛ لأن رسول الله ﷺ يقول: «لن يفلح قوم ولّوْا أمرهم امرأة».
- أن يكون بالغاً. فلا يجوز أن يكون صبياً، لما روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يبرأ».
- وأن يكون عدلاً، فلا يصح أن يكون فاسقاً. والعدالة شرط لازم لانعقاد الخلافة ولاستمرارها؛ لأن الله تعالى اشترط في الشاهد أن يكون عدلاً. قال تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ فالذي هو أعظم من الشاهد، وهو الخليفة، من باب أولى أنه يلزم أن يكون عدلاً؛ لأنه إذا شرطت العدالة للشاهد، فشرطها للخليفة من باب أولى.
- أن يكون عاقلاً. فلا يصح أن يكون مجنوناً؛ لقول رسول الله ﷺ : «رُفع القلم عن ثلاثة»، وذكر منها: «المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق». وأن يكون صحيح الجسم أي سليمًا فالإعاقة التي تمنعه من إتمام أمر الحكم تنفي توليه.
- وأن يكون حرًا بمعنى أنه ليس عبدًا؛ لأن العبد مملوك لسيده فلا يملك التصرف بنفسه. ومن باب أولى أن لا يملك التصرف بغيره، فلا يملك الولاية على الناس.
- أن يكون قادراً.من أهل الكفاية على القيام بأعباء الخلافة؛ لأن ذلك من مقتضى البيعة، إذ إن العاجز لا يقدر على القيام بشؤون الرعية بالكتاب والسنة اللذين بويع عليهما.
أما السياسة في واقع المسلمين فهي أشهر من أن تُعرّف، فقد كانت حياة رسول الله ﷺ كلها رعاية شؤون للمسلمين، فلا يأكل قبلهم، ولا يلبس خيرًا منهم، ولا يسكن في سكن أفضل من سكنهم، فقد كان يرعى المسلمين في الصغير والكبير من شؤونهم سلمًا وحربًا واقتصادًا واجتماعًا، وقد روى ابن ماجه في سننه، في كتاب الجهاد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ تَسُوسُهُمْ أَنْبِيَاؤُهُمْ، كُلَّمَا ذَهَبَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَأَنَّهُ لَيْسَ كَائِنٌ بَعْدِي نَبِيٌّ فِيكُمْ». قَالُوا: فَمَا يَكُونُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «تَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُوا». قَالُوا: فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: «أَوْفُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ أَدُّوا الَّذِي عَلَيْكُمْ فَسَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الَّذِي عَلَيْهِمْ».
ولقد أتى بعد سيدنا محمد خلفاء ساسوا الناس حتى عام 1924م وهو التاريخ المشؤوم الذي هدمت به دولة خلافة المسلمين، وتم طرد السلطان عبد المجيد آخر خلفاء الدولة العثمانية، وكان ذلك بالتآمر ما بين أبناء جلدتنا من العرب والمسلمين والإنجليز ويهود الدونمة في تركيا. ومن هنا بدأ الغرب الكافر بتشويه صورة السياسة والتعامل معها وبها ومع السياسيين أهلها، لأنهم ولوا علينا بالفعل أراذل القوم وأفسدهم وأكذبهم وأخونهم، وتتابع الأمر بالتوارث فلا يولى أمر السياسة إلا من يحمل تلك الصفات الخبيثة، ونسي المسلمون صفات السياسي الأول سيدنا محمد ﷺ ، وصحابته الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وتناسوا بفعل وعاظ ومشايخ الحكام والإعلام الخبيث كل تاريخ حكام المسلمين السياسي الناصع، ودوره في حماية ورعاية المسلمين، ولم يذكروا لنا وخصوصًا في الإعلام إلا تلك الأخطاء التي يقع بها أي حاكم من البشر غير المعصومين، وعليه فدولة الخلافة الإسلامية دولة يسوسها ويقودها بشر يخطئون ويصيبون، وتحاسبهم الأمة بكل جرأة وقوة واقتدار، فلا تخاف في الله جل شأنه لومة لائم متمثلين قول رسول الله ﷺ عَنِ ابْنِ عَبَاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ».
فالسياسي يضحي بكل حياته أمام الظلم والجور، ويكون أمام قومه وأهله حتى يأخذ الحق من الحاكم الجائر والظالم، أو يسجن ويعذب أو يقتل، ولما كان ذاك هو ديدن أمة الإسلام وقادتها السياسيين، كانت أمةً ناهضةً وراقيةً ومن أولى دول العالم، وقد كانت دولة الخلافة الإسلامية بالفعل الدولة الأولى في العالم وقادت البشرية إلى الخير، ولم تقدهم إلى حروب من أجل الاستيلاء على ثروات الشعوب، واستعمارهم واستعبادهم كما تفعل أمريكا الدولة الأولى هذه الأيام، وقد أصبح المسلم التقي الورع، الصائم القائم يأنف السياسة ولا يتعامل معها ولا مع أهلها، وذلك للفهم السقيم للسياسة بأن السياسي يجب أن يكون كذابًا ماجنًا، فاجرًا فاسدًا، وما إلى ذلك من صفات أبعد ما تكون عن معنى السياسة الحقيقي لغةً واصطلاحًا، والمعنى الذي دلت عليه الكثير من أحاديث المصطفى وسيرته ﷺ وسيرة الخلفاء من بعده رضي الله عنهم وأرضاهم.
ولهذا وجب العمل في حمل دعوة الإسلام بالطريق السياسي، إننا ندعو المسلمين وخصوصًا الشباب منهم لإعادة مجد الإسلام، بتحكيم شرع ربنا المتمثل بدستور مستنبط من القرآن والسنة النبوية المشرفة وإجماع الصحابة والقياس الشرعي، ونبذ كل دستور وقانون وضعي، فلا السياسة خبيثة ولا أهلها كذابون، ولا هم طلاب مناصب وكراسي حكم بل طلاب رضا رب العالمين بتحكيم شرعه، ولو ولي علينا عبد حبشي كأن رأسه زبيبة، أو كان حاكمنا شماليًا أو جنوبيًا أو إفريقيًا أو فارسيًا، فالمطلوب حاكم مسلم لا يحكم إلا بالإسلام، ولا شيء غير أو مع الإسلام.
وأختم بالقول: إن السياسة هي رعاية شؤون المسلمين في كل مناحي الحياة، لا فرق بين الاقتصاد والعبادة والزراعة والتجارة والتكنولوجيا وغيرها، وحتى يكون العمل جادًا مجدًا، ومنطبقًا مع القاعدة الفقهية الشرعية التي تنص على أن "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب". فيجب العمل مع كتلة أو جماعة أو حزب سياسي يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية وتحكيم الإسلام لا غير، ولا يجزئ العمل مع جماعة خيرية أو ما شاكل ذلك من الأعمال التي فيها خير، ولكنها لا تنقذ المسلمين من واقعهم المأساوي والناتج عن تحكيم دساتير الكفر عليهم، لقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
وليد نايل حجازات - ولاية الأردن