جانب من سياسة رسول الله استقبال وفود قبائل العرب في عام الوفود ح3 ح3
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
\n
بعد فتح مكّة في العام الثامن للهجرة، وانتهاء غزوة تبوك، وسقوط آخر المعاقل المقاومة لدولة الإسلام، وظهور نتائج الصراع بين الحق والباطل، وبين التوحيد والشرك، بادرت قبائل العرب إلى الإسلام، وأقبلت الوفود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من كل حدبٍ وصوب، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} (النصر: 2)، حتى ازداد عدد تلك الوفود في ذلك العام على الستّين وفداً - كما تشير مصادر التاريخ -، واهتمّ بعض العلماء في ذكر تفاصيلها وإيراد أخبارها كابن إسحاق في سيرته وابن سعد في الطبقات، وهذه لمحة موجزة عن وفدين من تلك الوفود على سبيل المثال:
\n
وفد نجران
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أرسل إلى نصارى نجران يدعوهم فيه إلى الإسلام، فبعثوا إليه بوفد من أشرافهم ليقابلوه، ودار النقاش طويلاً بين أولئك النصارى وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزلت الكثير من الآيات التي تجيب عن تساؤلاتهم.
وبعد أن رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعنّتهم وإصرارهم على تزوير الحقائق دعاهم إلى المباهلة - أي الملاعنة - كما أمره الله تعالى في قوله: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} (آل عمران:61) ، فامتنعوا عن المباهلة خشية أن يكون ذلك سبباً في هلاكهم ونزول العذاب بهم، ثم تصالحوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - على دفع الخراج، واشترطوا أن يبعث معهم رجلاً أمينا لقبض المال منهم، فأرسل معهم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أمين هذه الأمة، رواه البخاري
ثم ما لبث الإسلام أن انتشر بينهم، حتى بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - من يأخذ منهم صدقاتهم.
وفد الحميريّين من أهل اليمن
كانت للحميريّين وفادة في السنة التاسعة من الهجرة وافقت قدوم وفد بني تميم، وكانوا أفضل منهم، فقد قبلوا بشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما جاء عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: (يا أهل اليمن اقبلوا البشرى، إذ لم يقبلها بنو تميم) فقالوا: \"قبلنا\"، رواه البخاري، ثم قالوا: \"أتيناك لنتفقّه في الدين\"، وسألوه عن بدء الخلق وأحوال العالم، فأجابهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك كلّه كما في البخاري.
• وفود تأتي تباعا واحدا تلو الآخر معلنين إذعانهم لدولة الإسلام وانصياعهم لأوامر الله حتى أطلق على ذاك العام بعام الوفود، كل هذا نتيجة طبيعية لسياسة تركيز الدولة التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أسس وقوى البنيان وجهز وعدَّ العدة وقام بعقد صلح الحديبية الذي كان بمثابة تخلية بين المسلمين وباقي القبائل كل هذا يحدث عندما يكون للمسلمين دولة تكون مهابة الجانب، دولة أصبح كلامها يترجم لأفعال، فقد حملوا الدعوة ونشروا الإسلام ودخل في دين الله مَن دخل وهم ضمن جماعة يدعون للإسلام، لكن عندما أذن الله بإقامة الدولة اختلف الأمر وصار مَن يقوم بنشر الإسلام \"دولة\" وليسوا أفرادا، أصبح الفكر الذي نشره الأفراد من الممكن أن يترجم لفعل، وها قد تُرجم حتى أصبح الناس يدخلون في دين الله أفواجا، لذلك على من يتنطع ويقول بعدم وجوب وجود الدولة أن يعي أن حمل الدعوة ونشر الإسلام لن يأخذ حقه ولن يكون إلا بوجود دولة، الرهبة والهيبة لن يحققها المسلمون إلا بوجود دولة تحمي بيضتهم وينصاع الكل للنظام الذي يَحكموا به إما تسليما أو مهابة.