السبت، 21 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

نصائح للآباء والأبناء ح4

بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
يتجدد اللقاء الأسبوعي معكم في موضوع ، نصائح للآباء والأبناء
فحياكم الله معنا ، وجزاكم الله كل خير على حضوركم

إخواني الكرام أخواتنا الكريمات ،،
نصائحنا اليوم للوالدين العزيزين ، وكذلك لأبنائنا فلذات أكبادنا ستكون نصائح متصلة بعضها ببعض ، وإن جاز لنا القول ستكون النصائح مكملة لبعضها البعض .
ذلك أننا سنتناول موضوعا هاما وجب الانتباه إليه جيدا ، وغرسه في نفوس أبنائنا منذ صغرهم ، ألا وهو كيف نجعل من أبنائنا قادة ملهمين وساسة مبدعين وكذلك نرشد أبناءنا كيف يكونوا قادة لا منقادين .
وهذا الأمر كما قلت من الأمور الهامة التي يجب على الآباء الانتباه لها ، وهذا الأمر يتطلب بداية توضيح معنى القيادة فالقيادة هي كما جاء في الغني : (مصدر. قاد). ."قيادة شعب" : تدبير شؤونه، ترؤسه.
وفي المحيط : الترؤس وتدبير أمور الآخرين
فالقائد سياسي إذ أن السياسة هي رعاية الشؤون ، فعلينا أن نجعل من أبنائنا قادة وسياسيين


ولكن كيف ؟
أولا، بتنبيههم لحقوق الآخرين "من أبوين وإخوة و ... "منذ السن المبكرة في حياتهم ، فعلى الأبوين تعليم أبنائهم معنى احترام والديه وطاعتهما وبرهما ، فيربيان أبناءهم على مراعاة حقوق الوالدين، فلا يمشي أمامهما ولا يناديهما بأسمائهما مجردة هكذا، بدون كلمة أمي أو أبي، ولا يجلس قبلهما، ولا يتضجر من نصائحهما، ولا يخالف أمرهما، ولا يبدأ بالطعام قبلهما، وأن يدعو لهما ولا يرفع صوته أمامهما، ولا يقاطعهما أثناء الكلام، ولا يخرج إلا بإذنهما، ولا يزعجهما إذا كانا نائمين، ولا يمد رجليه عندهما، ولا يدخل قبلهما، ويلبي نداءهما بسرعة، إلى غيرها من الآداب مع الوالدين .


ومن ثم ينتقلون إلى احترام إخوانهم وأقاربهم وجيرانهم ، حتى معلميهم في مدارسهم فيعمل الأبوين على ترغيب أولادهم في توقير الكبير ورحمة الصغير وحب المساكين والداعين إلى الخير والإحسان لهم بما يقومون به من أمر بمعروف ونهي عن منكر .


وعلى الأبوين الانتباه إلى أمر هام ألا وهو تعويد الولد على أنه مسؤول ، فهو مسؤول عن نفسه أولا ، بالقيام بأموره التي يقدر عليها حسب سنه ، من ترتيب سريره وطي ثيابه والتخلص من القمامة ، ولا بأس من تكليفه بشراء بعض الحاجيات الخفيفة للمنزل وتكليف البنت بتنظيف بعض الأواني أو العناية بأخيها الصغير، ويتدرج مع الأطفال في التكاليف شيئا فشيئا حتى يتعودوا على تحمل المسؤوليات والقيام بالأعمال المناسبة لهم.


كما أنه مسؤول عن أخوته الأصغر منه سنا ، فعليه احترامهم وعدم أذيتهم والعطف عليهم ولا بأس من مساعدتهم في بعض دروسهم، وإن كان الجد والجدة يعيشون في نفس البيت على الآباء تعويد أبنائهم على أنهم مسؤولون عن رعاية هذا الجد وهذه الجدة من تلبية طلباتهم كأحضار كوب ماء لهم أو المسك بأيديهم لمعاونتهم على المشي وما إلى ذلك من أمور تعود الولد والبنت أيضا على معنى المسؤولية ورعاية الشؤون .


ومن تحميل الطفل المسؤولية أن يتحمل تبعة ما يقوم به من أعمال ، فيعلم أنه هو المسؤول عما يرتكبه من أخطاء ويطالب بإصلاح ما قد أفسده والاعتذار عن أخطائه ،وتربيته على الثقة بالنفس، بتعويده الجرأة والشجاعة والصراحة، وإعطاؤه حرية التصرف وتحمل المسؤولية، وممارسة الأمور على قدر نموه، وأخذ رأيه ومشورته، وتعويده على أنه لا يلزم أن يؤخذ باقتراحه أو رأيه.

كما أن على الوالدين تجنيب أبنائهم بعض الأمور ، كالتقليد الأعمى مثلا ، أو عدم ثقة الطفل بنفسه واحتقاره لذاته ، وهذا الأمر بيد الأبوين ، بسبب كثرة التحقير له وإهانته، خصوصا أمام إخوته وأقاربه ، أو مناداته بألفاظ غير طيبة كـ (يا غبي ) .


وأيضا الاستهتار برأي الولد وعدم الاهتمام به : بل ربما أحيانا قد يقول له : حتى أنت بدأت تتكلم ويكون لك رأي، الرأي الأول والأخير لي، لك الرأي والاحترام، لكن عود ابنك على إبداء رأيه واحترامه، ولا يلزم أن يكون رأي الابن هو الصائب، لكن على الأقل يشعر أن له أهمية .


ومن الأمور التي تضعف الثقة بالنفس أمره بالسكوت عند الرجال : وهذا أحيانا قد يكون مفيدا إذا كان الولد صغيرا ولا يحسن الكلام، أو عندما لا يطلب منه الكلام ، أو لا يجد فرصة للكلام فيقاطع الآخرين، لكن عندما يجد فرصة للكلام دون مقاطعة الآخرين ، وبالأخذ بآداب الكلام، فلماذا يمنع من الكلام ؟

وهذا الأمر أي تعزيز الثقة بالنفس يجب مراعاة جانب هام فيه ألا وهو أن تكون تلك الثقة وذلك الاعتزاز بالذات بدون غرور أو تكبر....

وانظروا إلى هذه القصة التي تعبر عن الثقة بالنفس: روى الحافظ بن عساكر أن عبد الله بن الزبير كان يلعب مع بعض أترابه من الصبيان، فمر الخليفة عمر بن الخطاب_ رضي الله عنه_، ففر الصبية خوفا من الفاروق وبقي ابن الزبير لا يريم فأقبل عليه عمر وقال له: ما لك لم تفر مع أصحابك يا غلام ؟ فرد عليه عبد الله ببساطة وبراءة: يا أمير المؤمنين!... لست مذنبا فأخافك.. وليست الطريق ضيقة فأوسع لك فيها!.

وإذا تربى الأطفال على الثقة بالنفس أمكنهم تحمل المسؤوليات الجسام كما كان أبناء الصحابة يسعون جاهدين ليكونوا مع المجاهدين في سبيل الله ويبكي أحدهم لأنه حرم من هذا الأجر العظيم. بل وصل الحال بالصحابة الكرام من شدة اشتياقهم ومنافستهم للجنة أن الآباء يقترعون مع أبنائهم في الخروج للغزو ، ولا يؤثر أحد أخاه في ذلك ، حيث استهم يوم بدر خيثمة بن الحارث وابنه سعد ، فخرج سهم سعد ، فقال له أبوه: يا بني آثرني اليوم ، فقال له سعد: يا أبت لو كان غير الجنة فعلت ، فخرج سعد إلى بدر فقتل بها ، وما زال أبوه خيثمة يتطلع إلى الجنة حتى كان يوم أحد فقتل يوم أحد". المصدر: الإصابة:2/24

ومن الأمور التي تعزز ثقة الطفل بنفسه ، مدح أعمال الطفل وانجازاته أمام الغير ولكن دون إكثار، وأيضا مساعدته في اتخاذ القرار بنفسه، والسؤال عن رأيه ، بل وأخذ رأيه في أمر من الأمور ، ولا بد من تعليمه مهارات إبداء الرأي والتقديم وكيف يتكلم ويعرض ما عنده للناس ، بل ويكون عنده الشجاعة على توجيه الأسئلة لهم .


هذه بعض الأمور التي تساعد في جعل شخصيات أبنائنا شخصيات قيادية تعرف معنى المسؤولية ، وتكون قادرة عليها بإذنه تعالى .


وإلى أبنائنا الأعزاء أبدأ بهذه القصة حصلت في زمن هشام بن عبد الملك ، حيث قحطت البادية في أيامه ، فقدمت القبائل إلى هشام ودخلوا عليه ، وفيهم " درواس بن حبيب " وعمره أربع عشر سنة ، فأحجم القوم وهابوا هشاما ، ووقعت عين هشام على درواس فاستصغره ، فقال لحاجبه: ما يشاء أحد أن يصل إلى إلا وصل ، حتى الصبيان؟! علم درواس أنه يريده ، فقال يا أمير المؤمنين: إن دخولي لم يخل بك شيئا ولقد شرفني، وإن هؤلاء القوم قدموا لأمر أحجموا دونه، وإن الكلام نشر والسكوت طي، ولا يعرف الكلام إلا بنشره، فقال هشام : فانشر لا أبا لك!! وأعجبه كلامه ، فقال يا أمير المؤمنين: أصابتنا ثلاث سنين: فسنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة نقت العظم ، وفي أيديكم فضول أموال ، إن كانت لله ففرقوها على عباد الله المستحقين لها، وإن كانت لعباد الله فعلام تحبسونها عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين، ولا يضيع أجر المحسنين، واعلم يا أمير المؤمنين: أن الوالي من الرعية كالروح من الجسد، لا حياة للجسد إلا به . فقال هشام : ما ترك الغلام في واحدة من الثلاث عذرا ، وأمر أن يقسم في باديته مئة ألف درهم . وأمر لدرواس بمئة ألف درهم . فقال يا أمير المؤمنين: أرددها إلى أعطية أهل باديتي فإني أكره أن يعجز ما أمر لهم به أمير المؤمنين عن كفايتهم؟ فقال: ما لك من حاجة تذكرها لنفسك؟ قال: مالي من حاجة دون عامة المسلمين!.

إن في هذه القصة عبرة بل عبر ، فانظروا إلى ثقة هذا الغلام وجرأته في الحق . وأيضا انظروا كيف تقدم الجميع للحديث رغم صغر سنه ، ولكن وعيه بمعنى رعاية ومعنى كونه قائدا ، وبما عنده من أفكار ومفاهيم صافية عن الهدف من الحياة جعله يقول ما يقول .
فانظر بني الكريم وانظري بنيتي الكريمة أين أنت من درواس ؟


فيجب عليك تعلم كيف تكون قائدا ، بل من واجبك أن تكون قائدا سياسيا يرعى شؤون من حوله ، فمجرد انتقالك من سن الطفولة وبلوغك سن التكليف بت راعيا ومسؤولا عن رعيتك ، وهذا الأمر لا يأتي بدون جهد أو عمل.


إن ثقافة الأمة الإسلامية هي العمود الفقري لوجودها وبقائها ، فعلى هذه الثقافة تبنى الشخصيات ، هذه الثقافة هي من صنعت الرجال والأبطال والعلماء والمفكرين ، هي من أوجدت درواس الذي سطر بموقفه هذا رغم صغر سنه أروع الأمثلة وأجمل المواقف ، هذه الثقافة صنعت لنا شخصيات بعقليات حملت الفكر الصحيح من صلب العقيدة الإسلامية ونفسيات طوعت للأحكام الشرعية ، فكانوا بحق خير أمة أخرجت للناس قادة وعلماء ومفكرين وسياسيين في آن واحد .
فإلى ذلكم ندعوكم أيها الآباء والأبناء الأعزاء ، إلى أن تكون الثقافة الإسلامية نصب أعينكم في بناء شخصياتكم وشخصيات أبنائكم ندعوكم أيها المسلمون .


قال تعالى:
" يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " التحريم:6

وقال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيـان منـا *** على ما كان عوده أبـوه


وفي الختام أحييكم وإلى لقاء آخر ونصائح أخرى إلى الآباء والأبناء فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،

أم سدين

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع