قانتات حافظات- حقوق الأم
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
لَقَدْ عَنِيَ الشَّرْعُ بِالأُمِّ عِنَايَةً فَائِقَةً تَفُوقُ أَيَّ نَظْرَةٍ وَعِنَايَةٍ فَرَضَتْهَا النُّظُمُ الأُخْرَى، وَالْمُطَّلِعُ على اِلنُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ يَجِدُ أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ أوْصَى بِهَا خَيْرَ وِصَايَةٍ، فَهذا حَديثُ الرَّسولِ صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ عِنْدَما جاءَهُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أَبُوكَ} فَفِي الحَديثِ دَليلٌ على أَنَّ مَحَبَةَ الأُمِّ وَالشَّفَقَةَ عَلَيْها يَنْبَغي أَنْ تَكونَ ثَلاثَةَ أَمْثالِ الأَبِ لِذِكْرِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الأمَّ ثَلاثَ مَراتٍ وَذِكْرِ الأَبِ مَرَّةً واحِدَةً. وَالسِّرُ في ذلِكَ كَمَا قالَهُ ابْنُ بطال أنَّ الأمَّ تَنْفَرِدُ عَنِ الأَبِ بِثَلاثَةِ أَشْيَاءَ: صُعُوبَةِ الحَمْلِ وَصُعُوبَةِ الوَضْعِ، وَصُعُوبَةِ الرَّضَاعِ، فَهذهِ تَنْفَرِدُ بِهَا الأُمُّ وَتَشْقَى بِها ثُمَّ تُشَارِكُ الأَبَ فِي التَّرْبِيَةِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: إنَّ لِلأُمِّ ثُلُثَيِ البِرِ بِنَاءً عَلى هذا الحديثِ.
جَاءَتِ الْوَصِيَةُ في الْقُرْآنِ الكَريمِ بِالْوالِدَيْنِ عُمُوماً وَبِالأُمِّ خَاصَّةً، وَذلِكَ فِي آيَةِ سُورَةِ لُقْمَان: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } وَفي سُورَةِ الأَحْقَافِ أيْضاً يَقُولُ تَعَالَى:{ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }.
فَفِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ الْكَريمَتَيْنِ يَذْكُرُ اللهُ تَعَالَى أَسْبابَ وَحَيْثِيَاتِ التَّوْصِيَةِ لِجانِبِ الأُمِّ، فَيَذْكُُرُ الْقُرْآنُ الكَريمُ مَتَاعِبَ الأُمِّ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَلَدِ مِنْ حَيْثُ قِيَامُها بِحَمْلِهِ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وِهِيَ امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ، تَتْعَبُ مِنْ هذا الْحَمْلِ الذِّي يَسْتَمِرُ لِشُهُورٍ عَديدَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ تِلْكَ الْمُعاناةِ مِنَ الْحَمْلِ تَضَعُهُ كُرْهاً: أيْ بِكُرهٍ وَمَشَقَّةٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ قَامَتْ بِإِرْضَاعِهِ، وَهَذِهِ الأُمُورُ قَدْ حَدَثَتْ فِي مَرْحَلَةٍ لَمْ يَبْلُغْ فِيهَا الابْنُ بَعْدُ مَسْأَلَةَ الإدْراكِ لِمَا يَحْدُثُ، فَهِيَ أُمورٌ غَيْرُ مَنْظورَةٍ لِلطِّفْلِ، وَبِهذا لا يَسْتَطيعُ أنْ يُدْرِكَ حَجْمَ المَتاعِبِ التِّي تَتَكَبَدُها الأُمُّ فِي فَتْرَةِ الْحَمْلِ وَالرَّضاعَةِ، وَمَا تَبْذُلُهُ مِنْ جُهْدٍ عَظيمٍ لِرِعايَتِهِ فِي مَرْحَلَةِ طُفُولَتِهِ المُبَكِّرَةِ.
وَيُوَضِّحُ هذا الْمَعْنى فَضِيلَةُ الشَّيْخ الشَّعْراوي ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ مِنْ عُلَمَاءِ الأَزْهَرِ الشَّريفِ قائِلاً :
إنَّ اللهَ سُبْحانَهُ وَتَعالى في تَوْصِيَتِهِ بِالأُمِّ قَدِ اخْتَصَّها؛ لأنَّها تَقُومُ بِالجُزْءِ غَيْرِ الْمَنْظورِ في حَيَاةِ الابْنِ أوْ غَيْرِ الْمُدْرَكِ عَقْلًا، بِمَعْنى أنَّ الطِّفْلَ وَهُوَ صَغيرٌ في الرَّضاعَةِ وَفي الحَمْلِ وَالوِلادَةِ، وَحتى يَبْلُغَ وَيَعْقِلَ، الأمُّ هي التي تُقَدِّمُ لَهْ كُلَّ شَيْءٍ، هِيَ التِّي تَسْهَرُ لِتُرْضِعَهُ، وَهِيَ التِّي تَحْمِلُ وَهِيَ التِّي تَلِدُ، فإذا كَبُرَ الطِّفْلُ وَعَقَلَ مَنِ الذِّي يَجِدُهُ أمامَهُ؟ يَجِدُ أَباهُ؛ إذا أرادَ شَيْئًا فإنَّ أباهُ هُو الذِّي يُحَقِّقُهُ لَهُ، وَإذا أَرادَ أنْ يَشْتَرِيَ لُعْبَةً جَديدَةً وَملابِسَ جَديدَةً، وَإذا أرادَ مالًا.. الخ، كُلُّ هذا يَقُومُ بِهِ الأَبُ.
إذًا فَضْلُ الأبِ ظاهِرٌ أمامَهُ، أمَّا فَضْلُ الأمِّ فَمُسْتَتِرٌ؛ وَلِذلِكَ جَاءَتِ التَّوْصِيَةُ بِالأُمِّ أَكْثَرَ مِنَ الأَبِ، لِماذا؟ لأنَّ الطِّفْلَ حينَما يُحَقِّقُ لَهُ أبوهُ كُلَّ رَغَبَاتِهِ يُحِسُّ بِفَضْلِ أَبيهِ عَلَيْهِ، وَلكِنْ نادِرًا مَا يُقَدِّرُ التَّعَبَ الذِّي تَعِبَتْهُ أُمُّهُ، وَهُوَ يَزيدُ أضْعافَ أضْعافَ مَا يُقَدِّمُهُ لَهُ أبُوهُ، مِن هُنا جاءَتِ التَّوْصِيَةُ بِالأُمَّ
وَلِلأُمِّ عَلَى وَلَدِهَا حُقُوقٌ مَعْنَوِيَةٌ كَثِيرَةٌ وَكَبيرَةٌ لا يُحْصيهَا الْمُحْصِي وَلكِنْ نَذْكُرُ مِنْها:
أ - حُبَّهَا وَتَوْقِيرَهَا فِي النَّفْسِ وَالقَلْبِ مَا اسْتَطاعَ لأنَّها أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صُحْبَتِهِ.
فَهِيَ التِّي جَعَلَتْ بَطْنَها لَهُ وِعَاءً وَثَدْيَهَا لَهُ سِقَاءً، فَحُبُّهَا لازِمٌ وَلا بُد، وَالفِطْرَةُ تَدْعُو إِلَيْهِ، بَلْ إِنَّ حُبَّ الأَوْلادِ لأُمَّهاتِهِمْ وَحُبَّ الأُمَّهَاتِ لأَوْلادِها فِطْرَةٌ فَطَرَ اللهُ عَلَيْها الْبَهَائِمَ وَالدَّوابَّ، فَبَنُو البَشَرِ أوْلى بِذلكَ وَالمُسلِمُونَ أَوْلى بِذلِكَ كُلِّهِ.
ب - الرِّعايَةَ وَالقِيامَ عَلى شُؤُونِها إنِ احْتاجَتْ إِلى ذَلكَ بَلْ إنَّ هذا دَيْنٌ في عُنُقِ وَلَدِهَا. أَلَيْسَتْ قَدْ رَعَتْهُ طِفْلاً صَغيراً وَسَهِرَتْ عَلَيْهِ وَكانَتْ تَصْبِرُ عَلى أَذَاهُ .. بَلْ إنَّ ذلكَ قَدْ يُقَدَّمُ عَلى الجِهادِ إِنْ تَعَارَضَ مَعَهُ.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرُو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهادِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحَيٌّ والِداكَ؟ قالَ: نَعَم، قالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ. رَواهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِم
ت -عَدَمَ أَذِيَتِهَا أَوْ إِسْمَاعِهَا مَا تَكْرَهُ مِنَ الْقَوْلِ أوِ الفِعْلِ.
قالَ تَعالى: { فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍ } فَإذا كانَ اللهُ تَعالى حَرَّمَ قَوْلَ " أُف " لِلْوالِدَيْنِ: فَكَيْفَ بِمَنْ يَضْرِبُهُمَا؟!! .
ج - الطَّاعَةَ وَالائْتِمَارَ بِأَمْرِهَا إِنْ أَمَرَتْ بِمَعْرُوفٍ، أمَّا إنْ أَمَرَتْ بِشَرٍّ كَالشِّرْكِ: فَلا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالِقِ.
قالَ تَعالى :{ وَإِنْ جَاهَداكَ عَلى أنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً } ( لقمان / 15 ) .
ح - أَمَّا بَعْدَ مَوْتِها فَيُسَنُّ قَضَاءُ مَا عَلَيْهَا مِنْ كَفَّاراتٍ وَالتَّصَدُّقُ عَنْها وَالْحَجُّ أَوِ الاعْتِمَارُ عَنْها.
عَنِ ابْنِ عَبَاسَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: " أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إلى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْها؟ قَالَ: نَعَم حُجِّي عَنْها، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ، اقْضُوا (في حالة البدء بها تُقرأ إقضوا) اللهَ فَاللهُ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ". رَواهُ البُخارِيُّ.
خ - وَكَذلِكَ بَعْدَ مَوْتِهَا يُسَنُّ بِرُّهَا بِصِلَةِ مَنْ كانَتْ تَصِلُهُمْ وَتَحْتَرِمُهُمْ كَأَقَارِبِهَا وَصديقاتِها.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: " إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ ".
أَمَّا حُقُوقُ الأُمِّ المَادِيَّةُ فَهِيَ مُتَمَثِلَةٌ بِـ :
أ- النَّفَقَةِ عَلَيْهَا إِنْ أُعْوِزَتْ (إنِ احْتاجَتْ) وَلَمْ يَكُنْ لَها زَوْجٌ يُنْفِقُ عَلَيْها أَوْ كَانَ زَوْجُهَا مُعْسِراً. بَلْ إِنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا وَإِطْعَامَهَا عِنْدَ الصَّالِحِينَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يُطْعِمُوا أَبْناءَهُمْ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَرَجَ ثَلاثَةٌ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمُ الْمَطَرُ فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ، قَالَ: فَقالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ادْعُوا اللهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ فَقالَ أَحَدُهُمُ اللّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرانِ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلِبُ فَأَجِيءُ بِالحِلابِ فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ فَيَشْرَبَانِ ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي، فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ قَالَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغُونَ (( يَبْكُونَ بَصَوْتٍ عَالٍ )) عِنْدَ رِجْلِي فَلَمْ يَزَلْ ذلِكَ دَأْبِي وَدَأْبُهُمَا حَتى طَلَعَ الفَجْرُ. اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْها السَّماءَ، قَالَ فَفَرَجَ عَنْهُمْ .... " . رَواهُ البُخارِيُّ وَمُسْلِمُ.
ب - جُعِلَ لَهَا نَصِيبٌ فِي الميراثِ لا يَحْجُبُهُ شَيْءٌ وَقَدْ جَاءَ ذلِكَ مُوَضَّحاً فِي قَوْلِهِ تَعالى: " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ"
هذِهِ هِيَ نَظْرَةُ الشَّرْعِ لِلْمَرْأَةِ كَأُمٍّ، وَهذِهِ بَعْضُ الحُقُوقِ المَادِيَّةِ وَالمَعْنَوِيَةِ لَهَا، وَقَدْ حَرَصَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ عَلى بِرِّ أُمَّهَاتِهِمْ، بَلْ قِيلَ إنَّ عُمَرَ بنَ الخَطابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ تَمَنَّى لَوْ كَانَتْ لَهُ أُمٌّ لِيَبَرَّهَا، وَلا نَنْسَى أُوَيْسَ القَرْنِيَّ الذِّي ذَكَرَهُ الرَّسُولُ الكَريمُ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ أَنْ يَراهُ وَأَخْبَرَ الصَّحَابَةَ رِضْوانُ اللهِ عليهِمْ عَن بِرِّهِ لِوالِدَتِهِ، وَزَيْنُ العَابِدينَ مِنْ سَادَةِ التَّابِعينَ الذِّي لَمْ يَكُنْ يَأْكُلُ مِنْ صَحْنٍ تَأْكُلُ مِنْهُ أُمُّهُ مَخافَةَ أَنْ تَمْتَدَّ يَدُهُ إِلى ما سَبَقَتْ إِلَيْهِ عَيْنُهَا، فَيَكُونُ قَدْ عَقَّهَا، وَكَانَ حَيْوَةُ بنُ شُرَيْح -وَهُوَ مِنْ كِبَارِ العُلَماءِ- يَجْلِسُ فِي حَلَقَتِهِ يُعَلِّمُ النَّاسَ، فَتَقُولُ لَهُ أُمُّهُ: قُمْ يا حَيْوَةُ! فَأَلْقِ الشَّعيرَ لِلدَّجَاجِ، فَيَقُومُ فَيُطْعِمُهُمْ ثُمَّ يَرْجِعُ.
فَأَحْمَدُ اللهَ تعالى أَنْ هَدانا لِهذا الدِّينِ الذِّي كَرَّمَ المَرْأَةَ فِي كًُلِّ شُؤُونِها، وَجَعَلَهَا فِي أَعْلى مَكَانَةٍ وَأَرْفَعِ مَنْزِلَةٍ.
إلى أنْ نَلْقاكُمْ في حَلَقَةٍ قَادِمَةٍ الأُسْبوعَ القَادِمَ إِنْ شاءَ اللهُ وَمَع حَلَقَةٍ أُخْرى نَتَناوَلُ فِيها حُقُوقَ المَرْأَةِ المادِيَّةَ وَالمَعْنَوِيَةَ، أَتْرُكُكُمْ في رِعَايَةِ اللهِ وَحِفْظِهِ وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ تَعالىَ وَبَرَكَاتُهُ
لَقَدْ عَنِيَ الشَّرْعُ بِالأُمِّ عِنَايَةً فَائِقَةً تَفُوقُ أَيَّ نَظْرَةٍ وَعِنَايَةٍ فَرَضَتْهَا النُّظُمُ الأُخْرَى، وَالْمُطَّلِعُ على اِلنُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ يَجِدُ أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ أوْصَى بِهَا خَيْرَ وِصَايَةٍ، فَهذا حَديثُ الرَّسولِ صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ عِنْدَما جاءَهُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أَبُوكَ} فَفِي الحَديثِ دَليلٌ على أَنَّ مَحَبَةَ الأُمِّ وَالشَّفَقَةَ عَلَيْها يَنْبَغي أَنْ تَكونَ ثَلاثَةَ أَمْثالِ الأَبِ لِذِكْرِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الأمَّ ثَلاثَ مَراتٍ وَذِكْرِ الأَبِ مَرَّةً واحِدَةً. وَالسِّرُ في ذلِكَ كَمَا قالَهُ ابْنُ بطال أنَّ الأمَّ تَنْفَرِدُ عَنِ الأَبِ بِثَلاثَةِ أَشْيَاءَ: صُعُوبَةِ الحَمْلِ وَصُعُوبَةِ الوَضْعِ، وَصُعُوبَةِ الرَّضَاعِ، فَهذهِ تَنْفَرِدُ بِهَا الأُمُّ وَتَشْقَى بِها ثُمَّ تُشَارِكُ الأَبَ فِي التَّرْبِيَةِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: إنَّ لِلأُمِّ ثُلُثَيِ البِرِ بِنَاءً عَلى هذا الحديثِ.
جَاءَتِ الْوَصِيَةُ في الْقُرْآنِ الكَريمِ بِالْوالِدَيْنِ عُمُوماً وَبِالأُمِّ خَاصَّةً، وَذلِكَ فِي آيَةِ سُورَةِ لُقْمَان: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } وَفي سُورَةِ الأَحْقَافِ أيْضاً يَقُولُ تَعَالَى:{ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }.
فَفِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ الْكَريمَتَيْنِ يَذْكُرُ اللهُ تَعَالَى أَسْبابَ وَحَيْثِيَاتِ التَّوْصِيَةِ لِجانِبِ الأُمِّ، فَيَذْكُُرُ الْقُرْآنُ الكَريمُ مَتَاعِبَ الأُمِّ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَلَدِ مِنْ حَيْثُ قِيَامُها بِحَمْلِهِ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وِهِيَ امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ، تَتْعَبُ مِنْ هذا الْحَمْلِ الذِّي يَسْتَمِرُ لِشُهُورٍ عَديدَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ تِلْكَ الْمُعاناةِ مِنَ الْحَمْلِ تَضَعُهُ كُرْهاً: أيْ بِكُرهٍ وَمَشَقَّةٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ قَامَتْ بِإِرْضَاعِهِ، وَهَذِهِ الأُمُورُ قَدْ حَدَثَتْ فِي مَرْحَلَةٍ لَمْ يَبْلُغْ فِيهَا الابْنُ بَعْدُ مَسْأَلَةَ الإدْراكِ لِمَا يَحْدُثُ، فَهِيَ أُمورٌ غَيْرُ مَنْظورَةٍ لِلطِّفْلِ، وَبِهذا لا يَسْتَطيعُ أنْ يُدْرِكَ حَجْمَ المَتاعِبِ التِّي تَتَكَبَدُها الأُمُّ فِي فَتْرَةِ الْحَمْلِ وَالرَّضاعَةِ، وَمَا تَبْذُلُهُ مِنْ جُهْدٍ عَظيمٍ لِرِعايَتِهِ فِي مَرْحَلَةِ طُفُولَتِهِ المُبَكِّرَةِ.
وَيُوَضِّحُ هذا الْمَعْنى فَضِيلَةُ الشَّيْخ الشَّعْراوي ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ مِنْ عُلَمَاءِ الأَزْهَرِ الشَّريفِ قائِلاً :
إنَّ اللهَ سُبْحانَهُ وَتَعالى في تَوْصِيَتِهِ بِالأُمِّ قَدِ اخْتَصَّها؛ لأنَّها تَقُومُ بِالجُزْءِ غَيْرِ الْمَنْظورِ في حَيَاةِ الابْنِ أوْ غَيْرِ الْمُدْرَكِ عَقْلًا، بِمَعْنى أنَّ الطِّفْلَ وَهُوَ صَغيرٌ في الرَّضاعَةِ وَفي الحَمْلِ وَالوِلادَةِ، وَحتى يَبْلُغَ وَيَعْقِلَ، الأمُّ هي التي تُقَدِّمُ لَهْ كُلَّ شَيْءٍ، هِيَ التِّي تَسْهَرُ لِتُرْضِعَهُ، وَهِيَ التِّي تَحْمِلُ وَهِيَ التِّي تَلِدُ، فإذا كَبُرَ الطِّفْلُ وَعَقَلَ مَنِ الذِّي يَجِدُهُ أمامَهُ؟ يَجِدُ أَباهُ؛ إذا أرادَ شَيْئًا فإنَّ أباهُ هُو الذِّي يُحَقِّقُهُ لَهُ، وَإذا أَرادَ أنْ يَشْتَرِيَ لُعْبَةً جَديدَةً وَملابِسَ جَديدَةً، وَإذا أرادَ مالًا.. الخ، كُلُّ هذا يَقُومُ بِهِ الأَبُ.
إذًا فَضْلُ الأبِ ظاهِرٌ أمامَهُ، أمَّا فَضْلُ الأمِّ فَمُسْتَتِرٌ؛ وَلِذلِكَ جَاءَتِ التَّوْصِيَةُ بِالأُمِّ أَكْثَرَ مِنَ الأَبِ، لِماذا؟ لأنَّ الطِّفْلَ حينَما يُحَقِّقُ لَهُ أبوهُ كُلَّ رَغَبَاتِهِ يُحِسُّ بِفَضْلِ أَبيهِ عَلَيْهِ، وَلكِنْ نادِرًا مَا يُقَدِّرُ التَّعَبَ الذِّي تَعِبَتْهُ أُمُّهُ، وَهُوَ يَزيدُ أضْعافَ أضْعافَ مَا يُقَدِّمُهُ لَهُ أبُوهُ، مِن هُنا جاءَتِ التَّوْصِيَةُ بِالأُمَّ
وَلِلأُمِّ عَلَى وَلَدِهَا حُقُوقٌ مَعْنَوِيَةٌ كَثِيرَةٌ وَكَبيرَةٌ لا يُحْصيهَا الْمُحْصِي وَلكِنْ نَذْكُرُ مِنْها:
أ - حُبَّهَا وَتَوْقِيرَهَا فِي النَّفْسِ وَالقَلْبِ مَا اسْتَطاعَ لأنَّها أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صُحْبَتِهِ.
فَهِيَ التِّي جَعَلَتْ بَطْنَها لَهُ وِعَاءً وَثَدْيَهَا لَهُ سِقَاءً، فَحُبُّهَا لازِمٌ وَلا بُد، وَالفِطْرَةُ تَدْعُو إِلَيْهِ، بَلْ إِنَّ حُبَّ الأَوْلادِ لأُمَّهاتِهِمْ وَحُبَّ الأُمَّهَاتِ لأَوْلادِها فِطْرَةٌ فَطَرَ اللهُ عَلَيْها الْبَهَائِمَ وَالدَّوابَّ، فَبَنُو البَشَرِ أوْلى بِذلكَ وَالمُسلِمُونَ أَوْلى بِذلِكَ كُلِّهِ.
ب - الرِّعايَةَ وَالقِيامَ عَلى شُؤُونِها إنِ احْتاجَتْ إِلى ذَلكَ بَلْ إنَّ هذا دَيْنٌ في عُنُقِ وَلَدِهَا. أَلَيْسَتْ قَدْ رَعَتْهُ طِفْلاً صَغيراً وَسَهِرَتْ عَلَيْهِ وَكانَتْ تَصْبِرُ عَلى أَذَاهُ .. بَلْ إنَّ ذلكَ قَدْ يُقَدَّمُ عَلى الجِهادِ إِنْ تَعَارَضَ مَعَهُ.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرُو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهادِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحَيٌّ والِداكَ؟ قالَ: نَعَم، قالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ. رَواهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِم
ت -عَدَمَ أَذِيَتِهَا أَوْ إِسْمَاعِهَا مَا تَكْرَهُ مِنَ الْقَوْلِ أوِ الفِعْلِ.
قالَ تَعالى: { فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍ } فَإذا كانَ اللهُ تَعالى حَرَّمَ قَوْلَ " أُف " لِلْوالِدَيْنِ: فَكَيْفَ بِمَنْ يَضْرِبُهُمَا؟!! .
ج - الطَّاعَةَ وَالائْتِمَارَ بِأَمْرِهَا إِنْ أَمَرَتْ بِمَعْرُوفٍ، أمَّا إنْ أَمَرَتْ بِشَرٍّ كَالشِّرْكِ: فَلا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالِقِ.
قالَ تَعالى :{ وَإِنْ جَاهَداكَ عَلى أنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً } ( لقمان / 15 ) .
ح - أَمَّا بَعْدَ مَوْتِها فَيُسَنُّ قَضَاءُ مَا عَلَيْهَا مِنْ كَفَّاراتٍ وَالتَّصَدُّقُ عَنْها وَالْحَجُّ أَوِ الاعْتِمَارُ عَنْها.
عَنِ ابْنِ عَبَاسَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: " أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إلى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْها؟ قَالَ: نَعَم حُجِّي عَنْها، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ، اقْضُوا (في حالة البدء بها تُقرأ إقضوا) اللهَ فَاللهُ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ". رَواهُ البُخارِيُّ.
خ - وَكَذلِكَ بَعْدَ مَوْتِهَا يُسَنُّ بِرُّهَا بِصِلَةِ مَنْ كانَتْ تَصِلُهُمْ وَتَحْتَرِمُهُمْ كَأَقَارِبِهَا وَصديقاتِها.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: " إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ ".
أَمَّا حُقُوقُ الأُمِّ المَادِيَّةُ فَهِيَ مُتَمَثِلَةٌ بِـ :
أ- النَّفَقَةِ عَلَيْهَا إِنْ أُعْوِزَتْ (إنِ احْتاجَتْ) وَلَمْ يَكُنْ لَها زَوْجٌ يُنْفِقُ عَلَيْها أَوْ كَانَ زَوْجُهَا مُعْسِراً. بَلْ إِنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا وَإِطْعَامَهَا عِنْدَ الصَّالِحِينَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يُطْعِمُوا أَبْناءَهُمْ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَرَجَ ثَلاثَةٌ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمُ الْمَطَرُ فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ، قَالَ: فَقالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ادْعُوا اللهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ فَقالَ أَحَدُهُمُ اللّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرانِ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلِبُ فَأَجِيءُ بِالحِلابِ فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ فَيَشْرَبَانِ ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي، فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ قَالَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغُونَ (( يَبْكُونَ بَصَوْتٍ عَالٍ )) عِنْدَ رِجْلِي فَلَمْ يَزَلْ ذلِكَ دَأْبِي وَدَأْبُهُمَا حَتى طَلَعَ الفَجْرُ. اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْها السَّماءَ، قَالَ فَفَرَجَ عَنْهُمْ .... " . رَواهُ البُخارِيُّ وَمُسْلِمُ.
ب - جُعِلَ لَهَا نَصِيبٌ فِي الميراثِ لا يَحْجُبُهُ شَيْءٌ وَقَدْ جَاءَ ذلِكَ مُوَضَّحاً فِي قَوْلِهِ تَعالى: " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ"
هذِهِ هِيَ نَظْرَةُ الشَّرْعِ لِلْمَرْأَةِ كَأُمٍّ، وَهذِهِ بَعْضُ الحُقُوقِ المَادِيَّةِ وَالمَعْنَوِيَةِ لَهَا، وَقَدْ حَرَصَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ عَلى بِرِّ أُمَّهَاتِهِمْ، بَلْ قِيلَ إنَّ عُمَرَ بنَ الخَطابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ تَمَنَّى لَوْ كَانَتْ لَهُ أُمٌّ لِيَبَرَّهَا، وَلا نَنْسَى أُوَيْسَ القَرْنِيَّ الذِّي ذَكَرَهُ الرَّسُولُ الكَريمُ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ أَنْ يَراهُ وَأَخْبَرَ الصَّحَابَةَ رِضْوانُ اللهِ عليهِمْ عَن بِرِّهِ لِوالِدَتِهِ، وَزَيْنُ العَابِدينَ مِنْ سَادَةِ التَّابِعينَ الذِّي لَمْ يَكُنْ يَأْكُلُ مِنْ صَحْنٍ تَأْكُلُ مِنْهُ أُمُّهُ مَخافَةَ أَنْ تَمْتَدَّ يَدُهُ إِلى ما سَبَقَتْ إِلَيْهِ عَيْنُهَا، فَيَكُونُ قَدْ عَقَّهَا، وَكَانَ حَيْوَةُ بنُ شُرَيْح -وَهُوَ مِنْ كِبَارِ العُلَماءِ- يَجْلِسُ فِي حَلَقَتِهِ يُعَلِّمُ النَّاسَ، فَتَقُولُ لَهُ أُمُّهُ: قُمْ يا حَيْوَةُ! فَأَلْقِ الشَّعيرَ لِلدَّجَاجِ، فَيَقُومُ فَيُطْعِمُهُمْ ثُمَّ يَرْجِعُ.
فَأَحْمَدُ اللهَ تعالى أَنْ هَدانا لِهذا الدِّينِ الذِّي كَرَّمَ المَرْأَةَ فِي كًُلِّ شُؤُونِها، وَجَعَلَهَا فِي أَعْلى مَكَانَةٍ وَأَرْفَعِ مَنْزِلَةٍ.