شرح مواد النظام الاقتصادي في الإسلام- المادة150- ح26
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
شرح لمواد الدستور المتعلقة بالنظام الاقتصادي في الإسلام
من مشروع دستور دولة الخلافة (من منشورات حزب التحرير).
(ح26)
شرح المادة 150
نص المادة 150:
( اذا لم تكف واردات بيت المال الدائمية لنفقات الدولة، فإن لها أن تحصل من المسلمين ضرائب، ويجب أن تسير في تحصيل الضرائب على الوجه التالي :
•أ- لسد النفقات الواجبة على بيت المال للفقراء والمساكين وابن السبيل، وللقيام بفرض الجهاد.
•ب- لسد النفقات الواجبة على بيت المال على سبيل البدل، كنفقات الموظفين وأرزاق الجند وتعويضات الحكام.
ج- لسد النفقات الواجبة على بيت المال على وجه المصلحة والإرفاق دون بدل، كإنشاء الطرقات، واستخراج المياه، وبناء المساجد والمدارس والمستشفيات.
د- لسد النفقات الواجبة على بيت المال على وجه الضرورة، كحادث طرأ على الرعية من مجاعة أو طوفان أو زلزال ).
تؤخذ واردات بيت المال الدائمية دائميا، ولا تعطل أي واحدة منها مطلقا ، لأنها أحكام شرعية، وفي تعطيلها إثم يصيب الأمة جميعها، بل يقاتل كل من ينكر أو يمتنع عن أداء أي واحدة منها، وهي الفيء، والجزية، والخراج، وخمس الركاز، والزكاة ، فقد قاتل أبو بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة، واعتبروا مرتدون، فأجاز الشرع قتالهم .
هذه الموارد الدائمية لبيت المال، كافية لإدارة شؤون الرعية ورعاية مصالحهم، ولا يحتاج الأمر لفرض ضرائب مباشرة أو غير مباشرة، ولكن الشرع مع ذلك احتاط فجعل حاجات الأمة قسمين: حاجات فرضها على بيت المال، وحاجات فرضها على المسلمين كافة، وجعل للدولة الحق في أن تحصل المال منهم لقضاء تلك الحاجات، وعلى ذلك، فالضرائب هي: مما فرضه الله تعالى على المسلمين لقضاء مصالحهم، وجعل الإمام واليا عليهم، يحصل هذا المال، وينفقه هو على الوجه الذي يراه، ويصح أن يسمى هذا المال ضريبة، كما يصح أن يسمى مالا مفروضا وغير ذلك.
ويجوز للإمام أن يفرض ضريبة على المسلمين، وأن يأخذها منهم بالقوة إن أبوا، وأخذها في هذه الحال لا يكون بناء على أمر السلطان، بل بناء على أمر الله بها، والسلطان إنما ينفذ الأمر الذي أمر به الله.
والضريبة لا تؤخذ الا من المسلمين، لأن قضاء الحاجات الذي فرضه الشرع، إنما فرضه على المسلمين فقط، فلا تؤخذ الضريبة من غيرهم، فالذمي لا يدفع إلا الجزية، والخراج عن الأرض.
والضريبة لا تؤخذ إلا عن ظهر غنى، أي ما يفضل عن إشباعه حاجاته الأساسية، وحاجاته الكمالية بالمعروف، لأن نفقة الفرد على نفسه هي سده لكفاية جميع حاجاته، التي تتطلب إشباعا بالمعروف، حسب حياته التي يعيش عليها بين الناس.
أما ما ذكر في المادة من تفصيلات أوجبها الله تعالى على المسلمين :
فالفقرة (أ) :- دليلها، أن الله فرض على الخليفة أن ينفق على الفقراء والمساكين وابن السبيل، وأن ينفق للقيام بفرض الجهاد، قال سبحانه وتعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل)، والخليفة هو الذي يجمعها، وهو الذي يعطيها لمستحقيها الثمانية، وإن لم تكف هذه الصدقات، فللخليفة إن يأخذ من الأبواب الأخرى في بيت المال، فان لم يكف المال الذي ببيت المال، انتقل الفرض على المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم) وقال في صحيح البخاري: (فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)، ومن أدلة وجوب الإنفاق على الجهاد قوله سبحانه وتعالى: (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم).
وأما الفقرة ب:- فدليلها أن الله فرض على الخليفة نفقات الموظفين، وأرزاق الجند، أي أجرتهم، بعقد الإجارة الذي عقده معهم، وفرض على بيت المال تعويضات الخليفة وسائر الحكام، من ولاة وعمال وغيرهم، بدليل تخصيص الصحابة لأبي بكر مالا معينا من بيت مال المسلمين، مقابل تركه التجارة، وتفرغه للخلافة، وكذلك فرض على المسلمين أن يقيموا المدارس والمعاهد والجامعات للتعليم، لإيجاد شخصيات إسلامية، ولتزويد الناس بالعلوم والمعارف المتعلقة بشؤون الحياة، وجعل تعليم ما يلزم للإنسان في معترك الحياة فرضا على الدولة أن توفره لكل فرد، ذكرا كان أو أنثى مجانا، وفسح مجال التعليم العالي مجانا للجميع.
والتعليم يلزمه المعلمون، إذ لا يتأتى تعينهم إلا بإيجاد مال يدفع أجرة لهم، فتكون لذلك أجرتهم واجبة.
وفرض الله على الخليفة النفقة على القضاء، وتعيين القضاة الذين يفضون الخصومات بين الناس، بعقود إجارة لابد من استيفائها، وذلك من باب دلالة الالتزام، أي وجوب إقامة القاضي ، يلزم منها وجوب دفع أجرته، ومن باب مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وأما سائر الموظفين، فإن كان العمل الذي يقومون به قد أوجبه الله على المسلمين وعلى بيت المال، مثل أئمة المساجد، وموظفي إدارة الشؤون الحربية، ومن على شاكلة ذلك، فإن الضرائب تفرض من أجلهم، وأما إن كان مما أوجبه الله على بيت المال فقط، ولم يوجبه على المسلمين، مثل جباة الأموال والغارمين، فلا يفرض عليهم ضريبة من أجلهم، وأما تعويضات الحكام، فإن الله قد فرض على المسلمين إقامة الحاكم الذي يحكمهم بالإسلام، فيكون قد فرض عليهم المال الذي يأخذه الحاكم بدلالة الالتزام، من أجل تفرغه للحكم.
أما الفقرة (ج) :- فإن الله فرض على الخليفة أن يقوم برعاية مصالح المسلمين، بالإنفاق على ما فيه مصلحتهم والإرفاق بهم.
فالمصلحة هي ما تستعمله الأمة كلها، مثل استخراج المياه والتعليم وإصلاح الطرق وما شاكل ذلك.
والمرافق هي من الإرفاق، وهو ما يرتفق به الناس لقضاء مصالحهم، مثل أمكنة الاستراحة للمسافرين، ومثل المراحيض العامة، والمستشفيات للمرضى، والمساجد للمصلين، فالمسلم يرتفق في ساحة المسجد للجلوس، وفي مياهه للوضوء، فالشرع أوجب مثل هذه الأمور على الخليفة، لأن فيها مصلحة المسلمين، وفي عدم وجودها مضرة لهم، وإزالة الضرر واجبة على الخليفة، وكذلك واجبة على المسلمين، عن ابن عباس قال:) : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ضرر ولا ضرار)، وقال: (من ضار أضر الله به ومن شاق شاق الله عليه)، فالذي أوجب إزالة الضرر، وجعله فرضا على الخليفة وعلى المسلمين، هو عموم الأدلة، فكلمة (لا ضرر ولا ضرار) عام، وكذلك ( من شاق) عام، فيشمل الخليفة ويشمل جميع المسلمين.
وأما الفقرة(د) :- فدليلها ما ورد من أدلة إغاثة الملهوفين، فإن أمثال الطوفان والزلازل ونحوهما، تدخل في إغاثة الملهوفين، وأما المجاعات، فتدخل في حديث (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم)، فهي واجبة على بيت المال وعلى المسلمين لعموم الأدلة.
وإلى حلقة قادمة ومادة أخرى من مواد النظام الاقتصادي في الإسلام، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو الصادق