شرح مواد النظام الاقتصادي في الإسلام (ح29)- شرح المادة (153)
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
شرح لمواد الدستور المتعلقة بالنظام الاقتصادي في الإسلام
من مشروع دستور دولة الخلافة (من منشورات حزب التحرير).
(ح29)
شرح المادة 153
نص المادة 153:
( تضمن الدولة ايجاد الأعمال لكل من يحمل التابعية ) .
تبين هذه المادة إن يضمن الخليفة يضمن إيجاد الأعمال لكل من يحمل تابعية الدولة، مسلما كان أم غير مسلم،وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته)، وإن من الأمور المهمة في رعاية الشؤون، إيجاد العمل للقادرين عليه ولا يجدونه، عن أنس بن مالك أن رجلا من الأنصار، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال ( لك في بيتك شيء) قال بلى: حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقدح نشرب فيه الماء، قال: ( إئتني بهما) قال فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم قال: ( من يشتري هذين ) فقال رجل: أنا أخذهما بدرهم، قال من يزيد على درهم، مرتين أو ثلاثا، قال رجل: آخذهما بدرهمين: فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال: (اشتر بأحدهما طعاما فانبذه الى أهلك، واشتر بالآخر قدوما فأتني به)، ففعل، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشد فيه عودا بيده وقال: ( إذهب واحتطب ولا أراك خمسة عشر يوما) فجعل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فقال: (اشتر ببعضها طعاما وببعضها ثوبا) ثم قال: ( هذا خيرلك من أن تجيء والمسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح الا لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع او دم موجع)، فمباشرة الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل في ايجاد عمل له، هي دليل ساطع على وجوب ايجاد العمل للعاطل عنه على الخليفة.
وفوق ذلك، فإن النفقة على بيت المال للعاجز، فعلا أو حكما، فالعاجز فعلا، هو الذي لا يقدر على العمل لما عنده من مرض او عاهة اوغير ذلك، أما العاجز حكما، فهو الذي يقدر على العمل ولا يجده، فهو عاجز حكما وتجب له النفقة، فيكون توفير العمل للعاجز حكما، كتوفير النفقة للعاجز فعلا سواء بسواء، وأيضا فإن الشرع حرم السؤال، إي حرم الاستجداء من الناس، وأجازه من السلطان أي من الدولة، جاء في مسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو يسأل في الأمر لا يجد منه بدا)، فهذا الحديث دليل على سؤال السلطان عن العمل وعن النفقة، لكل من يحمل التابعية، وعلى الدولة ان تقطع بعض الأرض التي لا مالك لها لمن يكون عاطلا عن العمل وعنده القدرة على مزاولة الزراعة، وتعطيه مالا من بيت المال لسد حاجاته واستغلال الأرض، فقد أعطى عمر بن الخطاب من بيت المال للفلاحين في العراق أموالا أعانهم بها على زراعة أرضهم، وسد بها حاجاتهم دون أن يستردها منهم.
وقد جعل الإسلام إشباع الحاجات الأساسية وتوفيرها لمن لم يجدها فرضا، فإذا وفرها الفرد لنفسه بالعمل كان بها، وإن لم يوفرها لنفسه لعدم مقدرته او لعدم وجود مال كاف بين يديه، أو لعدم إمكانية تحصيل المال الكافي، جعل الشرع إعانته على غيره، ورتبها، وجعلها أولويات، فلا بد من أن تصيبه واحدة منها، فأولى هذه الأولويات أن يوجد له عمل وفره هو لنفسه أو وفرته الدولة له، فإذا لم يتمكن من هذا، ينتقل إلى الأمر الثاني: وهو وجوب نفقته على الأقارب الورثه، قال تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف، لا تكلف نفس إلا وسعها، لا تضار والدة بولدها، ولا مولود له بولده، وعلى الوارث مثل ذلك) اي على الوارث مثل المولود له من حيث الرزق والكسوة، وليس المراد بالوارث ان يكون وارثا بالفعل، بل أن يكون ممن يستحق الميراث.
أما الأمر الثالث: فان لم يكن له أقارب ورثة، ممن أوجب الله عليهم نفقة قريبهم، انتقلت نفقته على بيت المال في باب الزكاة، أما غير المسلم ممن يحمل التابعية، انتقلت إلى بيت المال من غير الزكاة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فإلينا) رواه مسلم، والكل هو الضعيف الذي لا ولد له ولا والد،.
فان لم يف قسم الزكاة من بيت المال في حاجات الفقراء والمساكين، كان واجبا على الدوله ان تنفق عليهم من ألأبواب الأخرى من بيت المال، فان لم يوجد في بيت المال مال ينتقل الوجوب الى الأمر الرابع ألا وهو أن تفرض الدولة ضريبة على أموال الأغنياء، وتحصلها لتنفق على الفقراء والمساكين منها، لأن النفقة فرض على الأقارب، فان لم يوجد فعلى واردات الزكاة، فان لم يوجد منها واردات ففرض على بيت المال، فان لم يوجد فيه مال كانت فرض على جميع المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: (أيما أهل عرصه أصبح فيهم امرؤ جائع،فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى)، والرسول صلى الله عليه وسلم ألزم الأنصار بإعالة المهاجرين الفقراء، مما يدل على أنه فرض على جميع المسلمين حتى يكفوهم.
أما إن قصرت الدولة في توفير العمل لمن هو بحاجة إليه، وقصرت جماعة المسلمين في كفالة المحتاجين من الفقراء والمساكين، (وليس متوقعا في جماعة المسلمين أن تقصر ولا في الدولة أن تقصر)، انتقل إلى الأمر الخامس، ألا وهو أن يأخذ الفرد ما يقيم به أوده من أي مكان يجده، سواء أكان ملك الأفراد أم ملك الدولة،فلم يعتبر الشارع أخذ الطعام في عام المجاعة سرقة تقطع اليد عليها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا قطع في زمن المجاع)، وفي هذه الحال لا يباح للجائع ان يأكل لحم الميتة، مادام هناك أكل عند أحد من الناس، لأنه لا يعد مضطرا لأكل الميتة، مع وجود ما يأكله في يد إنسان أخر، أما إذا لم يستطع الحصول على الأكل فإن له ان يأكل لحم الميتة لإنقاذ حياته.
فالإسلام ضمن للمسلم العمل، وضمن له العيش الكريم، لا منحة ولا عطفا من أحد، بل هذا واجب أوجبه الله تعالى على الخليفه وعلى المسلمين.
والى حلقه قادمه وماده اخرى من مواد النظام الاقتصادي في الإسلام.
نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو الصادق